يبقى سؤال حرية الصحافة في المغرب سؤالا له راهنيته بحكم ما تعرفه الساحة من تطورات، فبين محاكمة الصحفيين وفرض غرامات مالية على بعض الصحف، نعيد طرح إشكال حرية الصحافة في المغرب على ضوء العودة إلى فترة الخمسينيات من القرن العشرين المؤسسة للعديد من مظاهر وأوضاع مغرب اليوم. والصحافة مثلها مثل مختلف الميادين والملفات التي تعاملت معها الحركة الوطنية بعيد نيل الاستقلال، ونطرح السؤال: إذا كان قد صدر قانون الصحافة في 15 نونبر 1958، فكيف كان تنظيم وتأطير الميدان قبل هذا التاريخ؟ وماذا عن أوضاع الصحفيين المهنيين؟ وكيف كان يتم الترخيص بإصدار الصحف أو بمنعها؟ وما علاقة ذلك بالسلطة التنفيذية؟ وهل يمكن تتبع مختلف الصحف المرخص لها أو الممنوع تداولها داخل المغرب؟ وكيف تعاملت كل من حكومة البكاي الأولى وحكومة البكاي الثانية وحكومة بلافريج -التي صدر خلال فترتها قانون الصحافة- مع الترخيص بإصدار الصحف أو بمنعها؟ ولنبدأ بقاعدة المهنة، وأعني بذلك الصحفيين المهنيين، فقد صدر مرسوم يحمل الرقم 2.56.259 مؤرخ بفاتح غشت 1956، ويتضمن هذا المرسوم ثلاثة فصول تتعلق بكيفية منح بطاقة الصحفي المهني، فكاتب الدولة في الأنباء أو نائبه هو المخول بالبت في الطلبات الموجهة إليه، وذلك بعد استشارة لجنة تتكون من: كاتب الدولة في الأنباء أو ممثله بصفته رئيسا، وممثل الديوان الملكي، بالإضافة إلى ممثل المديرية العامة للأمن الوطني، وأربعة مديرين للصحف اليومية والنشرات الدورية أو وكالة الأخبار، وأخيرا أربعة صحفيين. ونلاحظ من خلال تركيبة هذه اللجنة حضور السلطة التنفيذية بشكل قوي، فضلا عن سلطة الملك متجلية في ممثل الديوان الملكي، كما أن مديري الصحف والأربعة صحفيين يتم تعيينهم بموجب مقرر تصدره كتابة الدولة في الأنباء والتي تحدد مدة مهمتهم وتعيين نوابهم، والقرار بمنح بطاقة الصحفي المهني يعود إلى كاتب الدولة في الأنباء. ويمكن لوزير الأنباء والسياحة أن يسحب ورقة الهوية الصحافية من صاحبها بعد موافقة اللجنة المذكورة، وذلك بموجب الظهير الشريف رقم 1.57.089 الصادر في 3 يناير 1958. ولنا أن نتساءل حول مصدر هذه السلطة الممنوحة لكاتب الدولة في الأنباء. إن المرسوم المذكور أعلاه (2.56.259) جاء من أجل تغيير المرسوم الصادر في 18 أبريل 1942 دون إلغائه. وحسب هذا الأخير، فإن المقيم العام أو نائبه هو المخول بمنح بطاقة الصحفي المهني، كما أنه يستطيع سحبها. إذن، مع الاستقلال تحولت هذه السلطة من يد المقيم العام إلى كاتب الدولة في الأنباء. ولا بد من الإشارة إلى أن الظهير الشريف والمرسوم المؤطرين لوضعية الصحفي المهني الصادرين في 18 أبريل 1942 قد صدرا خلال فترة المقيم العام نوغيس الذي يعتبر ثاني مقيم عام بعد ليوطي من حيث طول المقام في المنصب (1936-1942)، وتميزت فترته ب«توطيد الطابع القهري لجهاز السيطرة السياسي والإداري، باستصدار ظهائر ومراسيم موجهة أصلا ضد العمل الوطني الذي كان آنذاك في