لعل ما يميز الجلوس مع راقصات «الليل» هو طريقة التواصل بينهن في الجلسات خارج فضاء الكباريهات. قد لا تفهم الكثير من الأمور التي تمر أمام عينيك بسرعة خارقة عن طريق «الرموز المشفرة» كوسيلة ذكية تلجأ إليها الراقصات لإضفاء نوع من «السرية» على حياتهن ولإيصال «المعنى» دون الحاجة إلى «الكلام» ودون أن يلفتن انتباه من حولهن، فكما لكل مهنة «ضوابطها»، للرقص، أيضا، خصوصياته و«قاموسه» الخاص، الذي يصعب على غير الملمين به فك شفراته والخوض في تفاصيله من خلال «رموز» اعتادت الراقصات استعمالها ب«فنية» في عالم يتطلب منهن الكثير من الحيطة والحذر، درءا لكل المشاكل المحتمَلة وحفاظا على السرية التامة لنمط حياة اخترنه مغايِرا كان فيه للرغبة، في بعض الأحيان، نصيب، كما كان فيه للقدَر، أحيان كثيرة، نصيب أكبر... رقص وزواج فطلاق «سمارة» (اسم مستعار) لراقصة مغربية جميلة تبلغ من العمر 29 سنة، ذات بشرة سمراء ذهبية، شبّهها، سيف الإسلام، ابن العقيد الليبي معمر القذافي ب«فتيات البرازيل المثيرات»، تشتغل في عدد من الفنادق والكباريهات المصنفة في المغرب، بطلاقة فريدة، تحكي «سمارة» عن قصتها مع الرقص الشرقي وعن مغامراتها الليلية التي لا تخلو من الإثارة والمتعة أحيانا ومن المخاوف والمخاطر أحيانا أخرى. تقول إن الرقص في البداية كان فقط موهبة ومتنفَّساً ووصفته ب«الطبيب النفسي»، الذي يروح عنها وينسيها لوعة فراق أبويها، بعدما بقيت في عهدة جدها، الذي كان يستمتع برقصات الدلوعة «سمارة»، المحبوبة لديه، قبل امتهانها الرقص. كانت «سمارة» تشتغل في مجال المسرح والتمثيل وكانت تفكر كثيرا في السفر إلى الخارج، مع خطيبها الأجنبي، إلا أنه بعد علاقة حب بينهما، لم يُكتَب لها أن تكتمل، طلب منها جدها، بعد انفصالها عن الأجنبي، أن تُجري فحصا للتأكد من كونها ما تزال عذراء أم لا.. رفضت «سمارة» الكشف عن ذلك وقالت له إنها لم تفقد عذريتها، إلا أنها متخوفة من أن يتضح العكس. طردها جدها من المنزل فلم تجد أمامها سوى أصدقاء لها كانت تعرفهم حق المعرفة، قالت إنهم «مثليون».. كان أحدهم أستاذا في الرقص وآخرون يصممون اللباس الخاص به. يقطنون في حي «أكدال» في الرباط، فاقترحوا عليها العمل في الدارالبيضاء مع فرقة استعراضية في أحد الفنادق. قضت معهم بعض الشهور إلى أن تعلمت «تقنيات» الرقص الشرقي وغادرت العاصمة الإدارية نحو العاصمة الاقتصادية، فاشتغلت لمدة ستة أشهر في أحد الفنادق إلى جانب راقصتين، إلى أن تقدم لخطبتها مغربي ثري وتزوج منها فاعتزلت عالم الرقص. أنجبت طفلتين، إلا أنه في كل مرة كان زوجها يُسمعها كلاما جارحا يجعلها تحس بأنها ما تزال في عالم الراقصات و«اللباس العاري». تقول إن زوجها كان في كل مرة يقع فيها سوء تفاهم بينهما، يستفزها ويخاطبها بأسلوب مخل: «أنا جمعتك من الزنقة