4 - أمام ضآلة وانعدام مناصب مباراة أساتذة التعليم العالي مساعدين لمدة طويلة من الزمن في العديد من التخصصات، خاصة في هذه المرحلة الانتقالية، واكتفاء الوزارة بتسديد خصاصها الحاصل في مواد تدريسها بأساتذة عرضيين غير مكلفين ماديا، بصورة جزافية لا تخضع لمعايير علمية أكاديمية، لم يجد الدكاترة المخضرمون وخريجو النظام الجديد إلا الانتقال إلى الرباط، «حلبة» المعارك النضالية، حتى يتم انتزاع حقهم في التوظيف، الذي كان عصيا ومعجزا ومستحيلا بالنسبة إلى الفئة المعوزة ماديا، المقيمة في مناطق نائية من ربوع الوطن، لكون مناله يقتضي مصاريف المعيش والإقامة والإبانة في الساحات النضالية عن مشاركتهم المتواصلة وبأسهم وشكيمتهم ومقاومتهم شتى أشكال التنكيل والضرب والاعتقال إلى غاية سنة 2002، حيث شُرِع، من جديد وبصفة رسمية، في «استدراج» حاملي الشواهد العليا، وضمنهم الضحايا الأوائل لنظام 19 فبراير 1997، المخضرمين الدكاترة، إلى مختلف أسلاك الوظيفة العمومية، الذين مزجوهم مزجا مع نظرائهم المعطلين من حاملي دبلوم الدراسات العليا المعمقة والمتخصصة والمهندسين و«الممسترين»، أي مع ذوي الشهادات التي لا ترقى قيمتها العلمية والأكاديمية إلى شهادة دكتوراه الدولة والدكتوراه، بمعنى أن النظام الجديد رمى هؤلاء المخضرمين بالموت بغيظهم منذ تاريخ سنه عام 1997 إلى 2002، أما الذين لم يشملهم هذا التوظيف فقد كان عليهم الانتظار زهاء خمس سنوات أخرى، منتظمين في صفوف النضال، حتى تم توظيفهم سنة 2006 /2007، وإلا اللجوء إلى المقامرة في مباراة أساتذة التعليم العالي مساعدين، إن أعلنت في تخصصهم، التي غالبا ما يكون الفائز بها أستاذا دكتورا أو دكتورا معطلا عرضيا «مصولجا»، تستعين به، مسبقا، مؤسسات التعليم العالي وتكوين الأطر، بمعية جحافل من الأساتذة العرضيين، دون التأهيل العلمي الأكاديمي لسد خصاصها، بمعنى أن المترشحين الدكاترة الراسبين هم «قنطرة عبور» هذا الفائز العرضي، الذي يوعد بترسيمه حتى إن كان ما زال لم يناقش أطروحته بعدُ، بناء على المباراة التي يعلن عنها للعوام، وهي في واقع الأمر لهؤلاء الخواص. 5 - إن المخضرمين من الطلبة والموظفين الباحثين الذين سجلوا أطروحاتهم لنيل دكتوراه الدولة قبل النظام الجديد، سواء داخل المغرب أو خارجه، اعتُبروا ك»قطيع الغنم» في مراعي البحث عن الماء والكلإ، فلم يخبَروا بحجم نازلة 19 فبراير 1997 ولم يستشاروا في نظامها أو يهابوا، على الأقل، وضعا استثنائيا إزاء حدثها، الذي لا ناقة لهم فيه ولا جمل، أو يعاملوا بمثل ما عومل به أولئك الأساتذة الجامعيون المحاضرون والمساعدون، الذين لم يتمكنوا من مناقشة أطروحاتهم لنيل دكتوراه الدولة قبل تاريخ هذه النازلة، فتم لصالحهم تمديد تاريخ مناقشاتها في العديد من المرات، حتى وصل آخر آجالها إلى نهاية شهر شتنبر من العام القادم، أي مدة 15 سنة، منذ تشريع نظام 19 فبراير 1997 إلى متم شهر شتنبر 2012، في حين لم يرخص لهؤلاء المخضرمين بعام أو عامين، على الأقل، حتى يناقشوا أطروحاتهم ويلتحقوا بحضن البحث العلمي وهيأة الأساتذة الباحثين. 6 - إن وفود عدد وافر من حاملي الدكتوراه الفرنسية على بلدهم المغرب قصد التحاقهم بالتعليم العالي واستثمار رصيدهم العلمي والمعرفي لم ينظر إليه بعين الرضا والغبطة والاطمئنان في مسار البحث العلمي في البلاد، بل اعتبر هدرا لميزانية الدولة وتحميلها ما لا يطاق، مما دفع بالمعنيين بأمرهم التعليمي والمالي والإداري إلى الامتناع عن معادلة شواهدهم بدكتوراه الدولة والإسراع في صياغة وإخراج نظام 19 فبراير 1997 وما تلاه لاحقا من قرارات ومراسيم للحد من تدفق هؤلاء الدكاترة، وبالتالي جعل هذا النظام حدا فاصلا أمامهم ومثبطا لعزائم غيرهم ممن هم في طريق الحصول على مثل هذه الشواهد أو الذين يتطلعون إلى إكمال دراساتهم العليا. 