قبل صباح الخامس من ماي الجاري، كانت آسفي تستعد، كما تفعل في بقية الأيام، ليوم جديد: نسوة أحياء «بياضة» و»سيدي واصل» و«الكورس» يستعددْن، كعادتهن، للخروج إلى الأسواق الشعبية، حيث تصطف البغال والعربات.. حيث لا رجل أمن يتجول لفرض القانون وإظهار سلطة الدولة.. حيث رجال القوات المساعدة يأتون إلا مع أعوان السلطة لأخذ «حق الشاف».. لكن كل هذا الهدوء الاعتيادي، الممزوج بالفوضى، سيزول بعد شيوع الأخبار الأولى عن اعتقال «عادل»، «عبد الصمد» و«حكيم»... ليس بسبب «الحشيش»، كما هي أغلب أسباب اعتقالات شبان الأحياء الشعبية الهامشية.. وإنما بسبب التفجير الإرهابي الذي هز مراكش.. هنا «طاحتْ البيضة فْالطّاسْ».. فلنتابع قصة مدينة لم يكن ينقصها من المآسي غير تهمة الإرهاب!... مدينة كآسفي، لا يستحضرها المغاربة اليوم سوى عبر صور «الشواية» والخزف والتلوث وبّاجدوب والحامونية.. هكذا يختزل المغاربة انطباعاتهم عن مدينة منسية في خريطة المغرب. لا أحد يزورها سوى للعبور نحو الصويرة أو الوليدية، عبر الطريق الساحلية. لكن، قبل عقد الثمانينيات، الذي لبست فيه آسفي خوذة الغطس نحو ظلمات الهامش والانعزال، بعد تتالي الأزمة الصناعية التي «أقفلت» بسببها أزيد من 100 مركب صناعي، عاشت المدينة، منذ ذلك العهد وحتى اليوم، أحلك أيامها.. دخلت السلطات المحلية والهيآت المنتخَبة أمام هذا الوضع وأمام اتساع رقعة الجفاف في البوادي المجاورة للإقليم، «لعبة» الاتجار في مآسي الفقراء، فأعطوا الانطلاقة لأحد أكبر وأفظع مخططات التوسعة العمرانية بلا برنامج تهيئة وبلا رخص بناء، فكانت لآسفي أحياؤها الهامشية التي «نبتت»، كالفطر، في الأطراف الجنوبية في اتجاه المركبات الكيماوية. لما تم تداول اسم «سيدي واصل» و«الكورس» و«كاوكي» في ملف اعتقال المشتبَه فيهم في عملية تفجير مقهى «أركانة» في ساحة جامع الفنا في مراكش، اكتشف الآلاف من سكان آسفي مناطق لم تطأها أرجلهم في يوم من الأيام.. هنا، في هذه الأحياء، يعيش الناس في مخيمات من الإسمنت، بهندسة عمرانية وحيدة وبئيسة. لهم أسواقهم الشعبية، ببغالها وحميرها وعرباتها وخضرها وفواكهها ولحومها ودجاجها.. لهم «نظامهم» الاجتماعي الخاص بهم. لهم تجار المخدرات والخمور و«السيلسيون»، بل فيهم من لا يزور آسفي المركز ووسط المدينة إلا للذهاب نحو المحكمة أو المستشفى. أحياء هامشية في آسفي، وفي أحياء «الزاوية»، حيث «سيدي واصل» وما جاوره من أحياء ممتدة إلى ما لا نهاية، لا يحس الناس هنا أنهم يعيشون وسط مدينة بنظمها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. في منطقة «الزاوية»، التي يتحدر منها عادل العثماني، المشتبَه في كونه المنفذ الرئيسيَّ لعملية تفجير «أركانة»، لا أسواق نموذجية ممتازة، ما عدا أسواق العربات المجرورة. هنا، أيضا، من النادر جدا أن تقابل رجال أمن بزيهم الرسمي يقومون بجولات ميدانية. هنا، لا توجد قاعات سينمائية ومسارح ومركبات ثقافية عصرية تقام فيها أنشطة جمعوية. هنا لا توجد ملاعب ومنشآت رياضية منظمة. أكثر ما يوجد هنا، هو متاجر أثواب الصين، الرخيصة، ومحلات «البريكولاج» والملابس المستعمَلة. وسط هذا «العالم»، الذي كبُر واتسع بعيدا عن أعين أهل مدينة آسفي، وحدها فروع البنوك المغربية تنافست على تواجدها وسط هذا الفضاء، الذي لا تؤطره القوانين الاجتماعية.. حتى النفايات المنزلية لا يتم جمعها إلا بعد أن تصير القمامات قريبة من التسبب في أوبئة خطيرة. هنا، أيضا، يُسجَّل أحد أكبر معدلات الانقطاع الدراسي لدى فئات كبيرة من تلاميذ المدارس. وحتى موقع البعد عن آسفي -المركز يجعل الناس في «سيدي واصل» و«الزواية» و«لبيار» و«القليعة» يعيشون في عزلة اجتماعية حقيقية عما يجري في المدينة. وحتى المهرجانات، التي صرف عليها والي آسفي السابق خلال 8 سنوات الملايير من المال العامّ لم يفكروا، في يوم ما، في إقامة منصة عمومية في هذه الأحياء. خلال الانتخابات الجماعية والتشريعية لسنة 1992-1993، تم تقسيم آسفي إلى 3 جماعات كبرى: «الزواية»، جنوبا، و«بوذهب»، في الوسط، و«المدينة القديمة» و«بياضة»، شمالا. ووفق هذا التقسيم، تم استحداث نظام المجموعة الحضرية. وكانت المدينة تُسيَّر وفق نظامين: نظام القرب من مشاكل الجماعة والدائرة، عن طريق الجماعات الحضرية الثلاث، ونظام البعد، عن طريق المجموعة الحضرية، التي كانت تتكفل بأنشطة كبرى يدخل ضمن اختصاصها المجال الترابي لكل الجماعات الثلاث. لكنْ، سرعان ما سيتم الاستغناء عن هذا التقسيم، وعوض أن يكون لآسفي أكثر من عامل وأكثر من جماعة ترابية مستقلة، تم ضم الجميع ضمن نظام الجماعة الحضرية، وهو النظام الذي فشل فشلا ذريعا في تدبير مدينة قارب سكانها المليون نسمة وعرفت مدا غير مسبوق في البناء العشوائي وفي السكن غير اللائق وفي تزايد أعداد الباعة المتجولين وفي احتلال الملك العام. هناك في آسفي شعور ب«الحكًرة»، كان ضئيلا في بدايته واتسعت رقعته، حين كان أهل آسفي يطّلعون على شاشات التلفزيون على مشاريع هيكلية وتنمية كبرى للمدن والبوادي وحين يُفيقون صباحا ويخرجون إلى الشارع وإلى المقاهي يتحسرون على حالهم ويقارنون مدينتهم، ليس مع باريس أو لندن، بل فقط مع الصويرةوالجديدة... الناس هنا لا يفهمون كيف تغلق السلطات الشوارع الرئيسية، حتى تصطف العربات كما يحلو لبغالها وحميرها!... ولا يفهمون كيف سقطت أحياء بأكملها تحت سيطرة «مافيات» المخدرات وقُطّاع الطرق؟ وكيف «أغمضت» السلطة «عيونها» عن تنامي احتلال الفضاء العمومي وأفسحت المجال لظهور فئة سياسية وانتخابية تغتني من كراء الأسواق وسرقة الرمال، وتركت الناس يبنون ويتحكمون في التوسعة العمرانية، بدون حاجة إلى رخص بناء أو تصاميم هندسية؟... في آسفي، هناك جنوح مخيف نحو العنف لدى فئات الشباب، وقد ازداد هذا الشعور مع التنافس الكروي وسط الملاعب. وهنا، أيضا، هناك «مافيات» منظمة وخطيرة لبيع «السيلسيون». وأثبتت التحقيقات الأولية أن أحد المشتبَه فيهم ضمن «خلية العثماني» كان يتعاطى هذا المخدر. تتيح المدينة، بفراغها، كل «وصفات» التطرف إلى من يسعى إلى ذلك، فانعدام فرص الشغل وانحسار الاستثمارات الكبرى وعجز سلطات المدينة مع هيآتها المنتخبة عن إنجاح مشروع تحديث