في مغرب ما قبل الحماية، كانت الإدارة الملكية تعتمد على بعض المسؤولين والتقنيين المتخصصين في المالية والقانون. وباستثناء العاصمة، كان كل القياد، الذين يمثلون السلطان، يتمتعون بسلطة مطلقة، لكنْ دون تقاضي أجر عن ذلك. قديما، كان على رأس كل قبيلة «قايد». وقد وصل عدد القياد، حسب جول إركمان، في 1885 - 330. وكانوا يعملون بشكل مستقل ويتواصلون مع السلطان بشكل مباشر. أما أولئك القياد، الذين يتمتعون بشعبية وسط القبائل، فكانوا يلعبون دور الوسيط لدى السلطان، ليشفعوا لأحد القياد في حالة ما إذا ارتكب خطأ ما. ومع ذلك، ف«القايد» لا يملك أي عتاد عسكري، بل يعتمد فقط على مجموعة من الناس في خدمته، وهم الخليفة و«الصدر الأعظم» و«الجرّاي»، ويقوم الأخير بالتجول من خيمة إلى أخرى، لجمع الضرائب. كما أن كل «قايد» لديه أمين مال تحت إمرته... تعيينات للسلطان وحده حق تعيين القياد، إذ ينتقيهم من بين أهم شيوخ القبيلة، وعندما يفارق «القايد» الحياة أو يتم عزله من مهامه، فإن أعيان القبيلة يتوجهون للقصر، سواء للتملق لانتزاع المنصب الشاغر أو لاقتراح شخص يخلف «القايد» القديم. غير أنه في آخر المطاف، يبقى الشخص الذي يقدم للسلطان أكبر قدر من المال هو الذي يحظى بالمنصب. بعد تعيين «القايد»، يبدأ هذا الأخير في مباشرة مهامه، بمساعدة أعوانه. وفي بعض الأحيان، يقوم السلطان بإرسال «القايد» الجديد إلى القبيلة بمعية «الشريف» لكي يقوم بالتعريف به ولكي يتلو الرسالة التي بموجبها تم تعيينه، والتي تكون مختومة من طرف السلطان. ويحدث أن يجد السلطان صعوبة في تعيين الشخص المناسب، فيضطر إلى فرض شخص ما على القبيلة. وبطبيعة الحال، يجد هذا الشخص صعوبة كبيرة في فرض نفسه، لذلك يرسل إليه السلطان أعوانا لمساعدته. ومن بين المهام الأساسية التي كان يقوم بها «القايد» جمع الضرائب وإحلال الأمن وإقامة العدالة، في وقت السلم والحرب. كما يملك «القايد» حق تعيين شيخ القبيلة، بطلب من الجماعة، وفي بعض الأحيان، يقوم بفرضه عليهم. وبدوره، يتحمل «الشيخ» مسؤولية الدوار، لكن دوره الأساسي يبقى هو جمع الضرائب. فرض الضرائب الضرائب المنتظمة التي كان تجمع هي «العْشور» من الحصاد، سواء كانت زيتونا أو حبوبا أو غيرهما، والزكاة أو 2 % من قيمة المواشي. ولم تكن هذه الضرائب من تشريع السلطان بل هي ضرائب مذكورة في الكتاب المنزل. وفي بعض الأحيان، كان أمناء المال وبعض الجنود والمختصين يقومون بعملية إحصاء الحصاد وتقدير قيمته. وقد كان الأمناء يستغلون هذه العملية ويبالغون في تقديراتهم لابتزاز دافعي الضرائب، وهكذا كانوا يُخفّضون في هذه التقديرات مقابل مبالغ مالية يضعونها في جيوبهم، علما أن هؤلاء الأمناء يتقاضون عمولة مقابل هذه «السخرة»، إلا أنهم لا يتوصلون بها، لأن المسؤولين عنهم على علم تام بالابتزاز الذي يمارسونه على دافعي الضرائب. أما في ما يخص الزكاة، فقد كان «القايد» يأخذ ما يريد، في حين أن المياه التي كلن يجلبها السكان (التويزة) تهدى للسلطان. وتجدر الإشارة إلى أن بعض الزوايا كانت معفية من الضرائب، لكونها مناطق «حرة»، ومع ذلك فهذا الإعفاء لا يكون سوى في أراضي الأحباس، التابعة للزاوية. الضرائب العرضية بالإضافة إلى الضرائب الدينية المنتظمة، يتوجب على القبائل أن تقدم «المونة» لرجال المخزن عندما يحُطّون الرحال بالقبيلة. وقد يستمر ذلك لأسابيع طويلة. وبطبيعة الحال، يستغل «الشّرْفا» هذا الوضع ليعيشوا على خيرات القبائل. وكان «الشّرْفا» يحكون للسلطان كل ما رأوه وسمعوه. والويل كل الويل ل«القايد «الذي لا يقوم بالترحيب ب«الشّرْفا» وتزويدهم ب»المونة». وبالإضافة إلى «المونة»، كان سكان القبيلة مُجبَرين على تعويض الخيول الميتة بخيولهم الخاصة. كان يكرس هذا الحسَّ الجماعيَّ في تحمُّل المسؤولية، الذي لولاه لكان المغرب مرتعا لقُطّاع الطرق، إلى حد كبير، «القايد»، الذي يتلقى، بدوره، «الذعيرة»على كل ضرر تسبب فيه أحد أفراد القبيلة. في بعض المناطق، كانت القبائل مقسمة إلى 5 أو 6 دواوير وكان كل دوار يقدم للسلطان رجلا وحصانا. وكانت ثروة كل دوار تقدر بعدد الخيول التي يملكها، وعليه، كان «القايد» يحددالحصة التي يتوجب على كل دوار أداؤها. السياسة الملكية في بلد مقسم إلى «بلاد المخزن» و«بلاد السيبة» وإلى قبائل عربية وأخرى أمازيغية، وفي مجتمع يفتقر إلى أدنى وسائل المواصلات، كانت كل جهود السلطان ترمي إلى تعويض سلطة «القايد» بالجماعة داخل القبائل الأمازيغية وإحداث تجمعات صورية داخل القبائل العربية، بغية الزيادة في مداخيل الضرائب وإضعاف هيمنة «بلاد السيبة». ولهذه الغاية، قام السلطان بتعويض 18 قيادة بمجموعة من الدواوير يوجد على رأس كل واحدة منها «قايد». أما أولئك القياد الذين لا يملكون شرعية قبَلية فهم لا يستطيعون معارضة الطلبات الضريبية للسلطان. كان القياد يجمعون الضرائب بسهولة وكانوا يأخذون بأنفسهم حصتَهم منها، وهذا ما فتح المجال لاستنزاف أموال البلاد وإفقارها. وكلما ازداد عدد هؤلاء القياد، كلما عزف الفلاحون عن العمل، علما منهم أن القياد سوف يستحوذون على أموالهم، في آخر المطاف... هذه السياسية هي التي أضعفت، على المدى الطويل، المغرب، مؤثرة على إنتاجية الفلاح، مما أفرز بلادا هشة، وقعت فريسة سهلة للفرنسيين والأوربيين.