لم يعرف قطاع الصحافة والإعلام بالمغرب درجة من الاحتقان كتلك التي وصل إليها في العامين الأخيرين إذ تم إعطاء أوامر بإغلاق جرائد ومحاكمة صحافيين وحتى الزج بهم في السجن، مما فرض إجراء حوار وطني من أجل رفع حالة الاحتقان التي أصبحت تطبع هذا القطاع. لكن، هل هذا الاحتقان يعني أن حرية الصحافة بالمغرب تراجعت فعلا خلال العشرية الأخيرة؟ الجواب لم يتأخر وجاء هذه المرة على لسان منظمة «فريدوس هاوس» الأمريكية، المتخصصة في مجال احترام الحقوق السياسية وحريات التعبير، التي سترصد في آخر تقرير تركيبي لها تراجع حرية الصحافة في المغرب في عهد الملك محمد السادس، وهو الأمر الذي اعتبره المراقبون مؤشرا «خطيرا» على تدهور وضعية حرية الصحافة بالمغرب والتضييق على الأقلام المستقلة. وأظهر أحدث تقرير للمنظمة الأمريكية عن وضعية الصحافة في العالم تراجع المغرب إلى الدرجة68 خلال هذه السنة، وهي حسب التقرير، أسوأ درجة يسجلها المغرب خلال 18 سنة الأخيرة. الأمر الغريب الذي كشف عنه تقرير المنظمة الدولية حول وضعية حرية الصحافة بالمملكة الشريفة، والذي لم يكن ليتصوره المتتبعون، هو أن أحسن درجة سجلها المغرب، كانت قبل تولي الملك الشاب عرش أسلافه وبالضبط خلال سنة 1996. وبتعبير آخر، فإن الأربع سنوات الأخيرة لحكم الملك الراحل الحسن الثاني عرفت خلالها حرية الصحافة انفراجا مهما مقارنة مع الوضعية الحالية التي يتخبط فيها قطاع الصحافة. الانفراج الذي عرفته الصحافة المستقلة، التي ظهرت الإرهاصات الأولى لميلادها في عهد الملك الراحل، سيستمر حسب التقرير الدولي خلال السنتين الأوليين من تولي الملك محمد السادس للعرش، أي ما بين 1999 و2000. وكانت سنة 2001 أحسن سنة لحرية الصحافة في عهد الملك الشاب، حيث إن أحسن معدل سجله المغرب في عهده خلال تلك السنة، إذ سجل معدل 53، وقبله سجل المؤشر معدل 49 عام 2000. لكن هذا المنحى بدأ يتغير بعدما بدأت تظهر أولى الانتكاسات في مجال الصحافة المستقلة خلال سنة 2001 عندما منعت أسبوعيتا «لوجورنال» و«الصحيفة». لكن المؤشر سيسجل منحى تصاعديا ابتداء من سنة 2002 عندما سجل على التوالي: 58،عام 2002. و57، عام 2003. و61، عام 2004. و63، عام 2005. و61، عام 2006. و62، عام 2007. و64، عامي 2008 و2009. و66، عام 2010. ليصل أخيرا إلى معدل 68، عام 2011. منظمة «فريدوم هاوس» الأمريكية ليست الهيئة الدولية الوحيدة التي حاولت تشخيص وضعية حرية الصحافة بالمغرب كما دأبت على ذلك هيئات ومنظمات دولية كل سنة. ومن ضمن تقارير المنظمات لهذه السنة تقرير منظمة مراسلون بلا حدود والتي كشفت بأن حرية التعبير والصحافة عرفت تراجعا في المغرب خلال هذه السنة، حيث تراجع المغرب من الرتبة 127، التي كان يحتلها خلال السنة الماضية إلى المرتبة 135 في التقرير الحالي، خلف مجموعة من الدول العربية من بينها الجزائر، التي سجلت تحسنا في حرية الصحافة خلال هذه السنة. هذه الوضعية أصبحت «تشكل منعرجا جديدا» حسب المراقبين، لأنه إذا ما استمر هذا الوضع في التراجع، فإن المغرب سيبدأ في تسجيل الانتكاسات الإعلامية على حساب الانفراج الذي أصبح يسجل في دول عربية أخرى، خاصة مع ربيع الديمقراطية الذي أشرقت أنواره في مجموعة من الدولة العربية بما فيها تونس- التي كانت مهد انطلاقها- والتي كانت تأتي دائما في مؤخرة ترتيب التقارير الدولية. لكن إلى متى سيظل المغرب يظهر في صفوف متأخرة في تصنيفات المنظمات الدولية؟