ما الذي يمكن أن يجمع بين تفجير مقهى «أركانة» بمراكش وموت الزعيم الروحي لتنظيم القاعدة أسامة بلادن؟ إن الأمر لا يتعلق بتقارب المسافة الزمنية بين الحدثين، وإنما بعلاقة ينبغي تشخيصها بطريقة صحيحة لأنها تحدد مسار مسلسل سياسي مغربي انطلق منذ سنة 2003 ولازال ممتدا إلى اليوم، هذا المسار الذي استند إلى جيلين من العمليات، جيل عمليات الإصلاح السياسي الذي لم يكن في شكل خط تصاعدي، وجيل العمليات الأمنية في مواجهة السلفية الجهادية الذي أثار، إلى حدود تفجير «أركانة»، نقاشات واسعة . والواضح أمامنا اليوم هو أن هذا المسار لازال يجمع بين العملتين، ففي الوقت الذي كان فيه الحقل السياسي والاجتماعي المغربي منخرطا في نقاشات دستورية واسعة، يأتي تفجير مراكش ليبين أن الرسالة الإيديولوجية ل«القاعدة» لازالت موجودة رغم كل المؤشرات التي تدل على أن الفكر الجهادي بدأ يفقد جاذبيته بعد انطلاق الحركات الاحتجاجية السلمية المطالبة بالإصلاح في العالم العربي، وهي الحركات التي جعلت «القاعدة» وقياداتها صامتة باستثناء بيانات قليلة حول ما يجري. لكن وقبل أن نعود إلى هذه العلاقة بين تفجير مراكش ورسائل موت أسامة بلادن داخل المسار الحالي للمغرب، دعونا نعود إلى بلاغ وزارة الداخلية الصادر مساء الخميس الماضي حول تفجير مراكش، لكونه يحمل دلالات مستقبلية لها انعكاس على السياسي والأمني في المغرب. فالبلاغ صدر بعد مضي أسبوع على التفجير، وهو ما يدل على صعوبة في جمع المعلومات التي قد تقود إلى المتورطين، ولاحظنا كيف أن طريقة جمع المعلومات تمت بحرفية إلى درجة أنها اعتمدت حتى على الصور التي التقطتها هواتف باعة وتجار ساحة جامع الفنا دقائق بعد التفجير، لكن الأهم بالنسبة إلى المسلسل هو التدبير الأمني المبني على تجاوز ظاهرة الاعتقالات العشوائية التي مارستها السلطات الأمنية بعد أحداث 16 ماي. ويشير البلاغ إلى ثلاثة مغاربة كمنفذين للعملية، بمعنى أننا مرة أخرى أمام خلية محلية حاملة للفكر الجهادي العالمي، لكن هذا المحلي لا يقطع مع الفرضية التي راجت طيلة أسبوع والقائلة بإمكانية تورط مخابرات أجنبية (ليبية وجزائرية) في العملية لكون تفجير «أركانة» واختيار مراكش من الصعب أن يكون وراءه ثلاثة أشخاص بدون وجود خلية كبرى منظمة لوجستيكيا على الأقل. وإذا كان البلاغ يشير إلى محاولة المتهمين اللجوء إلى بؤر التوتر العالمية (العراق والشيشان) لممارسة العمل الجهادي، فمعنى هذا أنهم تحولوا من انتحاريين مفترضين إلى صناع للعبوات الناسفة، وهي ظاهرة جديدة تبين أن الخلايا المحلية الحاملة لفكر وعمل «القاعدة» تداركت المسافة العملية الموجودة بينها وبين «القاعدة» في اليمن أو العراق، وانتقلت من استعمال البشر في العمليات التفجيرية إلى استعمال المتفجرات. لكن المثير للانتباه في بلاغ وزارة الداخلية هو مسألة تنكر المنفذين في شكل سائحين ونقلهم للعبوات الناسفة من منطقة لم يشر إليها في البلاغ إلى «أركانة» في مراكش، في وقت أصبحت فيه الأجهزة الأمنية، بعد سنوات من الصراع مع الخلايا الإرهابية، تتوفر على قاعدة معطيات جغرافية وبشرية للانتحاريين المفترضين، وهي الأجهزة نفسها التي فككت أخطر خلية منذ شهور في منطقة أمغالة. نحن أمام أبناء أسامة بلادن الإيديولوجيين مرة أخرى، وبالتالي فالمسافة الزمنية القريبة بين تفجير مراكش وموت أسامة بلادن تحدد مسارا سياسيا مستقبليا في المغرب، إذا ما تمت قراءتها في محيطها السياسي والاجتماعي وتم استرجاع الأحداث منذ تفجيرات 16 ماي. فأسامة بلادن أسس لمنبر تكفيري عالمي التقى مع مناخ سوسيو اقتصادي واجتماعي، الشيء الذي أفرز جيلا يحمل سيكولوجية الانتحار (تفجيرات الدارالبيضاء) له طلب كبير على تقنيات صناعة المتفجرات (تفجير مراكش). و الخلايا المتطرفة لازالت موجودة، ويبدو أن الطلب على «القاعدة» والفكر الجهادي لازال موجودا في زمن أصبحت فيه «القاعدة» أقل جاذبية في العالم العربي، لكن الإيديولوجية الجهادية لم تمت، وتعاني اليوم من العزلة التي باتت تفرضها عليها الحركات الاحتجاجية السلمية العربية. وبالتالي، ف«القاعدة» بعد أسامة بلادن ستتحول تدريجيا إلى رسالة إيديولوجية قد تنتج جيلا رابعا من التنظيمات المحلية والسيكولوجيات الفردية الحاملة للفكرة بدون علاقة بالتنظيم، دون إغفال المناخ الإقليمي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومخاطره على المغرب، لأن هذا التنظيم سيصبح مفتوحا أمام مزيد من الاختراق المخابراتي (الجزائري والليبي)، مما يخلق مرونة في توظيفه لحسابات سياسية إقليمية. وبذلك، فإن تفجير مراكش له دلالات بربطه بحدث موت بلادن في زمن بدأت فيه «القاعدة» تفقد جاذبيتها رغم استمرار عملياتها الإرهابية، ف«القاعدة» كفكرة وخطاب وفعل عنفي تعيش أسوأ مراحلها بانطلاق الحركات السلمية المطالبة بالديمقراطية وبموت زعيمها الرمزي، وبالتالي فالاشتغال على هذه الحالة مغربيا بعد تفجير مراكش يضعنا أمام مسارين لا ثالث لهما، الثاني فيهما له مخاطر كبرى: إما إصلاحات دستورية وسياسية (المسار الأول) تحدث تحولا في الميدان وتخلق إحساسا سيكولوجيا بالتغيير، وإما تعثر مسلسل الإصلاح الدستوري والسياسي (المسار الثاني)، الشيء الذي قد يحدث فراغات أمام مزيد من انتشار الرسالة الإيديولوجية ل«القاعدة»، في وقت بدأت تعيش فيه نوعا من الانحسار، فالجهادية في أزمة ولكن السلفية لم تمت وقد تعود بقوة إذا توقف مسلسل الإصلاح أو كان أقل من الانتظارات.