تدخل الضحية لتأنيب عاملين بعد أن اعتديا على إحدى السيدات المتزوجات المارات بالحي، والتي شكت أمرهما إليه، وتحول التأنيب إلى شجار،أدى إلى سقوط الضحية جثة هامدة إذ كان المتهمان يسكنان منزلا في طور البناء بجوار الهالك وكان الثلاثة في سوء تفاهم دائم.. وأحيل القاتلان على العدالة من أجل الضرب والجرح المفضيين إلى الموت. في الوقت الذي دلف إلى منزله المحاذي لبيت في طور البناء وعند العتبة بين الباب وسيارته الواقفة، أحس «الحسين» بشيء يهوي على رقبته بقوة، فهوى جسده بكل ثقله على سيارته ثم ارتمى على العتبة محدثا بذلك صوتا قويا أثار انتباه الزوجة التي كانت تنتظره لتناول وجبة الغداء، فهرعت إلى خارج البيت وأطلقت صرخة مدوية. انسحب الشابان من البيت المجاور الذي لم يكتمل بناؤه بعد أن قاما بما قاما به تاركين «الحسين» وأهل «الحسين» غارقين في أحزانهم، في الوقت الذي قام بعض السكان ممن حضروا الواقعة باستدعاء سيارة إسعاف لتحمل الجار إلى مصحة الضمان الاجتماعي بمدينة وجدة ليوضع تحت العناية المركزة عَلَّها تُسعف أنفاسه الخافتة وتُخرجه من غيبوبته .
جندي متقاعد حسن الجوار كان «الحسين» رجلا طويل القامة، نحيل الجسم، ضعيف البنية، أسمر البشرة، أبيض الشعر. كانت عظام وجهه بارزة للعيان، يبدو وكأنه شيخ هرم رغم أنه لم يكن يتجاوز الواحدة والأربعين سنة من عمره. نال منه المرض ونهشت عظامه المعاناة وأفرزت هيكلا عظميا عَجَّل بإحالته على التقاعد المبكر من الجيش. لم يختر الحسين الاستقرار ببولمان حيث ولد، وفضل بناء منزل مع زوجته بأحد أحياء المدينة بسيدي يحيى بوجدة. كان قليل الكلام وسريع الإحسان. كان نعم الجار، حسن الخلق. كان يقضي يومه ببيته إذا لم تكن له مصالح يقضيها بسوق المدينة. وكلما أصابه الملل خرج إلى العتبة ووضع كرسيا صغيرا أو افترش لحافا وأراح جسده المنهك وأطلق لخياله العنان يداعب أفكاره التي كانت تعيده إلى سلك الجندية يوم كان شابا. كان يحمد الله على كل شيء ويسهر على أداء واجباته الدينية بالمسجد المجاور. كلما التقى سكان الحي تقاسم معهم الحديث. كان يقدم خدماته كلما طُلب منه ذلك أو أحس بحاجة أحدهم لذلك. كانت المنازل تنمو وتنمو والحي يكبر ويكبر وكان يفرح بكل قادم جديد. كان ينتظر نهاية الأشغال بالبيت المجاور لمنزله ليتعرف على جاره الجديد. جاران صعلوكان معتديان أوقف المقاول المكلف ببناء البيت أشغاله في انتظار قدوم صاحبه، الذي كان ينتظر مبلغا من المال، واستغل فراغ البيت وتوقف الأشغال ومنح السكنى لرابح وحميد، وهما شابان يشتغلان بأحد الأوراش في البناء. كان الشابان قويي البنية، مفتولي العضلات، كثيري الكلام مع بعضهما البعض ومع أبناء الجيران. كان حديثهما يخدش الحياء ويجرح الأخلاق بحكم استعمالهما لكلمات نابية ومخجلة. كان «الحسين» يحاول أن يتجاوز حديث الشباب ويتجاهل سلوكهما. ورغم كل ذلك، كان يقدم لهما الطعام كلما سنحت له الفرصة وفي كل مناسبة. كان يستقبلانه بابتسامة ويرددان كل مرة «علاش تعذب راسك، رَاحْنا كْلِينَا» فكان يقول لهما إن ذلك رزق من الله وفيه قسمتهم. كان يعتبرهم من أبنائه، مع أن الأول تجاوز الثلاثين سنة فيما كان الثاني يبلغ اثنتين وعشرين سنة وكان يدعو الله لهما بالهداية. تدخل وتأنيب لاحترام الأخلاق
