يجهل الكثيرون منا ما تتستر عنه بعض المؤسسات من أمور وما يدور داخلها من أحداث، وهذا ينطبق أيضا على مجموعة من الأندية الخاصة والتي وُجِدت من أجل أهداف معينة يتمثل هدفها الأساسي في التدريب في مختلف أنواع الرياضات. غير أن تعلُّمَ أبجديات «الرقص الشرقي» يعتبر، بالنسبة إلى البعض، بمثابة «جواز مرور إلى الضفة الأخرى»، ما يعطي الانطباع بأن عددا من هذه الأندية تلتحف برداء الشبكات المجهولة «المصدرة» للراقصات المغربيات إلى الكثير من الدول، خاصة منها دول الخليج العربي، التي تنتعش من هذه التجارة، بطرق أو بأخرى. لم يعد دور الأندية الخاصة بممارسة الأصناف الرياضية يقتصر على الجانب الرياضي فحسب، بل تطور ليكتسي صبغة أخرى تتمثل في «صقل» مواهب الراغبات في اقتحام عالم الرقص والليل، ما يفسر تعامل بعض هذه الأندية مع شبكات تلعب دور الوسيط بينها وبين الدول التي تطلب فنانات محترفات في مجال الرقص، سواء الخليجي أو الشرقي، خصوصا هذا الأخير، الذي يعتبر الأكثر طلبا، خاصة في لبنان والأردن وفي بعض الدول الأجنبية، بينما يظل الصنف الآخر أكثر طلبا في دول الخليج، التي «تتهافت» على المغربيات اللائي يتم استقطابهن من المدن المغربية التي تنتشر فيها الملاهي والمراقص و«الكباريهات» المصنفة... من خلال زيارتها لبعض الأندية الرياضية التي تُلقّن «فنون» الرقص، بالموازاة مع رياضات أخرى، تميط «المساء» اللثام عن كثير من الخبايا التي تدفع إلى التساؤل عن الصيغة القانونية التي تحملها هذه المؤسسات المرخص لها بالقيام بتدريب في مجال الرياضة بشكل عامّ، بما في ذلك الرقص، الذي يستقطب الكثير من الفتيات، وعن المهام التي تقوم بها خارج المسموح به، وهو ما لا يعني، بالضرورة، أن كل اللواتي يمارسن هذا النوع من الرياضة التعبيرية هن راغبات في العمل كراقصات، طالما أن هناك نساء وفتيات يمارسن هذه «الرياضة» فقط من أجل إنقاص الوزن والحفاظ على اللياقة والرشاقة البدنيتين أو من أجل الترويح عن النفس. غير أن هذا لا يمنع وجود «فئات» أخرى ذات نوايا وأهداف مغايرة (قد لا يتضح هذا منذ الوهلة الأولى) تسعى إلى عبور الحدود في اتجاه دول أجنبية من خلال «الدبلوم» الذي تمنحه بعض هذه الأندية ك«جواز مرور» يمكّن الشابة، المقبلة على امتهان الرقص الشرقي أو الخليجي، من الحصول على «اعتراف» بها ك«فنانة». ورغم أنها في بعض الأحيان لا تحمل من «الفن» سوى الاسم أو في أحسن الأحوال تجيد فقط كيف «تهز» جسدها بدون ضبط «القواعد» ولا «التقنيات»، التي تشترطها بعض الدول، طالما أن الغاية تبرر الوسيلة وجميع الطرق تؤدي إلى.. «الخليج»، كما تقول «ح. ل.»، فإن الحصول على دبلوم في هذا «التخصص» لا يتطلب سوى القليل من الجهد، ما يفسر اكتفاء بعضهن بحصص تدريبية معدودة تكون في نظرهن كافية لاقتحام عالم الشهرة والمال... تضيف «ح. ل.»، التي تتحدر من مدينة الدارالبيضاء: «يكفي فقط التعرف جيدا على رب النادي الرياضي، ثم التفاوض معه، بعد ذلك، حول الثمن الواجب أداؤه مقابل الحصول على «دبلوم الفن»، الذي يُمكّن من حمل صفة «فنان» في هذه الرياضة»، التي أصبحت «مهنة من لا مهنة له»، كما عبّرت عن ذلك سيدة في الأربعينات من عمرها. 