خلّدت «جمعية الإذاعات والقنوات التلفزيونية الخاصة»، يوم 17 ماي الجاري، الذكرى الخامسة لمنح «الهاكا» الجيل الأول من التراخيص. وكانت المناسبة فرصة للوقوف عند المسار الذي قطعته الإذاعات الخاصة على وجه الخصوص والتطورات التي عرفها القطاع خلال هذه الفترة. ففي ماي 2006، منحت «الهاكا» تراخيص ل10 إذاعات خاصة بمضامين مختلفة، وفي فبراير 2009، أضافت لها أربع إذاعات أخرى. واليوم، وبعد توسعات البث، أصبحت بعض هذه الإذاعات تغطي كل التراب الوطني بأحواض استماعه ال12. كما أن المواطن المغربي اليوم، أينما وُجِد، بإمكانه أن يستمع إلى ما بين 6 و11 إذاعة خاصة، وفي ذلك تكريس، يقول مصدر مطّلع، لمبدأ دمقرطة الولوج إلى الخدمات السمعية -البصرية. وإلى جانب هذا التنوع الجغرافي، ثمة تنوع، أيضا، حتى على مستوى اللغة، فالعربية تمثل 53 في المائة من مضامين هذه الإذاعات والفرنسية 44 في المائة والأمازيغية 3 في المائة. كما أن رقم معاملات القطاع الإذاعي ارتفع بحوالي 40 في المائة، مقارنة مع ما كان عليه الأمر قبل التحرير، وخلق القطاع أكثر من 600 منصب شغل مباشر. و«اعتبارا لأهمية السوق الإشهارية في تمويل الإذاعات الخاصة، سواء في القطاع العمومي أو القطاع الخاص، ووعيا بضرورة المساهمة في تنظيمه، لضمان اشتغاله بشفافية، من خلال قواعد موضوعية، أحدثت الإذاعات الخاصة بعد أن منح لها الضوء الأخضر من «الهاكا»، المركز البيمهني لقياس نِسَب المشاهدة، والذي سيراقب عمل الشركة التي ستفوز بطلب العروض الدولي للقيام بهذه العملية، من أجل الحصول على أرقام موثوق بها حتى بالنسبة إلى المعلنين»، يضيف المصدر. وفي ما يتعلق بالعقوبات التي أصدرتها «الهاكا» منذ منح الجيل الأول من التراخيص في حق الإذاعات الخاصة، فقد بلغت 7 عقوبات تتعلق بأخلاقيات البرامج، تتراوح بين الإنذار والعقوبة المالية ووقف بث برنامج وتخفيض مدة الترخيص. وقد صدرت ثلاث من هذه العقوبات في حق «هيت راديو»، بغرامة مالية إجمالية مباشرة وغير مباشرة بلغت حوالي 80 مليون سنتيم، خصوصا إذا ما تم احتساب الخسائر الإشهارية التي تتكبدها الإذاعة بسبب وقف برامج تبث في «البرايم تايم» أو بسبب تقليص مدة الترخيص. وقد كان «مومو» دائما، وراء فرض العقوبات الثلاث، في سنوات 2007، 2008 و2010، من خلال برنامجيه «ليبر أونتين» و«لومورنينغ دو مومو».. وفي العقوبات الثلاث، كان الخلل دائما ذا طبيعة أخلاقية. كما تم فرض عقوبة على «شدى إف إم» بخصوص برنامج «اسمع.. اسمع»، الذي تضمن دعاية تجارية غير معلنة لصالح مجموعة عقارية، فكانت العقوبة غرامة مالية قدرها 35.000 درهم، مع وقف البرنامج لمدة سبعة أيام، ثم إنذار في حق نفس الإذاعة، بسبب التحريض على العنف ضد المرأة والإساءة إلى صورتها وتقديم تصريحات ذات طابع تمييزي وعنصري والتشجيع على الغش في الامتحانات... بالإضافة إلى عقوبتين صادرتين في حق «راديو بْليس» و«راديو مارس». الأولى بسبب عدم احترام قرينة البراءة والكشف عن هوية الأشخاص المعنيين وعدم تمكينهم أو ممثليهم من التعبير عن وجهة نظرهم، فكانت العقوبة غرامة مالية قدرها 30000 درهم. والثانية بسبب مخالفة المقتضيات القانونية، المتعلقة بالنظام الملكي، فكانت العقوبة وقف بث الخدمة الإذاعية «راديو مارس» كليا لمدة 48 ساعة وغرامة مالية قدرها 57.000 درهم. ويشار في هذا السياق إلى أنه لم يسبق لأي من الإذاعات الخاصة أن رفضت تطبيق عقوبات «الهاكا» أو سعت إلى الطعن فيها أمام المحاكم الإدارية، رغم أن القانون يمنحها هذه الإمكانية، بل تسارع إلى الامتثال إليها في الآجال المحددة قانونا. و«تبقى هذه العقوبات، في رأي بعض المتتبعين، مبرَّرة بحكم حداثة التجربة الإذاعية الخاصة في المغرب. وفي المقابل، تساهم العقوبات الصادرة بشأنها في إنضاج الممارسة المهنية، وهو ما اتضح جليا في طريقة تعامل هذه الإذاعات مع الأحداث الأخيرة التي عرفها المغرب منذ 20 فبراير الماضي، إلى درجة أن كاتب الدولة في الداخلية، سعد حصار، كان قد اجتمع قبل أسابيع بمدراء الإذاعات الخاصة، لتهنئتهم على التغطية الإعلامية التي خصصتها أغلب هذه المحطات لمسيرات يوم 20 فبراير وما رافقها من تداعيات سياسية واجتماعية واقتصادية، حيث وصفها بالتغطية الناضجة، البعيدة عن المزايدات، يقول مصدر. وقد شكلت الذكرى الخامسة لمنح «الهاكا» الجيل الأول من التراخيص فرصة، أيضا، لإعادة طرح السؤال حول مآل التلفزيون الخاص في المغرب، فبعد أن كانت «ميدي 1 سات» القناة التلفزية الخاصة الوحيدة التي سلمتها «الهاكا» الترخيص في 2006، قبل أن تعيد تأميمها بعد الأزمات المالية التي تعرضت لها جراء تخلي المساهمين الفرنسيين عنها، علّقت «الهاكا» منح الترخيص لقناة خاصة في فبراير 2009 بمبررين اثنين: الأزمة التي تمر منها «ميدي 1 سات» وتراجع سوق الإشهار. فهل تجاوز القطاع السمعي -البصري هاتين الأزمتين أم إنهما ما زالتا قائمتين؟ إلى حد الآن، لا توجد أي أرقام رسمية بهذا الخصوص، سواء من القناة نفسها أو حتى من الفاعلين في السوق الإشهارية. لكنْ، بعيدا عن كل هذه المتغيرات التقنية، هل تنجح الأوضاع المستقبلية، بعد الاستفتاء على الدستور وما يعِد به من مزيد من الانفتاح السياسي والاقتصادي والإعلامي، في تسريع ميلاد قنوات تلفزيونية خاصة؟