عنفوان انطلاقه، والانحياز السافر إلى جانب مصالح المعمرين والرأسمالية المحلية» (عثمان أشقرا: الوطنية والسلفية الجديدة بالمغرب، ص43). وتبعا لذلك، فالسلطة التنفيذية هي التي تتحكم في إصدار ومنح البطاقة المهنية للصحفيين، وكذا في سحبها. هذا في ما يخص الصحفيين مع العلم بأن الميدان سيبقى مؤطرا بموجب الظهير والمرسوم الصادرين في 18 أبريل 1942 والتعديلات التي أدخلت عليهما، فماذا عن الصحف والدوريات ومختلف المنشورات؟ إن أول قرار يصادفنا بعيد نيل الاستقلال وله علاقة بنشر الصحف صدر في 27 غشت 1956 ويحمل توقيع البكاي بن مبارك الهبيل (الذي كان يحمل صفة رئيس الحكومة)، وهو يخص مجموعة من الصحف التي تعرضت للمنع في السنوات الأخيرة من فترة الحماية. وهذا المرسوم يحمل الرقم 2.56.266 والذي نص على رفع جميع المقررات القاضية بسحب إذن إحداث وإصدار ست جرائد ومجلات، وهي: 1 - «هذه مراكش» منعت في 26/07/1949، 2 - «الصباح» التي منعت في 02/05/1951، 3 - «النقد الذاتي» منعت في 24/04/1952، 4 - «لافيريتي سور لوماروك»، 5 - «جوستيس بور لوماروك»، 6 - «الأسبوع» وقد منعت كلها في 1953. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى «العهد الملكي» الذي صدر في 8 ماي 1958، أي بعد مرور عامين من الاستقلال، والذي تضمن المبادئ المؤطرة للحقوق والحريات والمؤسسات المراد إقامتها. ويتضمن العهد الملكي الحرص على أن «يمارس رعايانا الحريات الأساسية ويتمتعوا بحقوق الإنسان، فإننا نضمن لهم حرية التعبير والنشر والاجتماع وتكوين الجمعيات ضمانا لا يحده إلا ما يفرضه احترام النظام الملكي وحفظ كيان الدولة ومقتضيات الصالح العام». ولنا أن نتساءل على هذا المستوى حول الجهة المخولة بإصدار قرارات السماح بإحداث الصحف أو بمنعها. هذا ما يجيب عنه الظهير الشريف الحامل لرقم 1.58.285 الصادر في 28 غشت 1958، وبصفة خاصة الفصل الأول منه، حيث يقول: «إن كل جريدة أو نشرة دورية كيفما كانت لغة تحريرها يتوقف إحداثها على إذن يخول بموجب مرسوم». هذا في ما يخص إحداث الصحف والترخيص لها، فماذا عن المنع؟ لقد ترك الظهير السابق ثغرة في ما يتعلق بمنع الصحف، فهو يتحدث فقط عن السماح بإصدارها، فتدارك المشرع ذلك بالظهير الشريف رقم 1.58.309 الصادر في 22 شتنبر 1958، فهو يتمم الظهير السابق على أساس أنه بالإمكان «أن يمنع بنفس الكيفيات -بواسطة مرسوم- صدور هذه الجرائد والنشرات»، فكيف تعاملت الحكومات الثلاث الأولى للاستقلال مع السلطات المخول لها الحق في الإذن بإصدار الصحف أو بمنعها؟ إذا تتبعنا المراسيم المانحة للإذن بإحداث الصحف أو بمنعها، فإننا نحصل على أزيد من ثلاثين مرسوما تتوزع كما يلي: تحتل حكومة البكاي الثانية (28/10/1956-16/04/1958) المرتبة الأولى في ما يخص منع الصحف بنسبة تزيد على 65 في المائة مقارنة بحكومة أحمد بلافريج (12/05/58-03/12/58) بنسبة تصل إلى 34 في المائة من مجموع الجرائد والدوريات الممنوعة. فما طبيعة الصحف والدوريات الممنوع تداولها في المغرب؟ إن جل المنشورات الممنوعة في المغرب صادرة في فرنسا أو في الجزائر، سواء باللغة الفرنسية أو باللغة العربية التي اعتبرت معادية لاستقلال المغرب ومخلة بكيان الدولة المستقلة حديثا. أما في ما يخص الترخيص بإصدار المنشورات، فإن حكومة البكاي الأولى (21/12/1955-28/10/1956) تحتل المرتبة المتقدمة بنسبة (57.14 في المائة) من مجمل المنشورات المرخص بصدورها، تليها حكومة البكاي الثانية بنسبة (38.09 في المائة)، وفي المرتبة الأخيرة حكومة أحمد بلافريج بنسبة (4.76 في المائة). ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار الفارق الزمني الخاص بطول فترة تولي كل حكومة. تميزت حكومة أحمد بلافريج بكونها الحكومة «المنسجمة» والتي كانت مطمحا لحزب الاستقلال الذي ظهرت عليه أعراض الهيمنة، كالادعاء بأنه الحزب الأول في المغرب، وتبعا لذلك فمن المفترض أن يستغل وضعيته في الحكومة المنسجمة من أجل تصفية الخصوم ولو على مستوى منابرهم الإعلامية، غير أن الواقع يثبت العكس، فالقرارات المانعة لإصدار الصحف ومنع تداولها بلغت خلال فترة حكومة بلافريج ستة قرارات ولا تتضمن أي صحيفة حزبية من صحف الأحزاب المعارضة للحزب، في حين احتلت حكومة البكاي الثانية المرتبة الأولى بمجموع اثني عشر قرارا بالمنع، وإن كانت حكومة البكاي الثانية حكومة ائتلافية فقد تولى فيها أحمد رضا اكديرة عن حزب الأحرار المستقلين منصب وزير الأنباء والسياحة، ولكن هذا لا ينفي وجود المضايقات كالحجز على الأعداد في المطابع ومصادرتها. ونصل الآن إلى قانون الصحافة الذي صدر في 15 نونبر 1958، وهو ينظم بصفة عامة الإجراءات الإدارية والقانونية والقضائية للصحافة والنشر، ويعتبر أن الأساس في الطباعة وترويج الكتب والصحف هو الحرية. وعلى الرغم من ذلك، فإنه يتضمن العقوبات السالبة للحرية في حالة ارتكاب بعض المخالفات. إن العقلية التي تعاملت مع حرية الصحافة خلال فترة الحماية عقلية أمنية، وقد انتقلت هذه الروح إلى مسيري الشأن العام بعيد نقل الاستقلال وتوطدت بفعل الأوضاع الهشة لمغرب الاستقلال، وبصفة خاصة أوضاعه الأمنية. يقول عبد الكريم غلاب: «إذا كان هذا القانون قد اتخذ احتياطات قضائية كثيرة لتنظيم حرية الصحافة وحماية السلطة والحق العام، فإن التعديلات المتعاقبة التي أدخلت عليه في سنوات 1959 و1960 قد ضيقت من نطاق هذه الحرية، ووضعت في يد السلطة الإدارية حق مصادرة أعداد من الجريدة أو توقيف الصحيفة لمدى معين أو منعها نهائيا» (التطور الدستوري والنيابي بالمغرب، ص155). فهل فعلا تم تسجيل تراجع على مستوى حرية الصحافة خلال فترة حكومة عبد الله إبراهيم، أم إن كلام عبد الكريم غلاب صادر عن موقفه الخاص من الانشقاق في حزب الاستقلال، والذي نتج عنه تأسيس حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وعلاقة حكومة عبد الله إبراهيم بحزب المهدي بن بركة؟ اسويدي محمد إقبال