المدينة وعصرنة آليات اشتغالها وعلاقاتها مع الناس.. كلها أمور ساهمت في «انطوائية» المدينة وفي عزلتها، وهي نفس خاصية الموقوفين على علاقة بتفجير ساحة «جامع الفنا»، فليس غريبا أن يكونوا انطوائيين ومنعزلين وسط مجال حضري مغلق ومهمَّش. الحكومات تجاهلت المدينة الدولة، من جهتها، من خلال الحكومات المتعاقبة، كانت تنظر إلى آسفي، لمّا كانت تتصدر قائمة الموانئ العالمية في صيد السردين، كمصدر للعملة الصعبة وكان وزراء حكومات الحسن الثاني يخطبون ودها. حتى مع الفوسفاط، كانت مهمة آسفي هي ضخ العملة الصعبة في خزينة المملكة. بعد «موت» السردين وإغلاق معامل التصبير وهجرة الاستثمارات الفوسفاطية نحو الجرف الأصفر، تحولت آسفي إلى ما يشبه اليد «اللّي فيها الجّرْبة»: الكل أصبحوا يتحاشون مد اليد للسلام عليها... حتى اليوم، تتوفر آسفي على مجلس جماعي يثقل كاهل المدينة ب27 مليارا من الديون والعجز. ولما طلب مساعدة عاجلة من وزارة الداخلية، أياما قليلة قبل تفجير مراكش، وحددها في 9 مليارات، لم «ترم» إليه الداخلية سوى بمليارين، ليصبح مجموع الميزانية التي ستسير مدينة بحجم آسفي، من جنوبها إلى شمالها، هو 18 مليار سنتيم، ستُخصَّص 10 منها لأجور الموظفين و3.5 لمصاريف النظافة و2.5 لأداء فواتير الماء والكهرباء، مع ملايين أخرى لأداء غرامات الأحكام القضائية والتعويض عن نزع الملكيات. أما الباقي فإنه وبعملية حسابية بسيطة، لن يكفي حتى لشراء الأغراس، فبالأحرى إنجاز مشاريع هيكلية. في آسفي، ليس أصحاب المقالع السرية من اغتنوا وأفقروا، «المدينة» ومع ذلك، يمثلونها في قبة البرلمان ويصنعون بعائدات الرمال الخريطة الانتخابية فقط، بل فئة ثانية، «مستترة»، اغتنت وراء مكاتب الولاية التي تراقب بأعين مغمضة تلك المقالع السرية، وفئة ثالثة اغتنت من «السيلسيون»، الذي حول شارع إدريس بناصر وزنقة الحديقة العمومية إلى تجمع بشري للمتسكعين، الذين «يطوفون» بشفرات حلاقة على الناس ليسلبوهم أموالا تكفيهم لشراء «الدوخة». والغريب أن أعوان الدوائر الحضرية، من مقدمين هم من يحرس هذا الوضع، لكنْ ليس بغريب أن تكون آسفي هي، ربما، المدينة الوحيدة -بفضل عائدات تجارة «السيلسيون»- التي يمتلك فيها «المقدمين» عمارات بثلاثة طوابق، فيما القياد يسكنون في منازل مكتراة... لم يتم إدراج آسفي في «رؤية 2010 السياحية»، المنتهية، ولا ضمن «رؤية 2020»، القادمة، ولا موضع قدم لها في مشروع «آليوتيس»، ولا حديث عن فلاحتها ضمن المخطط الأخضر. وطيلة ولايتين حكوميتين للوزير غلاب، لم يتمَّ ربط آسفي بشبكة الطريق السيار وليس لها مشروع مطار مصغر ولا خط سككي مباشر مع مراكش أو البيضاء أو الجديدة... في آسفي ليس هناك مستشفى متعدد التخصصات ولا جامعة مستقلة بكليات متعددة.. من كانوا حتى الآن يخططون لتنمية المدينة كانوا يكتفون فقط ب«الكروسة والبغل» و«السيلسيون» ومقالع الرمال السرية، فقط لأن ذلك هو أقرب «طريق سيار» نحو الاغتناء... لدى أهل آسفي، في حديثهم عن واقعة ربط مدينتهم بالمدينة المصدرة للإرهاب، انهزامية كبيرة وقبول بواقع كان ممكنا