7 - إن هؤلاء المعنيين لم يقفوا عند هذا الحد، بل ضربوا ألف حساب، بغية ألا يتكاثر أعداد الحاصلين على شواهد الدكتوراه، وذلك بتقليص المدة الدراسية للحصول على شهادة الإجازة من أربع سنوات إلى ثلاث، وهو اختزال زمني عرقل مسار استكمال الدراسة العليا في سلك الدكتوراه في الخارج بالنسبة إلى الحاصلين على هذه الإجازة المختزلة، التي يجبر أصحابها على دراسة عام كامل وإنجاح مواده، حتى يتم لهم معادلتها بنظيرتها الأجنبية ومتابعة دراستهم العليا وكذا بإخراج قرارات تخول بموجبها مساواة كافة الشواهد الجامعية العليا في السلم ال11 ودرجة متصرفي الإدارات المركزية وسلك مهندسي الدولة وكذا التعيين المباشر بالدرجة نفسها، دون استثناء أعلى هذه الشواهد، وهي الدكتوراه ودكتوراه الدولة، من هذا التصنيف «الجائر»، «المغرّض»، الذي تغيى «تذويب» قيمتها الأكاديمية وأهميتها العلمية في غيرها من الشواهد التي تدنو منها، وبالتالي تقويض حافز الإقبال على مواصلة البحث العلمي الأكاديمي والحصول على أعلى الشهادات المنظور إليها باعتبارها شهادة «الذمثوراه» لا الدكتوراه... وهكذا أصدر عزيز الحسين، وزير الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، القرار رقم 695.99، بتاريخ 30 أبريل 1999، متما القرار رقم 900.81 (23 شتنبر 1981) بتحديد قائمة الشهادات التي يُخوَّل بها التعيين المباشر في درجة متصرفي الإدارات المركزية، وهي: - دبلوم الدراسات العليا المعمقة (DESA) المسلم من طرف الجامعات المغربية، - دبلوم الدراسات العليا المتخصصة (DESS) المسلم من طرف الجامعات المغربية، - شهادة الدكتوراه في العلوم، المسلمة من طرف كليات العلوم المغربية، مشفوعة بشهادة الدراسات المعمقة (الاستقصائية) المسلمة من طرف الكليات نفسها، -شهادة الدكتوراه في الآداب، المسلمة من طرف كليات الآداب والعلوم الإنسانية المغربية، مشفوعة بشهادة استكمال الدروس، المسلمة من طرف هذه الكليات، -شهادة الدكتوراه في العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، المسلمة من طرف كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المغربية، مشفوعة بشهادتي الدراسات العليا، المسلمتين من طرف الكليات عينها. وزاد الوزير المذكور من تعميم هذا المزج و«التذويب» بإصدار ستة قرارت تتعلق بتحديد قائمة شهادات الماستر والهندسة والدكتوراه، المسلمة من معاهد ومؤسسات جامعية أجنبية، يتأتى بها التوظيف المباشر في درجة متصرفي الإدارات المركزية وسلك مهندسي الدولة على حد سواء، إلى درجة أصبح الدكتور المختص في علم الأحياء والزراعة مهندسا، نتيجة هذه «المخالطة» لا المعادلة... وقد تمادى هذا الصنيع «الهجين» في مساواة شهادة الدكتوراه بشهادتين جديدتين عوضتا نظيرتيهما السابقتين، دبلوم الدراسات العليا المعمقة ودبلوم الدراسات العليا المتخصصة، وهما: - شهادة الماستر، المسلمة من طرف الجامعات المغربية، طبقا لمقتضيات المرسوم رقم 2.04.89، الصادر في 7 يونيو 2004، بتحديد اختصاص المؤسسات الجامعية وأسلاك الدراسات العليا وكذا الشهادات الوطنية المطابقة، - شهادة الماستر المتخصص، المسلمة من طرف الجامعات المغربية، طبقا لمقتضيات المرسوم نفسه. وهكذا أصدر محمد عبو، الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بتحديث القطاعات العامة، القرار رقم 1378.08، بتاريخ 4 غشت 2008، الذي يُتم القرار رقم 1706.04، الصادر في 23 شتنبر 2004، بتحديد الشهادتين المذكورتين ضمن الشواهد المطلوبة للتوظيف المباشر في درجة متصرفي الإدارات المركزية السلم ال11. 