تظاهر الآلاف من الاسبان معظمهم من الشباب أمس الأحد في العديد من المدن الاسبانية استجابة لنداء تم تداوله على الشبكة الاجتماعية "فايسبوك" للتعبير عن استيائهم تجاه الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها البلاد والمطالبة ب"تجديد ديموقراطي". وتمت الدعوة إلى هذه المظاهرات التي شهدتها أزيد من خمسين مدينة في جميع أنحاء التراب الإسباني من قبل العديد من الجمعيات من بينها "شباب بلا مستقبل" والمنظمة غير الحكومية "أطاك" و"الايكولوجيون النشيطون" وذلك في إطار حركة أطلق عليها إسم "الديمقراطية الحقيقية الآن". ففي مدريد اجتمع المتظاهرون، الذين بلغ عددهم حسب المنظمين حوالي 25 ألف شخص في ساحة "ثيبيليس" الشهيرة قبل التوجه إلى ساحة "سول" وسط العاصمة للتعبير عن رفضهم اعتبار المواطنين "بضاعة في أيدي السياسيين والمصرفيين" مطالبين بمحاسبة المتسببين في وقوع الازمة الاقتصادية التي تتخبط فيها إسبانيا مما أدى إلى ارتفاع مهول في معدلات البطالة (حوالي خمسة ملايين عاطل). كما طالب المتظاهرون بإعادة النظر في القانون الانتخابي الذي وصفوه ب "الفاسد" لكونه يساهم في تشكيل المشهد السياسي في البلاد. ونقلت وسائل الاعلام الاسبانية اليوم الاثنين عن المتحدث بإسم حركة "الديمقراطية الحقيقية الآن" فابيو غاندارا قوله إن "بالرغم من عدم وجود إثباتات واضحة عن المتسببين الحقيقيين في الوضع السياسي والاجتماعي لكننا نطالب بمراجعة القانون الانتخابي الحالي الذي يفرض على البلاد نظام القطبين الحزبيين". وخلال المظاهرة التي شهدتها مدريد وقعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن مما أدى إلى إلقاء القبض على 24 شخصا. كما أصيب سبعة أشخاص من بينهم خمسة من رجال الشرطة وإثنين من المارة. وأشارت وسائل الاعلام الاسبانية استنادا إلى مصادر من الشرطة إلى أن قوات الامن اضطرت إلى التدخل عندما حاولت مجموعة من المتظاهرين تعطيل حركة المرور على مستوى أحد أكبر الشوارع الرئيسية في العاصمة. وفي برشلونة شارك حوالي ستة آلاف من الاشخاص حسب الشرطة الحضرية وعشرة آلاف شخص حسب المنظمين معظمهم من الشباب بحركة "الديمقراطية الحقيقية الآن" بالاضافة إلى عدد من المتقاعدين الغاضبين من التدابير التقشفية التي اعتمدتها الحكومة في المجال الاجتماعي. وردد الالاف من الشباب (طلبة وأكاديميون وعاطلون) شعارات تعبر عن اليأس تجاه الوضع الحالي والمستقبل الغامض مطالبين بتغييرات سياسية واجتماعية عميقة. وأكدوا عدم ثقتهم في الوعود الانتخابية التي تتقدم بها الاحزاب السياسية ، خاصة في مجال التشغيل ، خلال الحملة الحالية للانتخابات المحلية التي ستجرى يوم الاحد القادم.
يذكر أن إحدى النقابات الطلابية كانت قد وجهت مؤخرا دعوة إلى تنظيم اعتصامات بجميع مؤسسات التكوين وتنظيم مظاهرات بجميع المدن الاسبانية لمطالبة الحكومة باتخاذ تدابير عاجلة للنهوض بتشغيل الشباب الحاملين للشهادات وللاحتجاج على البطالة التي يعاني منها حوالي خمسين في المائة من الشباب الاسبان. وأشار البيان إلى أن الطلبة في إسبانيا، على غرار بريطانيا واليونان و فرنسا، مدعوون إلى التعبئة من أجل الاحتجاج على قوانين الشغل التي تنتهك حقوق ومستقبل الشباب والطبقة الشغيلة. وذكر البيان بأن معدل البطالة في صفوف الشباب الاسبان يبلغ 50 في المائة (حوالي 900 ألف شاب عاطل) محذرا من مخاطر تدهور النظام التعليمي ونقص الموارد في الجامعات الاسبانية.
وكانت العديد من الشخصيات الاسبانية من عالم السياسة والثقافة قد وجهت "نداء عاجلا" إلى المواطنين الاسبان من أجل المطالبة بالتغيير، مؤكدة، في وثيقة تم تقديمها مؤخرا في مدريد، على ضرورة "إيقاظ وعي المواطنين الاسبان" لمواجهة وضعية تهدد "الديمقراطية والعدالة والرفاهية الاجتماعية" في إسبانيا. وفي هذا الصدد قال موقعو البيان "نحن نوجه هذا النداء لأننا نعتقد أنه من العاجل إيقاظ ضمير الرأي العام من أجل أن يتعبأ الشعب ( الاسباني) لتغيير الوضعية التي وصلت إليها إسبانيا". وأكدوا أنهم وجهوا هذا النداء لكونهم قلقين بشأن إمكانية "التقليص من المكتسبات الاجتماعية والديمقراطية والثقافية التي تم تحقيقها خلال الثلاثين سنة الماضية" في إسبانيا وللاحتجاج ضد الليبرالية الجديدة والرأسمالية المتوحشة التي أبانت عن محدوديتها. وأشار البيان الذي وقعه حوالي ثلاثين من الكتاب والفنانين والاكاديميين والنقابيين والسياسين أغلبهم من اليسار إلى أنه "من العاجل أن يتوحد المواطنون الاسبان لمواجهة الانتهاكات التي يعاني منها العمال والعاطلون عن العمل والمتقاعدون وأصحاب المشاريع الصغرى والمتوسطة". وأوضح الموقعون الذين رسموا صورة سوداء حول الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إسبانيا أن "الديمقراطية والعدالة والرفاهية مهددة في إسبانيا حيث يتم تهميش الرأي العام وحيث لا تتم محاسبة الممولين عن الاضرار المرتكبة (...) في الوقت الذي يتم فيها تمويل التدابير المتخذة للتغلب على الأزمة على حساب الضحايا أنفسهم".