خرج «الحسين»، زوال يوم الخميس 8 يونيو، من سيارته بعد أن أوقفها كعادته عند باب البيت وأخرج أكياسا من البلاستيك المملوءة ببعض الخضر وهَمَّ بالدخول إلى المنزل عندما أثارت انتباهه سيدة غاضبة تنظر إلى البيت المجاور له. كانت السيدة تعبر عن استيائها من عدم احترام السيدات المتزوجات والاعتراف بالجوار ولا تقدير الكبار: «الله يلعن هذا الوقت، ما بقى اللي يحشم أو لا اللي يعرق، الله يدينا في الضو». غضب «الحسين» لحالة السيدة وقرر استطلاع الأمر ورد الأمور إلى نصابها. سألها عن أسباب استيائها وغضبتها، فأطلعته على أنها تعرضت لتحرش جنسي واستفزاز للشرف من طرف الشابين القاطنين بالبيت المجاور لبيته. اغتاظ الحسين مما سمع واستاء مما وقع وقرر التدخل للدفاع عن الأخلاق وتأنيب الجانيين. دخل «الحسين» بيته وتخلص من أكياسه وخرج على التو دون أن يرد على الزوجة التي سألت عن وجهته. كان الدم يغلي في عروقه وأقسم على وضع حد لهاذين الصعلوكين اللذين تجاوزا حدودهما واعتديا على حرمة الأزواج وشرف النساء المصونات. غضب وثورة وتهور واعتداء نادى «الحسين» على حميد ورابح وانهال عليهما بكلمات عتاب تحولت إلى تأنيب ثم درس في الأخلاق. «حشومة عليكم، احترمو الجيران واحتارمو النساء، واللي بغا الفساد يخرج من هاذ الحومة أو لا غاديين نعيطو البوليس». كانت الكلمات قاسية بالنسبة للشابين اللذين لم يكونا ليقبلاها من ذلك الشخص الذي لم تكن له علاقة بالمرأة كما أنهما لم يعتديا على بيته ولا على أهل بيته. ثارت ثائرة الصعلوكين في وجه الجار وطالباه باحترامهما والاهتمام ببيته فقط وإلا أدباه وعنفاه: «ادِّيها في راسك، هاذ الشي ماشي شغلك، انديرو اللي بغينا واللي ما عجبوش الحال يضرب راسو مع الحيط». دخل الثلاثة في عتاب متبادل وتهديد ووعيد وكثر الصراخ وتعالت الصيحات وتشابكت الأيدي. كان بعض السكان شاهدين على كل ما جرى وتتبعوا المشهد عن قرب، وأيدوا انتفاضة «الحسين» منددين بسلوك الشابين، تدخل بعضهم لفض النزاع وتحرير الأيدي وتهدئة الأعصاب. وافترق الجمع ودلف «الحسين» إلى بيته ساخطا على الوضع و«الوقت» في الوقت الذي تسلح أحد الشابين بحجرة من الأحجار المتناثرة هنا وهناك وسط الأكوام من الآجر والأتربة والرمال، واستجمع قواه وسدد ضربته التي أصابت هدفه... تحريات وشهود واعتقال تلقت عناصر الشرطة القضائية التابعة لأمن ولاية وجدة خبر تعرض أحد الأشخاص المسمى الحسين من مواليد 1965 ببولمان متزوج وقاطن بوجدة، إلى اعتداء بالضرب والجرح من طرف مجهولين بالقرب من مسكنه، تم نقله إثر ذلك في غيبوبة إلى مصحة الضمان الاجتماعي ومنها إلى مستشفى الفارابي، حيث بقي تحت العناية المركزة إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة متأثرا بجراحه بعد أسبوع من الحادث. وبعد البحث والتحريات والاستماع إلى مجموعة من الشهود تم التوصل إلى الجانيين، وهما من مواليد 1983 و1976 حيث اعترفا بما اقترفت أياديهما مستعملين الحجارة...