يطرح توقيت تنفيذ تفجير مقهى «أركانة» بمراكش، الذي أعاد إلى الأذهان ذكرى الأحداث الإرهابية، التي ضربت مدينة الدارالبيضاء في 16 ماي 2003، أكثر من علامة استفهام حول خيوطه وخلفياته، خاصة أن هذا الاعتداء الإرهابي يأتي في وقت دقيق يتسم بدخول المغرب في مسار الإصلاح الهادئ والسلمي ومحاولات السلطات خلق انفراج سياسي بالإقدام على إصدار عفو عن 190 معتقلا سياسيا، من بينهم معتقلو ما يسمى ب«السلفية الجهادية». وفيما لا تزال أكثر من علامة استفهام مطروحة بخصوص الجهة أو الجهات الواقفة وراء تفجير مراكش، يؤكد عدد كبير من السياسيين عن اعتقادهم بأن المستهدف الأول هو مسلسل الإصلاح الذي باشره المغرب بعد مسيرات 20 فبراير. وبالنسبة للتهامي الخياري، الكاتب الوطني لجبهة القوى الديمقراطية، فإن الجهات التي تقف وراء عملية التفجير، التي شهدتها مدينة مراكش، تستهدف من وراء هذه العملية عرقلة عملية الإصلاح التي يسير فيها المغرب، مشيرا في تصريحات ل«المساء» إلى أنه كيفما كانت الجهة أو الجهات التي تقف وراء تفجير مراكش، يتعين الحزم وتعبئة الجبهة الداخلية لمواجهة الإرهابيين. وأضاف الخياري «أحسن رد على هذا العمل الإرهابي هو الاستمرار في عملية الإصلاحات التي دخلها المغرب وتعميقها، خاصة أن الجهات التي تقف وراءه هدفها الرئيس هو عرقلة مسلسل الإصلاحات». ويعتبر محمد مجاهد، الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، أنه مهما كانت الجهة أو الجهات التي خططت لهذا العمل الإرهابي، وكيفما كانت الأهداف التي تبتغي تحقيقها من ورائه، يتعين على الشعب المغربي، خاصة في هذه المرحلة النضالية التي دشنها بعد مسيرات 20 فبراير، ألا يعبأ بهذه المحاولات الفاشلة ويستمر في نضاله من أجل إقرار ديمقراطية حقيقية، ومحاربة الفساد بكل أشكاله، وضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكل المواطنين. ويرى الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد أن العمل الإرهابي، الذي كانت مدينة مراكش مسرحا له الخميس المنصرم، محاولة تشويش فاشلة على الحركة الديمقراطية للشعب المغربي من قبل الذين يغيظهم المسار الذي تسير فيه بلادنا، معتبرا أن الشعب المغربي سيواصل نضاله السلمي والحضاري من أجل تحقيق كل شروط الديمقراطية والاستقرار والتقدم. عبد الكريم بنعتيق، الأمين العام للحزب العمالي، دعا في تصريحات ل«المساء» إلى تكوين جبهة عريضة للأحزاب المغربية للوقوف ضد النزعة الإرهابية، مؤكدا على ضرورة أن يستمر المغرب في مشروعه الإصلاحي، ومعتبرا أن المستهدف من العمل الإجرامي هو الشعب المغربي، الذي يشق طريقه نحو الديمقراطية، بمبادرات ملكية جريئة تهيء لبناء مغرب الغد. وعبر بنعتيق عن قناعته بأن لا حاجة لتوقيف مسار الديمقراطية والإصلاح، الذي انخرطت فيه بلادنا، مشيرا إلى أن الديمقراطيات الحقيقية هي التي تتعرض لضربات الجبناء، الذين يحاولون استهداف استقرار المجتمعات الديمقراطية، وأن الاستثناء المغربي وما وصل إليه المغرب من تقدم وإصلاح يحرج بعض الجهات. ولئن كان بعض المتتبعين لا يستبعدون أن تسعى بعض الأطراف الداخلية- الساعية للمحافظة على مصالحها، التي باتت مهددة في ظل أجواء الإصلاح والتغيير، اللذين تعيشهما البلاد والدعوات المطالبة برحيلهم- إلى توظيف ورقة الاعتداءات التي كانت ساحة جامع الفنا بمراكش مسرحا لها لفرملة قطار الإصلاح، يرى عبد الرحيم منار السليمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن فرضية تورط أطراف يقال إنها تسعى إلى إيقاف مسلسل الإصلاح ومحاولة تكسير التجاوب ما بين السلطة والشارع على مستوى الإصلاحات قائمة. وبرأي السليمي، فإن استبعاد فرضية ضلوع أطراف داخلية من باب الدفاع عن مصالحها يستند إلى أن إدراك تلك الأطراف بأن الاحتجاجات التي طالتها في الأسابيع الماضية من قبل حركة 20 فبراير هي «احتجاجات عابرة ولا تشكل خطرا عليهم». ويحذر أستاذ العلوم السياسية من أي استغلال لحادث مراكش للتراجع عن مسلسل الإصلاح، مشيرا في حديثه إلى الجريدة إلى من شأن ذلك الاستغلال أن تنتج عنه كوارث تعيدنا إلى الأجواء التي عاشها المغرب بعد الأحداث الإرهابية ل 16 ماي 2003 بالدارالبيضاء. وفيما يؤكد المصدر ذاته أن التوظيف السياسي لحادث تفجير مقهى أركانة بعاصمة النخيل ستكون له مخاطر على النظام السياسي ككل، يحصر السليمي الجهات الواقفة وراء الاعتداء الإرهابي في فرضيتين: الأولى هي ضلوع تيار من تيارات السلفية الجهادية، والثانية تذهب في اتجاه المناخ الإقليمي وتصفية حسابات مع المغرب مرتبطة بليبيا والجزائر وقضية الصحراء، مرجحا الفرضية الأخيرة على اعتبار أن التقنية المستعملة في التفجير تدل على احترافية منفذيها. وفي انتظار أن تكشف التحقيقات عن الجهات الضالعة بشكل مباشر أو غير مباشر في الأحداث الإرهابية، التي ضربت مدينة مراكش، فإن السؤال الذي يطرحه العديد من المراقبين هو مدى قدرة الأحزاب والدولة على تجاوز تبعات تفجير مراكش.