سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إدريس المساوي: لدينا في الدار البيضاء لوحدها 100 ألف مريض نفسي خطرون مقابل 84 سريرا فقط والمسؤولية تتحملها وزارة الصحة رئيس المركز الجامعي للطب النفسي ل«المساء»: 26 في المائة من المغاربة مصابون بالاكتئاب و16 في المائة منهم يفضلون الموت على الحياة
كشف البروفيسور إدريس المساوي، رئيس المركز الجامعي للطب النفسي في الدارالبيضاء، في هذا الحوار عن خطورة المرض النفسي وعن الأسباب التي ساهمت في انتشاره، والتي تلعب فيها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية دورا مهمّاً، كما فسّر الأرقام الصادرة مؤخرا عن وزارة الصحة، والتي كانت بناء على البحث الذي أجراه حوالي خمسين طبيبا بشراكة مع منظمة الصحة العالمية، والذي خلُص إلى أن الاكتئاب والفصام من أكثر الأمراض النفسية انتشارا، كما أشار المساوي، في هذا الحوار، إلى الدوافع التي جعلت نسبة الانتحار ترتفع في السنوات الأخيرة، إذ كشف نفس البحث أن نسبة 16 في المائة من الأشخاص يُفضّلون الموت على الحياة. وتذمر المساوي من النقص الذي يعرفه قطاع الصحة النفسية على مستوى الممرضين، حيث يتوفر المركز الجامعي الذي يشرف على إدارته على 28 ممرضا فقط، وهو الأمر الذي أكد المساوي أنه سيجعل العديد من المرضى لا يجدون أماكن داخل المؤسسة الصحية المذكورة للعلاج مستقبلا، في حال لم تتدارك الوزارة الوصية الأمر، بتوفير عدد كافٍ من الممرضين، وفق ما تقتضي المعايير الدولية. -أكدت آخر التقارير التي صدرت عن وزارة الصحة أن 48.9% من المغاربة مصابون باضطربات نفسية، ماهو تعليقك على هذا؟ كان هذا عبارة عن استطلاع قامت به وزارة الصحة بشراكة مع منظمة الصحة العالمية، حيث قمنا ببحث علمي وبائي على عيّنة تمثل مجموع سكان المغرب من القرى والمدن. وقد أجري الحوار مع ما يقارب 6000 شخص بطريقة علمية معترَف بها دوليا، مترجمة إلى 60 لغة ومترجمة كذلك إلى الدارجة المغربية، حيث تم التوصل إلى مجموعة من النتائج، من بينها أن الاضطراب النفسي ينتشر بنسبة 48.9 % بين الأشخاص الذين يبلغ عمرهم 15 سنة فما فوق، كما وجدنا أن 26.5 % منهم مصابون بمرض الاكتئاب. كما أوضح البحث أن العديد من الأمراض النفسية تنتشر بين المواطنين المغاربة، من أبرزها مرض الفصام والاضطراب الهوسي الاكتئابي، بنسبة 5.6 %، بينما يعاني آخرون من أمراض نفسية وعقلية، يحتاج خلالها المصاب إلى التشخيص المبكر للمرض وكذلك إلى إحاطته بعناية خاصة، قبل تدهور حالته الصحية. - أسفرت النتائج التي توصلت إليها الدراسة عن حالة من الاستغراب في صفوف المتتبعين بسبب الأرقام المرتفعة التي أشارت إليها، لماذا في نظرك هذه الحالة من الاستغراب؟ رغم أن خلاصات الدراسة قد أثارت ضجة، نظرا إلى ما كشفته من أرقام مرتفعة، فإن هذه الأرقام تم تقبلها. لنأخذ، مثلا، مرض الاكتئاب، عندما نتحدث عن نسبة 26 %، فإن هذا الرقم يثير الاستغراب، ولكنْ إذا لاحظنا، مثلا، عدد الأشخاص الذين يعانون من الإدمان على النيكوتين في المغرب، سنجد أنه ما بين الراشدين هناك حوالي 32 %، ونعرف أن النيكوتين من ناحية علم الصيدلة يشتمل على مادة مضادة للاكتئاب، إذن فنسبة 26.5 % ربما أكثر في الواقع. وإذا انتقلنا إلى فرنسا، مثلا، نجد