بالإضافة إلى ذلك، هناك دورية وزارية ذهبت في هذا الاتجاه في إطار تعامل الوزارة الوصية مع الأطراف المتدخلة في القطاع، وهي الدورية رقم 08291 بتاريخ 29 أبريل 2005 المتعلقة بالتنسيق الجهوي بين الأطراف المعنية. وقد تبين للوزارة الوصية أن هناك تشويشا واضطرابا في سير العمل بفعل تنازع سلطات الأطراف المتدخلة في القطاع يعرقل حسن تنفيذ برنامج العمل لهذا القطاع الحيوي في مختلف الأقاليم والجهات. وقد جاء فيها على الخصوص (بالفرنسية): «إنه اعتبارا لما لها من صلاحيات وتبعا لسياسة اللامركزية واللاتمركز، فإن المديريات الجهوية للإسكان والتعمير هي المخول لها تدبير التنسيق والتشاور بين مختلف المصالح المتدخلة الموجودة داخل نطاق اختصاصها الترابي، كما أنها أصبحت مكلفة بضمان متابعة كل المشاريع المستفيدة من دعم مالية الدولة». وأضافت الدورية أن «مسؤولية مدراء الوكالات الحضرية والمؤسسات العمومية للإسكان تظل قائمة لتدبير ما لهم من صلاحيات». إن هذه المذكرة ذهبت في الاتجاه الصحيح الذي يقتضيه القانون وسحبت التمثيلية المفترضة صراحة من الوكالة الحضرية، وأناطتها بالمندوبيات الجهوية التابعة لها مباشرة، بإعطائها سلطة التنسيق والتنظيم بين الأطراف المتدخلة في قطاع البناء والتعمير، جهويا وإقليميا. وبناء على ما تقدم، نتوصل إلى أن تمثيل السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير يعود إلى أجهزتها الفرعية المتمثلة في المصالح الخارجية التابعة لها إقليميا، أو المديرية الجهوية، جهويا، في الأعمال التي لا تدخل في نطاق اختصاص الوكالات الحضرية، ومنها رئاسة اللجنة الخاصة الإقليمية المنصوص عليها في المادة 37 المنوه بها سابقا والتي أوْكل إليها القانون إعطاء رأيها في ملفات طلب رخص البناء في المجال القروي الخارج عن نطاق اختصاص الوكالة الحضرية. وفي هذا السياق، ما هي وضعية الوكالة الحضرية إزاء المشاريع الصغرى من منظور الوزارة الوصية؟ ثالثا وضعية الوكالة الحضرية إزاء «المشاريع الصغرى». ألا يجوز للوكالة الحضرية الإدلاء برأيها في طلبات رخص البناء المتعلقة بالقطع الأرضية القروية، المجهزة أو غير المجهزة، بتصميم خاص والتي تقل مساحتها عن 500 متر مربع؟ الجواب عن هذا السؤال بالنفي أو بالإيجاب على الإطلاق غير صحيح، ولذلك علق السيد رئيس فيدرالية الوكالات الحضرية بالنفي والاعتراض على الرأي الذي جاء في مقالنا السابق بالإيجاب دون توضيح، حيث قال: «غير أننا لا نجد في هذا المنشور الوزاري رقم (1500/2000) أي إشارة صريحة أو ضمنية إلى هذا الأمر، والراجح أنه وقع للسيد الوكيلي التباس في الاستدلال بالمادة 44 من قانون التعمير 12.90 التي تنص على أن رخصة البناء لا تسلم إلا إذا كان المشروع المبني ينص على إقامة الخطوط اللازمة لربطه بشبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية العامة بالنسبة إلى عمارات ذات أغراض تجارية أو صناعية تكون مساحة الأراضي المبنية عليها تساوي أو تفوق 500 متر مربع، مما يؤكد أن كاتب المقال استشهد بنص في غير محله»، (انتهى كلامه). هذا الكلام خارج عن الموضوع، فحيث إننا بصدد قطع أرضية تقل مساحتها عن 500 متر مربع في إطار المنشور الوزاري، وهو يجنح إلى الفصل 44 من قانون التعمير ويتكلم عن قطع أرضية تفوق مساحتها 500 متر مربع، فلا يمكن أن يفهم من هذا الكلام سوى «خلط شعبان برمضان»، الهدف منه تجريح واتهام علني للكاتب بالقصور المعرفي وعدم التمييز، عن قصد، للإساءة إلى سمعته، وهي السمة الضمنية التي طبعت كل ملاحظاته للرد على مقاله السابق. ولكي لا نقع في ما وقع فيه صاحبنا من الأخطاء المتسربة من البيروقراطية الإدارية، نبادر إلى توضيح ما قلناه عن رأي الوكالة الحضرية في رخص البناء التي تقل مساحتها عن 500 متر مربع، لنؤكد أنه لم يقع لنا أي التباس للاستدلال بالفصل 44 من قانون التعمير بالمنشور الوزاري المذكور بتاريخ أكتوبر 2000، فهذا الأخير جاء في سياق المفهوم المخالف للفقرة الثانية من الفصل 44 المذكور لبيان وتوضيح عكس مفهومها بمنطق الاستدلال بالمخالفة، ليحدد مسطرة خاصة بالمشاريع الصغرى التي تقل مساحة أراضيها عن 500 متر مربع وليس