تجنبه، فقط لأن كل مؤشرات «الوصفة» التي أنتجت «عادل العثماني ومن معه» كانت جاهزة منذ سنين كثيرة، ولأن المدينة وفرت مناخا مناسبا لنمو فكر إرهابي متطرف وعنيف، منعزل عن كل تنظيم وخارج عن كل رصد أو ضبط استباقي. الناس هنا يتحسرون على زمن مضى، كانت فيه زوايا المدينة الصوفية تصدح في ليالي المديح والسماع وبيوتها تتغنى بطرب الآلة... زمن كانت فيه المدينة تعيش وفق اكتفائها الذاتي: لا يبيت فيها أحد وبطنه فارغة... زمن لم تكن فيه آسفي، المدينة المنبوذة التي «يُصدّرون» لها الحمقى والمتسولين من المدن المجاورة في حافلات النقل حتى تنظف وتتسخ آسفي وتتحمل مآسي غيرها من المدن... ألم يكن عادل العثماني، الذي وصفته التقارير الأمنية والصحافية بالشاب المنعزل والانطوائي، يخرج في كل مرة عن صوابه بشهادة جيرانه لمّا كان يدخل في صراع مع أصحاب البغال والعربات المجرورة والمتسولين، الذين كانوا يصطفّون أمام دكانه الصغير في شارع عبد الرحمان الوزاني؟ الشباب يسمونها «الحفرة» الجيل الحالي في آسفي، الذي رأى النور بعد منتصف الثمانينيات، ومن بينهم المشتبَه في كونهم وراء العمل الإرهابي في مراكش، لا يُسمّون مدينتهم باسمها «آسفي».. الكل يطلق عليها اسم «الحفرة»، وهذا الوصف نابع من كون مدينتهم توجد في حفرة لا تصلها الشمس... الجيل الحالي من شباب آسفي عندما يسافر إلى مهرجان «موازين» أو «كناوة» أو يتجول في ساحة «جامع الفنا» ويكتشف الأسواق التجارية، الحديثة والضخمة، ويصادق شبانا من جيله في مراكشوالصويرة، يحس بالغبن وبالاغتراب وسط مدينته... حتى الجيل المتعلم في آسفي لا يجد باستثناء، الكلية متعددة التخصصات أو المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، معاهد عليا في تخصصات يقبلها سوق الشغل اليوم... وحتى الكلية الحالية تفرض نظام الاختبار القبْلي لحاملي الباكلوريا، يريدون فقط التسجيل في شعبة اللغة الفرنسية، ومع ذلك، تُرفَض ملفاتهم ويكون مصيرهم الشارع وإدمان علب «السيلسيون». هناك في المقابل مسؤولون كبار في وزارة الداخلية في الرباط تكفيهم أن تُسير المدينة بأسماء منتهية الصلاحية... أسماء لا تفهم سوى في تنمية «الكرارص» و«الشوايات» لا في العلم والتاريخ والاقتصاد الحديث... الناس هنا لم يفهموا بعدُ كيف تناست الداخلية والي آسفي السابق 8 سنوات بدون تنقيل أو محاسبة أو تتبع بسبب كل ما يقوم به، هو الذي كان يشرف على أجهزة الاستخبارات، التابعة لوزارة الداخلية، ويعلم الله إن كان يقرأ ويتابع، بشكل يومي، التقارير التي كانت تُرفَع إليه عن حقيقة الوضع في الأحياء الهامشية، من قِبَل رؤساء الدوائر الحضرية و«المقدمين» والقياد؟ لا يفهم الناس كيف أن والي آسفي السابق كان لا يوقع على قرارات هدم البناء العشوائي وتتصلب يداه في حين يأتي باكرا إلى مكتبه لو تعلق الأمر بالتوقيع على الرخص الاستثنائية للبناء؟في مدينة كآسفي، ظلت لعقود بعيدة عن الأضواء الكاشفة، لم يكتشف الناس وجوها علاها الاصفرار... وبعد أن أصبحت أسماء من وسط المنتخبين ترتفع عن فضائح مدوية لاستغلال النفوذ وسرقة المال العام والاغتناء السريع، مما يتسرب من تحقيقات قضاة الحسابات... مدينة ظلت تنهب حتى وصل عجز وديون مجلسها المنتخَب إلى 27 مليار سنتيم... مدينة لا تتعدى مداخيلها اليوم 9 مليارات سنتيم وأجور موظفيها الأشباح تقارب 11 مليار سنتيم. ومع ذلك، ما زال لدى البعض «حُمرة» كافية في وجوههم لتوظيف الأبناء والأصهار والزوجات... ومع ذلك، يتساءلون لماذا توجد في آسفي نسبة مهولة من المعطلين؟
