تعرف إسبانيا هذه الأيام حراكا سياسيا واحتجاجيا غير مسبوق في تاريخها الديمقراطي، وإن كان جميع المراقبين قد توقعوا حدوثه منذ أكثر من سنة. فمازال الآلاف من الإسبان، ومعظمهم من الشباب، يتظاهرون في أكثر من 53 مدينة إسبانية، تلبية لنداء تم تداوله على شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» للتعبير عن سخطهم واستيائهم حيال الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها بلادهم. وتمت الدعوة إلى هذه المظاهرات من قبل العديد من الإطارات والجمعيات المدنية، من بينها «شباب بلا مستقبل» والمنظمة الدولية غير الحكومية «أطاك» و«الناشطون الإيكولوجيون»، وذلك في إطار حركة شبابية أطلق عليها اسم «الديمقراطية الحقيقية الآن». واجتمع المتظاهرون -الذين بلغ عددهم، حسب المنظمين، حوالي 25 ألف شخص- في ساحة مدريد الشهيرة قبل التوجه إلى ساحة «بويرتا دي سول»، وسط العاصمة، للتعبير عن رفضهم اعتبارَهم مجرد «بضاعة في أيدي السياسيين والبنكيين ورجال الأعمال»، مطالبين بمحاسبة المتسببين في وقوع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها إسبانيا والتي أسفرت إلى حد الآن عن 5 ملايين عاطل عن العمل، مع ارتفاع مستوى المعيشة وتراكم القروض على المواطنين. كما طالب المتظاهرون بإعادة النظر في القانون الانتخابي، الذي وصفوه ب«الفاسد» لكونه لا يقوم سوى بتشويه المشهد السياسي في البلاد. وتعكس هذه الحركة والاعتصامات، عبر نصب الخيام في الساحات العامة، غضب فئات مختلفة، بين شباب وعاطلين ومتقاعدين ونساء، من غياب الديمقراطية الحقيقية ونسيان المواطنين والاهتمام بمن لديه قوة مالية، حيث يرفع المشاركون خلالها لافتات تنتقد الوضع الاجتماعي للإسبان وتزايد نسبة الفقر، كما تنتقد البنوك التي -حسبها- «تنهب جيوب الفقراء». وعرفت هذه المظاهرات والاعتصامات، في كل من مدن غرناطة الأندلسية والعاصمة مدريد وبرشلونة، وقوع اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، مما أدى إلى تعرض البعض لإصابات، من بينهم بعض العناصر الأمنية والمارة من المواطنين، وتم إلقاء القبض على العشرات. وقد بررت المصالح الأمنية تدخلها العنيف بمحاولة بعض المتظاهرين عرقلة حركة المرور على مستوى أحد أكبر الشوارع الرئيسية في العاصمة. وفي برشلونة, شارك في الاحتجاجات عشرة آلاف شخص، حسب المنظمين، معظمهم من الشباب المنتمين إلى حركة «الديمقراطية الحقيقية الآن»، بالإضافة إلى عدد من المتقاعدين الغاضبين من جراء التدابير التقشفية التي اعتمدتها الحكومة في المجال الاجتماعي وضد نظام التقاعد المعمول به حاليا. وبدأت هذه الحركة احتجاجاتها يوم الأحد الماضي بعدما اكتسب تحركها زخما واستجابة كبيرة بين المواطنين في عدة مدن إسبانية، ودعت إلى مقاطعة الانتخابات التي ستجرى يوم الأحد المقبل، كما انتقدت النخبة السياسية لكل من الحزب الاشتراكي الحاكم وخصمه الأكبر في المعارضة الحزب الشعبي لاهتمامهما بالنزاع السياسي القائم بينهما وعدم طرح برامج وتصورات حقيقية تلامس معضلة البطالة.