والكباريات». بعد حوالي ثمان سنوات قضتها في عش الزوجية، طلبت الطلاق من زوجها واحتضنت طفلتيها، لتعود إلى «ساحتها» التي تركتها طوال كل تلك المدة. أتيحت لها فرصة الذهاب إلى سويسرا والعمل في أحد المراقص الليلية الراقية بمقابل يناهز 50 ألف درهم لليلة الواحدة. تحكي «سمارة» أنها لا ترغب في الذهاب إلى الخارج، خاصة أنها تعيل ابنتيها وتدرسهما في معاهد خاصة وأنها «مرتاحة» في المغرب ولن تستطيع العيش إلا في بلدها، رغم أن الراقصة في المغرب ليست سوى «ساقطة».. بهمس، نطقت الكلمة باللهجة العامية، وهي تلتفت يمينا وشمالا. واصلت كلامها قائلة إن الراقصة في المغرب دائما «متهمة ومصنَّفة» في خانة واحدة، كأن الراقصة ليست سوى «فريسة» للرجل في حلبة مليئة بالذئاب، كما ارتأت أن تعبّر عن ذلك: «شحالْ من واحد كيجي كيتفرج وكيقول ليا الله يعفو عليك».. تسمع «سمارة» هذه العبارة في كثير من الأحيان ولا يروق لها ذلك. ومنهم من يساومونها بمبالغ مغرية لكي تقضي ليلة معه، فيما آخرون لا يطلبون سوى أن يكونوا محظوظين بجلوس راقصة فاتنة إلى جنبهم. استرسلت «سمارة» في حديثها قائلة إن عالم الرقص كله أسرار ولا يعلم ذلك إلا «أهل الدار».. والراقصة ما دامت قد اختارت هذا الفن فيجب عليها أن تتحمل كل شيء: «حنا كنخدمو مع جميع الفئات: السكايرية والناس اللي في المستوى».. تحكي «سمارة» عن الطريقة التي يتعامل بها الزبون مع الراقصة، من أجل إقناعها وحيث تكون «المنافسة» شديدة، خاصة عندما يكون الملهى أو المرقص ممتلئا، كل واحد يعبر عن «سخائه» بطريقته الخاصة، لإغراء الراقصة ودفعها إلى قبول العرض، وهو ما يسمى في هذا العالم «الغْرامة». تقول «سمارة» إن المنافسة دائما تكون في صالح الراقصة. وأغلب الفئات التي تتردد على المرقص الذي تشتغل فيه «سمارة» من شخصيات وازنة مغاربة وأجانب، هذه الفئة الأخيرة هي الأكثر «كرما»، تقول «سمارة»: «غير جوج من هادو يعوضو ليك خدمة ديال شهر»... تقول إن الرقص في ملاهي وكباريهات الرباط هو أقل مستوى من طنجة، التي تذهب إليها، بين الفينة والأخرى، إما لإحياء سهرة خاصة أو للرقص في ملهى أو كباري: «الطنجاويين كيقدرو الرقص وكيحترمو الراقصة»... 20 ألف درهم في الشهر هو أقل مبلغ تتقاضاه «سمارة» في مكان واحد فقط للرقص، أما إذا تعددت الأماكن، فيصل المبلغ إلى حوالي 50 ألف درهم في الشهر. تقول المتحدثة ذاتها: «أنا ولّفت لفلوس كثار، منقدرش نعيش فقل من هذا المستوى، بناتي كيقراو بلفلوس.. كيلبسو لي مارك».. بعد صمت طويل، واصلت حديثها: «الصالير في الوظيفة ديال المغرب يلاه تتكافى بيه مع الخبزْ»، قبل أن تضيف: «ماتقدنيش 5 آلاف درهم في الشهر».. واعتبرت «سمارة» أن امتهان الرقص مجال صعب وليس سهلا كما يعتقد الكثيرون: «إيلا ما خدمتي، تصبح مزلوط، خدمتي تولي غني»...
