يشرفني أن أتقدم إلى جنابكم بطلب السراح المؤقت الكتابي التالي: حيث سبق لدفاع الأستاذ رشيد نيني أن تقدم إلى محكمتكم الموقرة بطلب الإفراج المؤقت شفويا، وحيث إن المحكمة قضت على التوالي برفض تلك الطلبات دون تعليل، وحيث يمكن القول إن المحكمة غير ملزمة بالإجابة عن كل الأسباب القانونية والدفوع المثارة أمامها لأنها لم تقدم إليها مذكرة كتابية، وحيث إن هذا هو السبب الداعي إلى تقديم هذه المذكرة كتابة لنعرف رأي عدالة البلاد بخصوص تطبيق نصوص المسطرة الجنائية، الواضحة في تحريرها، السهلة في فهمها، المعمقة بالدراسات الحية المنجزة حولها، وحيث إن الاعتقال الاحتياطي ما هو إلا تدبير استثنائي «الفصل 159 من قانون المسطرة الجنائية»، وحيث إنه يمكن تقديم طلب الإفراج المؤقت في كل حين وفي أية مرحلة من مراحل الدعوى «الفصل 180 من قانون المسطرة الجنائية»، وحيث إنه من حق كل فرد في المجتمع، تسوقه أقداره إلى الوقوف أمام عدالة بلاده، أن يحاكم بشكل عادي وعلني من طرف محكمة مشهود لها بالاستقلالية والنزاهة، تحترم كل بنود القانون وتوفر كل الشكليات والعناصر لسلامة المحاكمة العادلة التي هي حق من حقوق الإنسان، وحيث إن شروط المحاكمة العادلة تقتضي استحضار الشرعية، أي شرعية النص القانوني وتطبيقه، شكلا وجوهرا، وقرينة البراءة التي هي الأصل واستحضار ظروف أي متابع أمام قضاء بلاده بأن الشك في النهاية يفسر لصالح المتهم، إلى غير ذلك من الشروط ذات الصلة بالموضوع والتي هي أساس المحاكمة العادلة كحق من حقوق الإنسان، وحيث إننا أكدنا أمام محكمتكم الموقرة ونؤكد اليوم أن المادة 56 من القانون الجنائي تحدد الحالات الثلاث للتلبس بالجنايات والجنح، ولا يسوغ قانونيا الاجتهاد أو إضافة أي حالة أخرى، سواء من القضاء أو غيره، لأن قانون المسطرة الجنائية -كما تعلمون- هو قانون لحماية حرية الفرد وهو يؤطر شكليات المتابعة والمحاكمة العادلة، وأن الشكل والحرية صنوان في باب احترام القانون، وحيث إن المشرع، بتحديده الحالات الثلاث، لم يتصور في ذهنه أو يتخيل أنه يمكن أن يتابع صحافيا في حالة تلبس، فهل ضُبط السيد رشيد نيني أثناء كتابته مقالا متابعا من أجله؟ هل عندما اعتقل الأستاذ رشيد نيني كان ما يزال متابعا بصياح الجماهير؟ هل اعتقل وهو يحمل أسلحة أو أشياء يستدل معها على أنه شارك في عمل جرمي أو عليه آثار وعلامات تثبت هذه المشاركة بعد حدوث الجريمة بزمن قصير؟ هل التمس مالك أو ساكن منزل من النيابة العامة أو من ضابط للشرطة القضائية معاينة جنحة أو جريمة داخل المنزل؟ إن هذه الحالات التي حددها المشرع لا يتصور فيها أبدا اعتقال أو محاكمة صحفي لأنه لن تتوفر شروط التلبس أبدا. إن احترام قانون المسطرة الجنائية، الذي اعتبره المغاربة سنة 1959 تشريعا متقدما ومتطورا، جاء بعد قانون الحريات العامة الصادر سنة 1958 الذي حدد كيفية ممارسة المواطن المغربي لحقوقه السياسية أو الاجتماعية. وجاء قانون المسطرة الجنائية ليحدد علاقة المواطن المغربي بالسلطة، وخصوصا السلطة القضائية، ويرسم كل الحدود الفاصلة لصيانة الكرامة وحفظ كيان المواطن. وحيث إن احترام قانون المسطرة الجنائية مقياس أساسي في أية محاكمة عادلة إلى درجة وصفه بكونه ضمانة أهل الفضيلة، وحيث إن قواعده ملزمة وعلى القاضي احترامها، ومن حق كل من ألصقت به تهمة، التشبثُ بوجوب تطبيقها لأن قواعدها هي التي تقف سدا منيعا ضد متابعة أي كان على أي فعل جرمي لأنها تستند في جميع فصولها إلى قاعدتين من أسمى قواعد القانون في العالم لأنهما تتعلقان بحرية الإنسان وهما: المتهم بريء حتى تثبت إدانته وكل شك يجب أن يفسر لصالحه. وهي قوانين واجبة الاحترام، سواء في التحريات أو في التحفظات، ولا غنى لأي قضاء عادل عن الحرص على تطبيقها، وحيث إننا نريد من المحكمة، كما نضع بين يديها هذه المذكرة، أن تجيبنا في حيثياتها هل كل هذا الفكر القانوني الذي تبناه المشرع المغربي وارتضاه لحماية المواطنة والأفراد محترم في هذا الملف وهذه المحاكمة؟ وحيث إن القاضي، وهو يمارس أقدس مهنة في سموها، منزه عن كل النزاعات والأهواء والمصالح، ينظر بعين القاضي المسؤول أمام ضميره لينزل فصول القانون على الواقعة المعروضة أمامه. والأستاذ رشيد نيني يحتكم إلى ضمير المحكمة ويستنجد، بصوت عال، بالساهرين على العدالة وضمانة المحاكمة العادلة، وحيث إن القاضي ابن بيئته وجزء من مجتمعه ولا يمكن أن يكون تفسيره لنصوص أو حتى إهداره لها تحت ستار التفسير يخرج عن نطاق التوجه العام والمبادئ الأساسية التي يرتضيها المجتمع، لأن القاضي ليس عبدا للقانون لكن من مسؤوليته أن يزرع فيه الروح، وأن المجتمع المغربي، بإجماع تام، انخرط في نصرة وجوب احترام حق صحافة البلاد في التمتع بضمانات مكفولة منذ سنة 1958 وبرفض محاكمة أي صحافي ومتابعته في ظل القانون الجنائي وإلا فلا معنى لقانون الصحافة في البلاد، وحيث إن المحاكمة ستكون عادلة عند قيام النيابة العامة بمراجعة أساسية للمتابعة الماثلة أمامكم، وهذا من حقها، بل من واجبها، إذ لا يعقل الاستمرار في هذه المحاكمة بنفس المتابعة في إطار القانون الجنائي لأنها خلقت شرخا واضحا في المجتمع المدني الذي انتظم سياسيوه ومحاموه ومفكروه وصحفيوه ومجتمعه المدني للتنديد بهذه المتابعة في حالة التلبس بدون اعتقال ما خلفه من أثر على سمعة البلاد في ميدان حقوق الإنسان خارجيا، وحيث إننا لا نريد أن نرجع بالمحكمة إلى استحضار كل النضالات التي خاضها المغرب لتحقيق استقلاله، وكان من أعظم القوانين التي أنجزها محمد الخامس، رحمه الله، في بداية عهد الحرية هو قانون الصحافة والذي نعرف سيادة الرئيس أنه كلما وقع مس به تحركت القوى السياسية والحقوقية والجمعيات ذات الصلة للتنديد، ولا نريد كذلك أن نستحضر الحراك القوي للصحفيين المغاربة الآن من أجل خروج قانون جديد للصحافة، الشيء الذي يتجاوب معه المجتمع ولا تتنكر له الحكومة ويؤيده كل من ينشد الحرية الأوسع للبلاد، وحيث إنه لا يمكن الآن إلا الاستحضار الذهني لكل الكتابات والتحليلات التي جرت بها أقلام الفقهاء والمفكرين والنقاد والصحفيين ورجال المحاماة والقضاة لضبط حالة التلبس وعدم الإفراط في الاعتقال الاحتياطي، وإننا نكتفي فقط بالإشارة إلى ما كتبه الأستاذ محمد عبد النبوي، المشهود له بكتابته في السياسة الجنائية وكذا بنزاهته في العمل القضائي والذي يحتل اليوم منصبا حساسا كأحد المسؤولين عن السياسة الجنائية في المغرب، حيث كتب بالحرف ما يلي: «يلاحظ أن كثيرا من المعتقلين يوجدون داخل السجون في إطار اعتقال احتياطي، من أجل جنح بسيطة وأحيانا في غياب حالة التلبس ورغم توفر ضمانات كافية للحضور، حتى ليبدو أن تدبير الاعتقال الاحتياطي يتخذ بكيفيات مزاجية لا تحكم فيها معايير واقعية ولا قانونية من شأنها أن تبرر اللجوء إليه من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا التدبير المخيف والقاسي، الذي يعتبره القانون تدبيرا استثنائيا، يؤدي إلى زيادة عدد المعتقلين في غياب ازدياد مؤشر لارتفاع الجريمة. ولذلك يتعين السعي من طرف النيابات العامة وقضاة التحقيق إلى جعل الاعتقال الاحتياطي بالفعل تدبيرا استثنائيا لا يلجأ إليه إلا استثناء، وبعد توفر الشروط القانونية لاتخاذه، وأن يكون ضروريا لأمن المجتمع وسكينته أو للحفاظ على سلامة الأموال أو الأشخاص من تهديد حال خطير.. ومن جهة أخرى، فينبغي على النيابات العامة، في إطار سلطتها على الشرطة القضائية، أن تسعى إلى التقليل