أكبر من 500 متر مربع كما في الفصل 44. وهي مشاريع ذات استعمال سكني أو مهني محدودة الأهمية ومشار إليها في البند الثالث من الملحق رقم 3 من المنشور الوزاري المتحدث عنه، وهي بالتحديد «بناء أو تهيئة محل ذي طابع تجاري أو صناعي من الصنف الثالث سيتم إنجازه على مساحة إجمالية (مبنية أو سيتم بناؤها) تقل مساحة أرضها عن 500 متر مربع ويقل علوها عن 5.50 أمتار، كالدكاكين المخصصة للتجارة بالتقسيط والمقاهي وقاعات الشاي والمقشدات والمطاعم... إلخ»، وتدخل ضمن «مسطرة المشاريع الصغرى» وفقا للبند الأول من الملحق رقم 3 بناء السكن الفردي أو حتى عمارة يقل علوها أو يعادل 11.50 مترا (طابق سفلي + طابقان علويان)، بل وعمارة مكونة من سفلي + 3 طوابق، إذا كانت واقعة داخل أرض تجزئة منجزة أشغالها (البند الثاني من الملحق رقم 3)، فما هي المسطرة المطبقة على المشاريع الصغرى بشأن طلب رخص البناء أو التهيئة؟ بالرجوع إلى المنشور الوزاري رقم 1500/2000 الذي نحن بصدده، نجد أنه يوصي بأن تتولى لجنة محلية دراسة الملفات المتعلقة بهذه المشاريع، تتكون من مهندس معماري يمثل الوكالة الحضرية ومستشار جماعي بمعية مهندس الجماعة، إن وجد، أو التقني المكلف بمصلحة البناء والتعمير، وممثل عن القسم التقني بالعمالة أو الإقليم. وتنعقد هذه اللجنة برئاسة رئيس المجلس الجماعي في حالة وجود وثيقة التعمير مصادق عليها، وتكتفي الوكالة الحضرية بتولي رئاسة اللجنة، وهذا هو بيت القصيد، فالوكالة الحضرية لا يجوز لها الإدلاء برأيها في هذه الحالة لأنها ليست عضوا في اللجنة المذكورة، والمهندس المعماري الذي توكله الوكالة الحضرية كعضو في اللجنة، يحضر بصفته تقنيا عاليا، وليس بصفته إداريا، لذلك فرأيه يبقى محصورا في الجوانب التقنية للمشروع لا الجوانب القانونية التي تصطبغ بها أعمال اللجنة وقراراتها. غير أننا نسارع إلى القول بأن ذات المنشور (ص 4) أسند بالمقابل رئاسة هذه اللجنة، عند عدم وجود وثيقة التعمير مصادق عليها، إلى مدير الوكالة الحضرية، وهي مركبة من نفس الأعضاء، وبالتالي أعطاها صفة العضوية الكاملة، التقنية والإدارية، للإدلاء بالرأي في القرار الإداري المنبثق عن اللجنة المتعلق برخص بناء المشاريع الصغرى، إذا حصل بشأنه اتفاق الأعضاء كلهم، أما إن لم يحصل أي اتفاق بينهم فإن لرئيس المجلس الجماعي، وفقا للفقرة الأخيرة من ص 4 من المنشور ذاته، أن يتخذ القرار النهائي في شأن طلب الترخيص المعروض على اللجنة، ولا يبقى للوكالة الحضرية سوى إعطاء رأيها فقط في الجانب القانوني للمشروع، وهو الجانب الذي يهم مطابقة مشروع البناء للمقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بالتعمير والبناء، ومطابقة المشروع لوثائق التعمير المعمول بها في حالة وجودها، وهنا أيضا لا يمكنها الإدلاء برأيها في طلب الرخصة. خاتمة ولا يفوتنا في الختام أن نشير إلى أن كثيرا من المواطنين الساكنين في الأراضي القروية غير المهيكلة «هرموا... هرموا» من أجل الحصول على هذه الوثيقة اللعينة المسماة «رخصة البناء» التي تتحكم فيها الوكالات الحضرية، حينا بالتعسف وأحيانا كثيرة بدون موجب قانوني. هذا الأمر كان مضمون سؤال موجه إلى الوزير المكلف بالإسكان والتعمير في جلسة للغرفة الثانية للبرلمان المنعقدة يوم الثلاثاء 19 أبريل 2011. وأكد في جوابه عليه أن هناك إجراءات مستعجلة للوصول إلى الحل، أولها أن هناك مذكرة في الموضوع سيتوصل إليها المتدخلون في القطاع قريبا، توجههم نحو تبسيط المساطر والإجراءات وتحثهم على دراسة الملفات على عجل والاستجابة لطلبات رخص البناء في الوسط القروي في إطار القانون، وثانيها أن الوزير بصدد الإعداد لاجتماع عام يستدعى إليه مدراء الوكالات الحضرية وممثلو المصالح الخارجية للوزارات المعنية لعقد جلسة خاصة للنظر في وضع الحلول الممكنة الهادفة إلى تنظيم البناء في الوسط القروي عاجلا في إطار القانون الجاري به العمل. وفي انتظار الكشف عن مضمون المذكرة الوزارية المستعجلة الجديدة والحلول الممكنة لمعضلة البناء في الوسط القروي التي ستنبثق من اجتماع اللجنة المقترحة من طرف الوزير. تقبلوا فائق التقدير والاحترام. انتهى/