هذه هي قصتي مع سيف الإسلام القذافي بلباسها الفتان وجسدها الممشوق وفي إحدى الليالي الخمرية، عاشت «سمارة» ألف حكاية وحكاية في ألف ليلة وليلة. لم يكن الزبون هذه المرة شخصا عاديا، بل هو ابن شخصية بارزة متمثلة في شخص ابن الرئيس الليبي سيف الإسلام القذافي، الذي كان قد زار المغرب في 2010. تقول «سمارة» إنه نزل في أحد الفنادق الرباط الراقية. وكانت «سمارة»، رفقة راقصتين أخريين في ليلة استعراضية فريدة. أثارت «سمارة» انتباه ابن الرئيس الليبي، الذي عرض عليها مبلغا ماليا يناهز 70 ألف درهم مقابل قضاء ليلة واحدة معه... وصف سيف الإسلام جسد «سمارة» ب«الجسد البرازيلي الفتّان» وشكك في كونها مغربية. تقول «سمارة»إنه ظن أنها برازيلية وليست مغربية.. أنهت «سمارة» حصتها الاستعراضية التي لم تتجاوز النصف ساعة وغيّرت المكان نحو وجهة أخرى، إلا أن سيف الإسلام أصرّ على أن يقنعها بقبول عرضه. تواصل «سمارة»: «أنا خْرجت نْبدّل البلاصة، تْبعني حتى لواحد لوطيل آخر».. قاطعتها إحدى الراقصات أثناء حديثها، مذكرة إياها بأن سيف الإسلام أبان عن إعجابه ب«سمارة» أمام الملأ، ما جعل بعض الزبناء يعتبرون المشهد مضحكا، فيما تخوف آخرون من إقدام ابن القذافي على التضييق على الراقصة.. تتابع «سمارة»، التي كانت ترغب في اقتناء سيارة تليق بمقامها، إن صديقاتها حاولن أن يقنعنها بقبول العرض وبتحقيق «الحلم»، وكانت إحدى النساء «الوازنات» (رفضت سمارة الكشف عن اسمها) قد عرضت فتيات حسناوات على ابن العقيد الليبي لقضاء ليلته معهن قالت عنهن سمارة «وحدة تْنسّيك فلخرى ومابغاش يتّفاك معايا». وواصلت صديقتها الراقصة، التي ظلت تداعب علبة سجائر من النوع الممتاز، حديثها قائلة إن سيف الإسلام عادة ما ترفضه المغربيات، لأنه لا يحسن معاملتهن. المرحاض مكان لتوزيع أرقام الهواتف تختلف «طرق» الراقصات في استمالة الزبون من أجل قضاء ليلة حمراء حسب نوعية الفضاء ورغبة رب المحل، الذي يخيّر الراقصة بين أن تُلبي حاجيات الزبناء وبين قضاء ليلة أو ساعات معهم، وعادة ما يكون هذا في الفنادق، حيث يقوم رب المحل بحجز الغرفة للزبون وللراقصة معا، وعند عدم تقيُّد الراقصة بهذا الشرط، قد يطردها من «العمل»، بذريعة أنها «لا ترضي الزبناء»... عند قبول الراقصة شرط رب المحل، الذي «يستثمر في جسد الراقصات»، كما عبّرت عن ذلك راقصة كباري، تقوم بمجموعة من المناورات لإيقاع الكثير من الزبناء في شباكها، عن طريق مهارتها وحركاتها التعبيرية وجسدها، شبه العاري. ونزولا عند رغبة بعض الزبناء في صعود الراقصة على الطاولة من أجل استعراض راقص، تكون هذه الأخيرة قد أعدّت وريقات تضم رقم هاتفها الشخصي تضعه في «صدريتها»، وبدون أن تلفت انتباه الآخرين، تسلم الوريقة للزبون «الضحية»، على حد تعبير إحداهن. وهناك فئة أخرى من أرباب الفنادق والكباريهات والملاهي والحانات الليلية يرفضون قبول الراقصة بمثل هذه العروض، لأنهم يعتبرون أن الزبون الذي يطمح إلى الوصول إلى الراقصة سيبقى دوما متشبثا بالأمل في الانفراد بالراقصة، وبالتالي سيتردد على المكان بين الفينة والأخرى.. تقول إحدى الراقصات: «ينطبق على الزبون المثل القائل «جُوّعْ كْلبك يْتبعكْ.. كلما جوعتيهْ يْعطيك».. أما إذا قضى وطره منك عمرك ما غاتشوفو ما زال»... لم تتردد إحداهن في الحديث عن المشاكل و«المقالب» التي يُقْدم الزبناء على نصبها للراقصة عن طريق التغرير بها للوصول إلى الهدف المنشود وهو قضاء ليلة حميمية مع إحدى الراقصات المحترفات.. تحكي صديقة «سمارة» عن قصة زبون كان يتردد على الفضاءات التي يتواجدن فيها، وهو زبون من «المستوى الرفيع»، سبق له أن قدم عروضا ترضي الراقصات «اللي كيدبرو على راسهوم» (تقول) إنه سبق لزميلتين لهن أن قضيتا مع هذا الزبون ليلة من الليالي التي طالما «حلم» بها، لكنه جرّدهما من هواتفهما ومن نقودهما.. وتضيف أخرى «مع العلم أنه ليس في حاجة إلى الحصول على ما تملكه تلك الراقصتان، فهو يقطن في فيلا في حي راق»ٍ، وفسرن ذلك بأنه كانت للأخير دوافع أخرى لما أقدم عليه لا يعلمنها...
«لفلوس ديال الحرام كيْطيرو دغيا»...