أن البحث الذي أجري مؤخرا على عيّنة تمثّل مجموع سكان هذا البلد، توصل إلى أن 19 % من المواطنين الذين أجري معهم الحوار استطاعوا الشفاء من الاكتئاب. إذن، في حال قمنا بمقارنة الأرقام المغربية بالأرقام الأجنبية، سنجد نفس النتائج، أعطيك مثالا آخر، نسبة ارتفاع الضغط الدموي ما بين الأشخاص الراشدين تصل إلى 31%، ونسبة الرجال المصابين بسرطان البروستات في سن ال75 سنة أكثر من 80 %، وهذه الأرقام لا يتكلم عنها أحد، وهذا إنْ دل على شيء، فإنما يدل على أن الإنسان خُلِق لكي يمرض، إما جسديا أو نفسانيا. - نجد أن العديد من المغاربة ما زالوا لا يؤمنون بفعالية الطبيب النفساني المختص، ويتم اللجوء في الغالب إلى طرُق الدجل والشعوذة، فمَن المسؤول عن هذه المفارقة الغريبة في مجتمعنا؟ قد كان يمارَس هذا منذ القديم، ولكن عدد الأشخاص الذين يزورون الطبيب النفساني حاليا كبير جدا، مما يعني أن الطلب موجود، والضغط على الأطباء في تزايد مستمر، فمثلا في المركز الجامعي للطب النفسي نستقبل، كل سنة، 30 ألف مريض.. صحيح أن بعض الأشخاص يفكرون بمنطق «الجنون» و«السحر» و«العين» والدجل وغير ذلك، لكن العلاج التقليدي في تراجع وانخفاض نسبيين، ففي فرنسا، ورغم أنهم يتوفرون على 12000 طبيب نفسي ولديهم أكثر من 100000 طبيب عامّ، وحوالي النصف من هؤلاء هم خبراء في مختلف التخصصات، فإن 15 في المائة من السكان الفرنسيين يذهبون عند ما يصطلح عليه «الطب الخفيف»، وهو خارج عن الطب المعروف. - ما هي الطاقة الاستيعابية للمركز الجامعي للطب النفسي؟ الآن لدينا 104 بالنسبة إلى الأسرّة، ولكننا عملنا على إنقاص 20 سريرا، لأن عدد الممرضين قليل جدا، فالمركز لا يتوفر سوى على 28 ممرضا، علما أنه في كل سنة يتخرج حوالي 60 ممرضا، فلا بد من توفير الممرضين وإلا سنضطر إلى التقليل من عدد المرضى.. وعموما، يتوفر المغرب على 1950 سريرا في المستشفيات الخاصة بالطب النفسي، وهناك 350 طبيبا نفسيا متخصصا في كل شيء، يعمل 100 منهم في القطاع الخاص خارج المستشفيات العامة والجامعات، ولدينا 100 سرير آخر في مستشفى «تيط مليل»، الذي يبعد عن العاصمة الاقتصادية ب30 كيلومترا، بينما يفترض أن يضم مركز الدارالبيضاء ما بين 600 و700 سرير، وفق معايير منظمة الصحة العالمية. - لماذا كثرت الشكاوى التي تؤكد أن مجال الصحة النفسية في المغرب يعاني من نقص حادّ في الاختصاصيين وفي المراكز الاستشفائية؟ صحيح، هناك معاناة كثيرة أكّدتُها، مرارا وتكرارا، ولكنْ دون جدوى، فالعائلة عندما تقوم بإحضار المريض إلى المستشفى تعلم أنه أصبح يشكل خطرا على نفسه وعلى المجتمع، ولكن أغلب المرضى لا نجد لهم، للأسف، مكانا في ظل هذه الطاقة الاستيعابية غير الكافية، علما أن في مدينة كالدارالبيضاء أكثر من 100 ألف مريض، إذا لم يستعملوا الأدوية المخصصة لهم، يمكن أن يُشكّلوا خطرا على أنفسهم وعلى الآخرين، وهذا راجع، في نظري، إلى أن المرضى النفسيين لا يجدون من يتحدث عنهم، فمرضى الكلي ومرضى السرطان يعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم، أما المرضى النفسيون فليس هناك من يتكلم عنهم. - ولماذا هذا الحيف في نظرك؟ هناك وصمة «عار» بالنسبة إلى المرضى النفسيين. حقيقة، ما منح إلى حد الآن من طرف وزارة الصحة هو الأدوية، حيث في 2010 تمت إضافة 52 مليون درهم من الأدوية، ونفس الشيء تم سنة 2011. نعترف، صراحة، لوزارة الصحة بهذا المجهود، ولكنْ عندما نرى أن هناك ممرضة واحدة في مواجهة 40 مريضا، وهذه الممرضة نفسها تعاني من مرض القلب، مثلا، وتراقب هؤلاء المرضى, فهذا لا يعقل... - نلاحظ أن وضعية الممرض في مستشفيات الصحة النفسية «مهملة»، من المسؤول عن ذلك؟ وزارة الصحة، طبعا.. أذكر أن هناك ممرضا توفي في مستشفى «الرازي» في سلا وآخرَ ضربه مريض في رأسه وتسبب له في كدمات خطيرة.. هذان النموذجان، من بين حالات كثيرة، يوضحان المخاطر التي يتعرض لها الممرض في مستشفيات الأمراض النفسية في المغرب. في فرنسا أو إنجلترا، الممرض بحوزته آلة أتوماتيكية، يجب أن يضغط عليها كل 5 دقائق لكي يثبت لهم أنه بخير... ونجد أن الأبواب في هذه المستشفيات يصعب فتحها إلا ببطاقة إلكترونية. كما أن زجاج النوافذ غير قابل للكسر والكاميرات متواجدة في كل مكان، ولكنْ بالعودة إلى المغرب، نجد أن العائق الذي ما زلنا نحاربه هو توفير الممرضين، فعدد كبير منهم إما يتقاعدون عن العمل أو يقدمون استقالتهم أو يهاجرون إلى الخارج، ولكنْ لا يتم تعويضهم، إذن، فعندما يتقلص عدد الممرضين، سيشكل ذلك -لا محالة- خطرا على الممرض وعلى المرضى الآخرين. وأقول إنه في حال لم يتم تدارك هذا الوضع من قِبَل الوزارة الوصية، فسنشتغل في السنوات المقبلة وفقا للإمكانيات المتوفرة لنا وليس لدينا خيار آخر. - ما هي نوعية الخطورة التي يشكلها المصاب بمرض نفساني؟ وكيف يجب التعامل معه؟ يشكل المرض النفسي خطورة على المريض نفسه، لأنه إذا ارتكب جريمة ما سيكون مصيره السجن، ويشكل أيضا خطورة على العائلة وعلى المجتمع كذلك، إذن فليست الأدوية فقط هي التي تحدّ من خطورة المرضى النفسيين، بل لا بد أن تتوفر المراكز الاستشفائية التي تعالج هذا النوع من المرضى على عدد كافٍ من الممرضين، حسب ما نصّت على ذلك المعايير الدولية، فمثلا نجد أن منظمة الصحة العالمية تقول إنه لكل ثلاثة مرضى نفسيين يجب أن يتوفر ممرضان، وهذا غير متوفر حاليا. أما في ما يخص كيفية التعامل مع المريض النفسي فأقول إنه إذا كان الإنسان مقتنعا أنهم يريدون قتله والاعتداء عليه والشرطة تلاحقه، فأكيد أن رد فعله سيكون عنيفا، وهذا يستدعي منا، كأطباء، التدخل لحث المريض على اتباع الوصفة الطبية. - ما هي طبيعة العلامات التي تؤشر على أن الإنسان قد يكون مصابا بمرض نفسي؟ يمكن أن ألخص هذه العلامات في المعاناة وفي شعور الإنسان بحالة اختناق نفسية شديدة وبحالة من القلق تجتاح تفكيره، حيث يصير غيرَ قادر على النوم بشكل جيد وكافٍ، فهو نفسه أو المحيطون به سيلاحظون أن هناك معاناة وحزنا عميقين. - أين يتجلى دور العائلة في هذه الحالة؟ عندما تعاين العائلة هذه العلامات، يجب أن تضغط على المريض من أجل الذهاب للعلاج، وعندما يذهب المريض عند الطبيب المعالِج، يجب أن يلتزم بالوصفة الطبية، إذن، فدور العائلة مُهمّ جدا، ولكنْ، للأسف، هناك عدد من الأشخاص عندما يأتي المريض لتشخيص حالته المرضية، يقولون له إنه لا حاجة إلى الدواء ويطالبونه ب«التحلي بالإرادة والعزيمة».. وهذا خطأ وكلام فارغ، فالمرض النفسي، مثله مثل باقي الأمراض الجسدية، يحتاج إلى التشخيص وإلى العلاج. - ما هي العوامل المحفّزة على ظهور الأمراض النفسية؟ هناك عوامل كثيرة، ويمكن أن ألخّصها في عواملَ وراثية وعوامل تربوية وأخرى اجتماعية وفي وقع المحيط على المريض النفسي.. وهذه العوامل تتفاعل في ما بينها، فمثلا، إذا جاء الإنسان ووجد أن منزله قد احترق بأكمله وزوجته وأولاده قضوا نحبَهم في الحادث، فسنجد لهذا الإنسان «عذرا»، ولكن هناك أشخاص يتمتعون بإمكانيات مادية كثيرة وعمل مستقر ومكانة اجتماعية متميزة وليس لديهم أي مشكل، لا في العمل ولا في العائلة، ومع ذلك تكون لديهم حالة اكتئاب حاد قد تدفعهم، في بعض الأحيان، إلى الانتحار. - ما هو أثر تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية على توفير البيئة الخصبة لانتشار الأمراض النفسية؟ في القديم، كان سكان البوادي عندما تتهاطل الأمطار، يقولون: حمدا لله، وإذا كان العكس يقولون: هذا قدَر من الله.. اليوم لا يتقبلون الوضع بل يتركون القرية متوجهين صوب المدينة ليحتجّوا وينددوا ويبحثوا عن المسؤول؟ وتقوم ضجة وتتفاقم المشاكل مع الجيران ومع الشرطة... فسقف انتظارات المواطنين ارتفع، وهذا لعب فيه الإعلام البصري دورا كبيرا، فضلا على أن الإنسان لم يعد قدَريا ولا قنوعا، كما كان في السابق، الأمر الذي جعل الضغط النفسي يتزايد، مع العلم أنه ليست لدى كل المغاربة الإمكانيات النفسية لكي يقاوموا هذا الضغط المحيط بهم. - بماذا تفسر الارتفاع المضطرد لحالات الانتحار في المغرب؟ نعرف أن منظمة الصحة العالمية تقول إن عدد الوفيات بالانتحار في الثلاثين سنة الماضية كان أكثر من عدد الوفيات بمرض «السيدا».. وعندما أنجزنا البحث الوبائي سنة 2003، وجدنا أن نسبة 16 في المائة يفضّلون الموت على الحياة، وهذا يؤشر على نوعية المعاناة النفسية الحادة التي يعيشها هؤلاء الأشخاص ويفسر الحالة النفسية الخطيرة التي يمرون منها، كما أننا وجدنا أن 10 في المائة من الأشخاص الذين يعانون من الفصام (الشيزوفرينيا) ينتحرون و10 في المائة ممن يعانون من حالة اكتئابية هوسية يلجؤون، بدورهم، إلى الانتحار لوضع حد لحياتهم. أما بالنسبة إلى الطرق الأكثر شيوعا في الانتحار فهي إما أن يشنق المريض نفسه أو أن يرمي نفسه من طوابق عليا، دون نسيان الانتحار بالسموم أو عن طريق تناول الأدوية. - ما هي الدوافع التي تجعل الإنسان يفكر في الانتحار؟ أولا، المعاناة النفسية هي التي تجعل الإنسان يفضل الموت على الحياة، وثانيا، التغيرات الاجتماعية، التي جعلت التضامن العائلي والتلاحم الأسري يتلاشيان تدريجيا، وهذا ما أكده إميل دوركايم في أواخر القرن ال19، حين قال إن النقص في التلاحم الاجتماعي ستكون له آثار على ارتفاع حالات الانتحار في السنوات القادمة. - هل أفهم من كلامك أنك تنصح العائلة بالعودة إلى العائلة القبلية؟ مستحيل العودة إلى العائلة القبلية، ولكن رغم الارتفاع المضطرد للعائلات النووية، فهذا لا يمنع من تخصيص أوقات اجتماعية للقاء والتعارف والتعاون بين أفراد المجتمع، فالإنسان إذا كان يعاني من مرض نفسي ويعيش منعزلا فهناك احتمالات كثيرة لأن يرتكب المصائب، إما في حق نفسه أو في حق الآخرين وإما باللجوء إلى المخدرات أو التفكير في الانتحار، وقد لا يفكر في ذلك في حالة ما إذا كان مسانَدا من طرف العائلة. - من هم الأشخاص المعرضون أكثر للإصابة بالأمراض النفسية؟ حسب البحث الذي أنجزته وزارة الصحة سنة 2003 وشارك فيه حوالي 50 طبيبا، من بينهم من لديهم خبرة في مجال الإحصاء، اتضح أن سكان المدن يعانون من الاكتئاب أكثر من سكان البادية وأن الضغط عند المرأة أكثر منه عند الرجل، بحكم التغيير الذي حصل في وضعيتها، فهي أصبحت تشتغل ولكنْ يطلب منها، في الآن نفسه، أن تكون ربة بيت وزوجة وأما مثالية، وبالتالي، ازداد الضغط عليها أكثر بالمقارنة مع السنوات الماضية. كما أن المراهقين من الناحية النفسية أكثر قابلية للإصابة بالأمراض النفسية، ونفس الأمر بالنسبة إلى الأشخاص الفقراء والمعوزين، وهذا لا يعني أن الأغنياء معفيين من الإصابة، فالواقع يؤكد أن هناك أغنياء يملكون كل شيء، ومع ذلك هم مرضى نفسيون. - الميزانية المخصصة للصحة النفسية في المغرب.. كيف تراها؟ لقد ازدادت، صراحة، مع 50 مليون درهم المخصصة للأدوية، حيث كانت النسبة، في البداية، هي 1 في المائة، ولكنها أصبحت، بعد الزيادة في المبلغ المخصص للأدوية، 3 في المائة، إلا أنه بالنظر إلى أن 2/1 في المغرب يعانون من مشكل نفساني، فلا يجب أن تكون الميزانية المخصصة هي فقط 1 في المائة، بل يجب أن تكون 10 في المائة على أقل تقدير، وهذا ما تطلبه منظمة الصحة العالمية من جميع دول العالم، وهذا -للأسف- ما زلنا لم نصل إليه. - هل المسؤولون السياسيون واعون بخطورة انتشار الأمراض النفسية؟ هم يقولون إنهم يدركون جيدا طبيعة المعاناة التي يعانيها الأطباء والممرضون والمرضى، ولكنْ لا بد من أفعال تظهر على أرض الواقع. وحسب ما يقال فإن هناك مشاريع ستبنى في المغرب في ما يخص الصحة النفسية، إنما ماذا ننتظر منها، إذا اعتبرنا أن مدينة كالدارالبيضاء فيها خمسة ملايين إنسان، على الأقل، لديهم 100 ألف مريض نفسي، والذين إذا لم يستعملوا الأدوية يُشكّلون خطرا على أنفسهم وعلى الآخرين، في الوقت الذي نتوفر على طاقة استيعابية غير كافية، فضلا على أن 100 سرير، المتوفرة في مركز «تيط مليل» أغلبيتها مشغولة من طرف المرضى الذين ترسلهم العدالة، فعندما نمعن النظر جيدا، نجد أن 84 سريرا الموجودة الآن هي فقط التي تفي بالغرض... - ما أثر تعاطي المخدرات على ارتفاع نسبة المرضى النفسيين؟ لتعاطي المخدرات علاقة مباشرة مع المعاناة النفسية، فالإنسان الذي لا ينام ليلا، سوف يتعاطى مادة الحشيش لكي ينام ولا يعرف أن قلة النوم سببها الاكتئاب أو حالة قلقية، فهو يفكر في النوم فقط ولكنه لا يعلم أن ذلك يدخل في إطار معاناة نفسية، لا بد لها من تشخيص وعلاج. كما أننا نعرف أن الحشيش يُشكّل خطرا كبيرا على الإنسان الذي لديه قابلية للإصابة بمرض الفصام ونعرف، كذلك، أن من يتعاطى مخدر الحشيش وكان يسوق دراجة نارية أو سيارة، مثلا، فهو لا يدرك قوة السرعة التي يقود بها ولا يُقدّرها جيدا.. فجميع الأبحاث التي أجريت في العالم أوضحت أن مادة الحشيش تتسبب في ارتفاع نسبة حوادث السير وفي ارتفاع نسبة الوفيات، كما أننا نعرف أن الذين يتعاطَوْن هذه المادة لا يستطيعون التركيز، وبالتالي سيدمرون حياتهم الدراسية. - ما هي آخر الأرقام المتوفرة حول انتشار ظاهرة الإدمان في المغرب؟ في إطار البحث الذي سبق أن أنجزناه، وجدنا أن 2.2 من الأشخاص على صعيد مدينة الدارالبيضاء اعترفوا أنهم يتعاطَوْن الحشيش إلى درجة الإدمان و1.7 اعترفوا بأنهم مدمنون على الخمر. ومقابل ذلك، هناك من يستعملون الحشيش ويشربون الخمر ولكنْ لم يصلوا إلى درجة الإدمان، فهذا البحث ساعدنا صراحة على معرفة مكونات المغرب النفسية ومدى هشاشتها وقوتها، وعلى هذا الأساس، أجرينا هذا التشخيص. وما دمنا قد توصلنا إلى أن هناك ارتفاعا في حالات المدمنين والمرضى النفسانيين، فيجب على الدولة أن تمنح الإمكانيات المادية لعلاج هؤلاء المرضى، ولهذا تم افتتاح وحَدة لمعالجة الإدمان، تشتغل بشكل جيد، لا من ناحية الوقاية ولا من ناحية العلاج.
«لا نتوصل ولو بدرهم واحد من الدولة ونحن من نبحث عن الموارد لنمول البحث في مجال الصحة النفسية».. - نعرف أن الميزانية المخصصة للبحث العلمي في المغرب تعتبر، بشكل عامّ، متدنية بالمقارنة مع باقي الدول، فكم تبلغ الميزانية المخصصة للبحث العلمي في الصحة النفسية؟ لا نتوصل ولو بدرهم واحد كإعانة من طرف الدولة!.. فنحن من نبحث عن الموارد التي من خلالها نقوم بالبحث في مجال الصحة النفسية، لأن هناك أشخاصا يعتبرون أن البحث العلمي «ليس ضروريا»، علما أن التقدم الاقتصادي والاجتماعي لأي بلد يجب أن يواكبه بحث علمي في جميع الميادين.. عندما أنجزنا أبحاثا علمية، أسمعونا الشتائم وجها لوجه، حيث قالوا، آنذاك، إننا نستعمل المرضى ك»فئران تجارب»!.. علما أننا نُجري تلك الأبحاث بعد الاتفاق مع المريض ومع عائلته وبعد المرور من أمام لجنة أخلاقية تعطي الضوء الأخضر لمباشرة البحث.. دعيني أخبرك أن قانون الأبحاث العلمية للطب ما زال «مجمَّداً» في الأمانة العامة للحكومة، ونتمنى أن تتم المصادقة عليه، فمن الناحية المبدئية، جيد جدا أن يكون هناك مثل هذا القانون، ولكنْ ليس معقولا أن يظل البحث العلمي في مجال الأدوية ممنوعا في المغرب لمدة ثلاث سنوات!.. فهناك عدد كبير من الأبحاث العلمية التي تُنجَز في الهند وفي فرنسا والصين وأمريكا ولكن المغرب «أغلق» الباب في هذا المجال لمدة ثلاث سنوات، إلى أن تتم المصادقة على القانون. وقد جاء هذا التوقيف بعد البحث العلمي الذي أنجزناه على أحد أنواع الأدوية، والذي كان، حقيقة، ثورة في المعرفة بالنسبة إلى بيولوجيا الدماغ، وقد أُنجِز هذا البحث بموافقة اللجنة الأخلاقية، ومع ذلك، قامت ضجة لأن هناك -للأسف- عددا من الأشخاص ما زالوا لم يستوعبوا بعدُ أهمية البحث العلمي، وهذا أسفر عن أن عددا من الأبحاث التي أُنجِزت في مجموعة من الاختصاصات توقفت، ريثما تتم المصادقة على القانون... - إذا كنتم لا تحصلون على الدعم من الدولة، فكيف يتم تمويل الأبحاث العلمية التي تجرونها؟ هناك أبحاث علمية لا تُكلّف كثيرا، تتطلب فقط الأوراق والأقلام.. وهناك أبحاث كانت تُموّل من طرف شركة الأدوية، ولكنها توقفت منذ منع البحث في مجال الأدوية، كما نجد أن هناك مجموعة من الأبحاث التي تمول من طرف جهات خارجية عن طريق شراكات مع دول أوربية أو أمريكية، كمنظمة الصحة العالمية، التي تكلفت بميزانية البحث الذي أُنجِز سنة 2003 بمبلغ مليون ونصف مليون درهم، بمعنى أننا نحن من نبحث عن التمويل، وفق الإمكانيات المتاحة لنا، وهذا -صراحة- يؤثر على نوعية الخدمات المقدَّمة للمريض النفساني.