مدينة السردين .. أنجبت أعلاما أيضا عادل العثماني، الذي «رفع» اسم آسفي في سماء الإرهاب على المستوى العالمي، هو نفسه الذي أوقف، بجريمته الإرهابية، الزمن الجميل لمدينة آسفي لمّا كانت لا تخرج من بين أسوارها متطرفين يمضون لياليهم في شحن عبوات الموت، بل علماء برَرة، كالفلكي الطيب بن عبد الله بن ساسي، مؤقت السلطان سيدي محمد بن عبد الله، وعدد كبير من العلماء والشعراء والمتصوفة والأدباء، كالتهامي الفاروقي والبشير بن طاهر الحكيم ومحمد بن طيب بنهيمة وعبد الرحمان بن حسن المطاعي وأحمد التريكي وغيرهم من الموقعين على عريضة المطالبة بالاستقلال... والعديد ممن أبدعوا في فن الخزف وساهموا في رفع لواء آسفي عاليا في كافة الفنون الجميلة والإبداعية. آسفي، اليوم، وبحادث تفجير مراكش الإرهابي، تضع يدها على خدها، وصار الكل هنا يتبرؤون من هؤلاء الذي «روّجوا» بفعلتهم النكراء لاسم المدينة في كافة وسائل الإعلام وفي العالم بأسره.... هنا يقول الناس إن آسفي بإمكانها النهوض من وضع العاقر، التي لم تعد تنتج الجَمال والحياة وأُريد لها أن تصرف الموت عبر جيل كان ضحية مقاربة تسيير وتدبير المدينة على المستوى المحلي وكان ضحية عزلتها وهامشيتها... بإمكان آسفي أن تنهض، لكنْ بشروط وعزيمة وإرادة مركزية، حتى تستعيد المدينة موقعها في توزيع الخيرات على أبنائها وفي خلق فرص الشغل وإنهاء سياسة الفوضى وإغماض العين وفي فك العزلة عنها، بمشاريع هيكلية استعجالية، كالطريق السيار والخط السككي المباشر وجلب الاستثمارات الكبرى إليها وربطها بالمشاريع التنموية الوطنية الكبرى، ك»المخطط الأزرق» و«الأخضر» و«أليوتيس» والصناعات الحديثة واستحداث سياسة ثقافية وفنية على مر السنة، لقتل الفراغ الذي يتربّص بالناس. المدينة بحاجة إلى خلخلة نظام الريع فيها، الذي حول مقالعها الرملية في أيدي محظوظين... وبحاجة، أيضا، إلى جيل جديد من المنتخبين والبرلمانيين لا يفهم أحد اليوم في آسفي كيف بلعوا ألسنتهم ولم نسمع واحدا منهم يتكلم عن الذي وقع؟ وكأنه عادي جدا أن يتم ربط آسفي بالإرهاب... وكأنه عادي جدا أن «تنتج» آسفي جيلا من الإرهابيين... كأنه قدَرُها أن يتواصل الصمت عندما يزحف الظلام على جسدها... آسفي، اليوم، في حاجة إلى كافة المغاربة ليمدوا لها أيديهم ويخرجوها من «الحفرة» التي وقعت فيها... حلمُ أهلها أن تنهض وحلم جيلها الحالي أن يغمض العين ويطوي صفحة آسفي الحالية ويفتحها على آسفي أخرى، مختلفة، تنتج الجَمال ومعاني الحياة... على آسفي أن يبعث ذكر اسمها على الفخر والاعتزاز وليس على الخزي والعار وأوصاف تُصنِّف أبناءها ضمن خانة «الإرهابيين»...