«شهرزاد» (اسم شهرة) فتاة حسناء أشبه بفتيات الخليج. شعرها حريري أسود. عيناها كعيني أمها، زادهما جمالا لون العدسات الاصطناعية. خجولة في كلامها مع الآخرين. لا يتعدى عمرها 22 سنة من أسرة متوسطة. لا يعلم أبوها عن حياتها أي شيء. تقول إن أباها «محافظ» ولا يعرف أنها راقصة في أحد الكباريهات. أما أمها وأخواتها فيعلمن بالأمر. تقول «شهرزاد» إن اختيارها الرقص بعد فشلها في الدراسة هو طموحها إلى تحقيق الاستقلالية المادية وإلى ألا تمد يدها إلى أحد: «ماما ما خداماش، شحال قدني كل مرة نقول ليهوم عْطيوني؟ غدي نطلع ليهوم فالرّاسْ».. بدأت «شهرزاد» مشوارها في مراكش، بثمن جد مناسب وفي مكان مصنف، إلا أنها غادرت المدينة، بسبب المنافسة الشرسة للزبائن على الراقصات والرغبة في الوصول إليهن، ب«تشجيع» من رب المحل. تقول شهرزاد: «ملي كتدبّر شي راقصة على راسها، خاصها تعطي للفيدور 100 أو 200 درهم إيلا ما عطاتْها ليه، ما يخلّيهاش تدخل مرة خرى».. تقسم «لغْرامة» التي تجمعها الراقصة على ثلاث حصص: حصة لرب المحل وحصة للفرقة الموسيقية والثالثة للراقصة، وأغلب الزبناء في مراكش إما خليجيون أو أجانب. تقول «شهرزاد» إنها اختارت الرقص عن قناعة وارتياح ولم يكن هدفها من وراء الرقص ممارسة الدعارة، على حد تعبيرها، وإن الراقصة هي من تفرض وجودها في المرقص. 1000 درهم في الليلة الواحدة لمدة قصيرة من الرقص لا تتعدى 15 دقيقة هو المبلغ الذي تحصل عليه «شهرزاد»، علاوة على السهرات الخاصة التي تتراوح قيمتها بين 2000 و3000 درهم في عرض راقص لمدة ساعة واحدة، أضف إلى ذلك «لْغرامة». وقد يصل هذا المبلغ، أحيانا، إلى 5000 درهم. وقد يصل الراتب الشهري الذي تتقاضاه «شهرزاد» إلى أزيد من 30 ألف درهم في الشهر، بدون احتساب مداخيل السهرات الخاصة. وبهذا الخصوص، قالت: «الوظيفة في المغرب ما غتْدير ليّ والو ولكن لفلوس ديال الحرام كيْطيرو دغيا»... تقول «شهرزاد» إنها تفكر في اعتزال الفن إذا وجدت الرجل الذي يقبل بماضيها. وبحسرة، تتابع: «صحيح أن الرقص يغني إلا أنه فقط عبارة عن قنطرة مؤقتة يجب أن تستغل فيها الراقصة الفرصة وتجسد جمالها وأنوثتها، لكنْ يجب ألا تنسى أنه سيأتي يوم سيتركها فيه القطار وستجد نفسها بلا زوج ولا أبناء ولا مستقبل.. والرقص ما هو إلا فرصة «ثمينة» لتحقيق الربح والتفكير في «دْواير الزمانْ».. تقول «شهرزاد» إنها ستقتني منزلا في الرباط وستودّع عالم الرقص بالمرة، لأنه من الغباء أن تبني الراقصة مستقبلها على الرقص: «اللي جابو النهار يْدّيه الليل»... تقول «شهرزاد»: «الرقص في سهرة خاصة في إحدى فيلات شخصيات مرموقة يجعل المقابل المادي يتضاعف، وبدل 2000 درهم في عرض لا يتعدى نصف ساعة، تجني ما يقارب 7 آلاف درهم.. وإذا كان الحفل منظما من طرف أجانب أو خليجيين فقد يصل المبلغ أحيانا إلى 10 آلاف درهم... واللباس الذي يفرضه المقام يختلف حسب نوعية المدعوين، فإذا كان عرسا مغربيا، منظما في إحدى قاعات الحفلات، عادة ما لا ترتدي الراقصة لباسا عاريا، أما إذا كانت سهرة من نوع خاص فيتطلب الأمر ذلك. ويصل ثمن البذلة الواحدة، كأدنى ثمن، إلى 1500 درهم»...