2000 درهم الثمن الأدنى للحصول على دبلوم في الرقص تقول شابة في ال25 عاما إنها حصلت على دبلوم «فن الرقص الشرقي» بمبلغ 2000 درهم، إلا أنها تعلمت «تقنيات» الرقص من خلال المداومة على حضور جميع التمارين والحصص التدريبية، رغبة منها في صقل «مواهبها»، كما قالت. وقد يصل ثمن الدبلوم إلى 3000 درهم فما فوق، حسب نوعية الزبون. وقالت نفس المتحدثة، في السياق نفسه، إنه إذا «توسط» رب النادي لإحداهن في الحصول على العمل، سواء داخل المغرب أو خارجه، فسيكون له نصيب مالي غير محدد. وقالت محدثتنا، بالحرف: «نتي ووجهك، ملّي يْدبر ليك على الخدمة كتعطيه حْلاوتو».. والملاحظ أن تدريب الرقص الشرقي لم يعد يقتصر على النساء بل أصبح الرجال بدورهم «متطفلين» على هذا المجال، الذي كان حكرا على النساء فقط، وعادة ما يكونون قد تلقوا «تكوينا محترفا» في تقنيات الرقص في الخارج حتى أصبح البعض منهم يحظون بشهرة وطنية ويلقون إقبال الكثير من عاشقات الرقص الشرقي من أجل تعلم الرقص ب«احتراف» على أيديهم، بل الأكثر من ذلك أنهم «متطفلون» أيضا على مجال خياطة الألبسة المستعمَلة في هذا المجال بأثمنة مُبالَغ فيها، مقارنة مع جودة الثوب ونوعية التصميم، الذي يصل ثمنه إلى ما يقارب 1500 درهم، أما الثوب الذي تربط به الراقصة «الأرداف» فلا يقل ثمنه عن 150 درهما. من الفتيات من يواظبن على حضور الحصص التدريبية، خاصة اللواتي يرغبن في «احتراف المهنة» والذهاب بعيدا في عالم الشهرة، إلا أنهن لا يقتصرن فقط على الحصص العادية الجماعية وإنما يتعدينها إلى إجراء تمارين إضافية، عادة ما لا تتم داخل الأندية بل تجرى إما في منزل المدرب أو المتدربة، وتصل قيمة ساعة فردية واحدة إلى حوالي 300 درهم، أي ما يناهز 1800 درهم في الشهر، مقسمة على حصتين في الأسبوع. على أن تعلم الرقص الشرقي ليس بالأمر السهل، فالأمر يتطلب الكثير من التركيز والبداهة والجهد على إيقاع «الدربوكة» وتقليد حركات المدرب(ة) بشكل متناسق ومتناغم مع الإيقاع، والذي يعتبر، لوحده، غير كافٍ، بل حتى الطريقة التي تقف بها «راقصة المستقبل»، تعتبر، أيضا، شرطا من شروط «الاحتراف»، ولا يكف المدرب عن القول: «ابتسْمي، قادّي كْتافك، خاص لْتحتْ (الردفين) يكون حلو على الفوقْ (العنق والوجه)»... في إشارة إلى أن تقنية «تحريك الخصر والردفين» أثناء الرقص، مسألة جد أساسية، والتوظيف الجيد للجسد مسألة لا نقاش فيها، وهناك مدربون يقومون بحركات تبهر الناظرين، تضاهي أحيانا ما تقوم به النساء، الأجدر بذلك. يقول أحد المدربين، قبل بداية إحدى الحصص التدريبية في أحد هذه الأندية «الشطيحْ فيهْ لفلوسْ، ولكن، حنا المغاربة، غير كندوقو من الحاجة أوكانّوضو»... وقد أكدت زيارة «المساء» لناد رياضي آخر وحديثها مع مدربة احترفت فن الرقص لمدة تزيد على 10 سنوات في مجال الرقص الشرقي والخليجي، الإقبال الذي تشهده هذه النوادي. تقول هذه المدربة إن «الرقص في المغرب غير مطلوب مقارنة مع دول الخليج وبعض الدول الأخرى، غير أن المغربيات يكون عليهن إقبال كبير في هذه السوق»، قبل أن تردف قائلة: «راكي عارفة الدّومينْ شنو فيه وأشنو كيبْغيو لهيهْ».. قبل أن تضيف أن النادي الذي تدرب فيه في الرباط لم يسبق له أن منح دبلوما في مجال الرقص الشرقي. لكن المعروف هو أن أول ما تسأل عنه أغلب الفتيات اللواتي يقبلن على هذه الرياضة هو إمكانية الحصول على دبلوم، وإن كان ذلك بمقابل مادي، وتؤكد أنها تقوم بتداريب في مجال الرقص الخليجي والشرقي في النادي وخارج النادي، وهي بدورها اقترح عليها أحد الوسطاء فرصة عمل في فندق في «تايوان» مقابل 30 مليون سنتيم في الليلة الواحدة.. غير أن رغبتها في السفر اصطدمت برفض والدها، الذي عارض فكرة تقديمها وصلات راقصة في دول أجنبية، طالما أن موافقته على دخولها هذا المجال ارتبطت بشرط اكتفائها بالتدريب دون الرقص للزبناء. الرقص في الخليج «عبودية مقننة» لم تكن «مريم» (اسم مستعار) تعلم أن حلمها سيتحقق بطرق أسهل مما تتصور، حينما عملت ب«نصيحة» إحدى قريباتها المقيمات في ديار المهجر، والتي كانت تتلقى دروسا في أحد الأندية الرياضية بالمغرب وتمكنت من الحصول على دبلومها عن «استحقاق»، على حد تعبير «مريم»، لكنها لم تمتهن الرقص بل مكّنها ذلك من إعطاء تداريب وتمارين في مجال الرقص في الخارج، خاصة أن الرقص في أوربا أصبح اليوم يلقى إقبال كبيرا عليه من قِبَل الأجنبيات. وقد تمكنت «مريم»، بفضل مساعدة صديقاتها، من الحصول بسهولة على دبلوم الرقص الشرقي في المغرب، رغم أن هذا المجال يكتنفه الكثير من الغموض وتحوم حوله الكثير من الشكوك، على اعتبار السمعة السيئة التي ارتبطت به وجعلته مرادفا ل«الدعارة والبغاء»... تقول مريم إن أملها لم يكتمل بعدُ، لأن وسطاء «تصدير» الفتيات إلى دول الخليج يقومون بإجراء اختبار أوّلي قالت إنهم لا يعتمدون فيه فقط على التقنيات التي يفرضها الرقص والطريقة التي تستعرض بها الراقصة «لوحتها» الفنية ومهاراتها في إثارة المشاهد، وإنما تُفرض فيه على الراقصة شروط يصعب قبولها، أحبّت «مريم» أن تشبهها بنوع من «العبودية»، رافضة الحديث عنها بتفصيل، بنظرات تحمل أحلاما وطموحات لم تتمكن من تحقيقها وسرعان ما انكسرت أمام واقع آخرَ، مليء بالكثير من الألغاز والغموض والمتناقضات، لتتراجع عن قرارها، خوفا من خوض معركة قد لا تنتهي إلى ما تشتهيه. شريط «لولا» هو مصدر «إلهامي» في الرقص الشرقي صرحت «كوثر ه.» بأن فيلم «لولا»، لنبيل عيوش هو ما دفعها إلى عشق فن الرقص، فقصتها مع هذا الفن مستوحاة من عالم السينما. و«كوثر» فتاة جميلة، هادئة، ذات قامة ممشوقة، تبدو مثيرة في بذلتها السوداء. تقول «كوثر» إنها كانت تشتغل في مجال عرض الأزياء، وهو مجال غير بعيد عن الرقص، لكنها تهوى الرقص أكثر من أي شيء آخر. وتابعت الشابة، البالغة من العمر 23 سنة، قائلة إنها تجد ذاتها في هذا الفن التعبيري، الذي يستهوي أغلب الفتيات إما كرياضة أو كفن أو كمهنة، وهذا هو السائد. إلا أن «كوثر» لم تختر الرقص كحرفة بل كهواية تطمح من خلالها إلى السفر إلى الخارج ورغبة منها في الاشتغال في نادٍ كمدربة للرقص الشرقي، خاصة أن الأجنبيات أصبحن يتعاطين بشكل كبيرا هذا النوع من «الفن». وتضيف «كوثر» أن السينما هي ما شجعها على امتهان الرقص والتفكير في تحقيق «مستقبل» في هذا المجال، خاصة بعد مشاهدتها الشريط السينمائي «لولا» للمخرج المغربي نبيل عيوش، والذي لعبت فيه الممثلة الأمريكية لورا رامسي دور راقصة شرقي واعترضتها الكثير من العراقيل، التي تحدّتْها من أجل الوصول إلى الهدف المنشود، فكانت هذه هي الخطوة الأولى التي غيّرت حياة «كوثر» ودفعتها إلى التفكير في «التضحية» من أجل تحقيق الآمال و«صقل» موهبتها، وتابعت قائلة إن «زيارتي لبعض الملاهي الليلية واستعراض إحدى الراقصات وصلة فنية جميلة أظهرت من خلالها أنوثتها برقصات وحركات مثيرة قوّت من رغبتي في اقتحام هذا «العالم» من خلال الحصول على دبلوم يُعبّد الطريق أمامي لتحقيق تطلعاتي».