من مسطرة تقديم المعتقلين أمام النيابة العامة كلما تبين لها عدم جدوى اللجوء إلى تدبير التقديم». («السياسة الجنائية بالمغرب.. واقع وآفاق»، الصفحة 135). وحيث إن هذه أقوى مرافعة في هذا المقام، وأعتقد أن هذا هو ما يمكن أن يكتبه كل قاض مستقيم نزيه يخدم عدالة بلاده، ولكن الأهم أن يطبقه كل قاض وقف أمامه مواطن في بلادنا بمسؤولية ونزاهة فكرية، وحيث إنه، من الناحية الشخصية، تتوفر في السيد رشيد نيني جميع الشروط القانونية التي يفرضها المشرع لتكون متابعته وهو متمتع بحريته، إذ إن له محل سكن معلوما وقارا، وهو متزوج وله أبناء، كما أنه يسير مقاولة إعلامية من أهم المقاولات الإعلامية في بلادنا بإصدارتها المتنوعة وواسعة الانتشار، وحيث إن مقاولته لا يمكن ولا يتصور أن تنتج الأفضل إلا إذا كان المسؤول الأول عنها حاضرا بين العاملين في كل لحظة وحين وإلا ستتعرض هذه المقاولة للإفلاس، وحيث إننا لو أردنا تشخيص الأمر بالمثال وقدم إلى وكيل الملك شخص يسير مقاولة غير عاملة في نطاق الفكر لا يتعدى عدد عمالها 40 أو 50 شخصا ومتوفرة فيه نفس الشروط المتوفرة في السيد رشيد نيني من السكن القار والأسرة وكل الضمانات الأخرى، هل سيسمح ضمير السيد وكيل الملك باعتقاله ووضعه في السجن وتخريب مؤسسته وتشريد عماله؟ الفارق أن السيد رشيد نيني يشغل في مؤسسته ما يناهز 400 مستخدم بصفة مباشرة، وبصفة غير مباشرة الآلاف من مالكي أكشاك الصحافة عبر التراب الوطني، وحيث إن السيد رشيد نيني -أكثر من ذلك- الذي نشأ في أسرة بدوية متواضعة استطاع بجديته تكسير كل الحواجز واستطاع بعصامية إنشاء هذه المقاولة الإعلامية الناجحة، وأن مثله في المجتمعات المتضامنة والمقدرة للمواهب والكفاءات، يحتضن ويبحث عن الجوانب المضيئة في شخصه وسيرته للاحتذاء والاقتداء بها لا المس بحريته وسجنه وتعريض مصالحه ومصالح المئات للخسارة والضياع إن لم نقل الإفلاس، وحيث إننا نربأ بقضائنا، في متابعته، أن يكيل بمكيالين لأن ذلك سيجعل منه قضاء طبقيا، وهذا يتنافى مع أبسط مبادئ العدالة والقانون، وحيث إن جعل القضاء في مواجهة رشيد نيني بمتابعته بكونه يريد التأثير على قرارات رجال القضاء وتحقير المقررات القضائية والمس باستقلال القضاء، إلى غير ذلك، ومتابعته بذلك رغم أن السيد رشيد نيني كتب عشرات الأعمدة عن مختلف الأشخاص والمؤسسات ولم تنسب إليه الآن إلا تهمة المس بالقضاء لجعله في مواجهة قضاء بلاده وجها لوجه، يستدعي منا التحلي بالهدوء والحكمة والرزانة وضبط الانفعالات، ففي الدول المتقدمة يناقش اليوم إلغاء كل ما يتعلق، ضمن فصول في قوانينها، باحتقار مقررات القضاء، لأن أحدا لا يحتقر القضاء ولا يتصور احتقاره له، وإنما في العمق يصيح الناس من ظلم القضاة الذين يضعون القانون جانبا ويحكمون بالإملاءات أو بضلوعهم في الفساد. والسيد رشيد نيني سيؤكد لكم في الموضوع أنه بعيد في تفكيره عن احتقار القضاء، وحيث إننا نناقش اليوم الشكليات الواجب توفرها قانونيا في المحاكمة العادلة واحترام القانون بالنسبة إلى حالات التلبس ولا نتعرض لكتابات السيد رشيد نيني والمواضيع التي تناولها في أعمدته، فذلك موضوع آخر من حق كل مواطن أحس بالظلم من مقالاته أن يجره إلى المحكمة، بل وأن نحكم عليه بما يصل إليه اجتهاد المحكمة في محاكمة عادلة، وأنه ليس هناك شخص في الدنيا، مهما كان العمل الذي يشتغل فيه، أكبر من القانون أو أقوى من الامتثال لعدالة بلاده. والسيد رشيد نيني ليس استثناء أبدا، لهذه الأسباب واعتمادا على المادتين 56 و159 من قانون المسطرة الجنائية، فإننا نطلب من المحكمة الموقرة: الأخذ بعين الاعتبار ما ورد في هذه المذكرة والأمر بالإفراج المؤقت عن السيد رشيد نيني، مع كل التحفظات.