8 - إن الخريجين المخضرمين كلفهم نظام 19 فبراير 1997 ضياع 6 إلى 11 سنة من عمرهم «هباء منثورا»، حتى تم استدراجهم إلى الوظيفة العمومية، بصورة جزافية، بعد أن أدوا «ضرائب» نفسية وجسمية ومعنوية ومادية وعلمية طيلة احتجاجاتهم أمام عمالاتهم وولاياتهم وقبة برلمانهم، لأن سنة 1996 كانت آخر محطة في النظام القديم لتوظيف المتخرجين أصحاب الشواهد العليا حملة دبلوم الدراسات العليا ودكتوراه الدولة وإلحاقهم بهيأة الأساتذة الباحثين في مؤسسات التعليم العالي وتكوين الأطر العليا وبغيرها من قطاعات الوظيفة العمومية، وأن العملية الرسمية الأولى لتوظيف الخريجين المخضرمين الجدد وفق النظام الجديد في مختلف أسلاك الوظيفة العمومية جرت سنة 2002، أي بعد مرور ست سنوات على هذا النظام، وأن الذين لم يشملهم هذا التوظيف كان عليهم انتظار عمليتها الثانية إلى غاية 2006 /2007، أي أربع أو خمس سنوات أخرى لبلوغ هذا المرام، المثقل بعدة شروط وعراقيل ومحبطات. 9 - إن المدد جميعها التي قضاها المتخرجون المخضرمون، طيلة فترات النظام بصنفيه القديم والجديد، والبطالة حتى ولوجهم أسلاك الوظيفة العمومية، تراوحت بين 13 سنة بالنسبة إلى الذين استدرجوا إليها سنة 2002، و17 بالنسبة إلى أقرانهم الذين وظفوا سنة 2006-2007، مخلفة آثارا سلبية عليهم نفسيا ومعنويا وجسديا واجتماعيا وعلميا، دون أن ننسى أولئك الذين لم يتم توظيفهم، المكتفين بما يصادفونه من فرص العمل البسيطة لسد لقمة عيشهم، نتيجة العراقيل والمثبطات، من تكاليف مغرضة وشروط مفتعلة قيدت -وما زلت- تلجم عملية التوظيف. 10 - إن هاتين العمليتين للتوظيف تم تسييسهما، لأن ما كان يهم معنييها بالدرجة الأساس ليس هو توظيف هؤلاء الضحايا وإنما تلميع وإشهار وترويج صورة منتخبيهم، لضمان نجاحهم في الانتخابات -التشريعية والبرلمانية- لذا تم الإعلان عنهما عند اقتراب موعد الانتخابات: الأولى عند نهاية ولاية حكومة عبد الرحمان اليوسفي سنة 2002 والثانية عند نهاية ولاية حكومة إدريس جطو سنة 2006. 11 - إن مجموعة وافرة من هؤلاء المخضرمين، خاصة الذين ناقشوا أطروحاتهم في الخارج، نأت بنفسها وبثروتها العلمية عن الخضوع لهذا التكالب الوخيم على مستقبلها، الذي كان مدعاة طلبها «لجوءا علميا» في مختلف البلدان الغربية والعربية. بناء على هذا، نخلُص إلى أن تاريخ التعليم الوطني المغربي لم يعرف تبخيسا وإهانة وتهميشا وحيفا وجورا وجحودا ومؤامرة مثلما عرفته أعلى شواهدها العلمية الأكاديمية وحاملوها، ضحايا نظام 19 فبراير 1997، الذي كان وقعه كارثيا على مصير البحث العلمي والجامعي وخريجيه، بصفة عامة، ونظرائهم المخضرمين الدكاترة، وبصفة خاصة الذين يحق لهم مقاضاة من تسبب لهم، بهذا النظام الجائر، في ضياعهم وتبخيسهم والنيل من عمرهم وفكرهم وأحاسيسهم وصحتهم والرمي بهم في مناصب الروتين والتذويب والقذف بهم، في آخر المطاف، إلى تقاعد «مفلس»، لعدم استيفاء عملهم الزمن الكافي للحصول على معاش كامل، نتيجة ما اقترفه مسنو النظام الجديد ومنفذوه في حقهم من تأخير وإجراء عملية توظيفهم كيفما ووقتما حلا لهم ذلك واسترداد حقوقهم بالتغيير اللا مشروط من إطاراتهم التبخيسية الدونية إلى إطارهم المشروع: أستاذ باحث وتخويلهم نظاما أساسيا خاصا بهم وتمكينهم من الالتحاق بمختلف مؤسسات التعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي وجبر ضررهم واحتساب أقدميتهم الإدارية والمادية بأثر رجعي، منذ حصولهم على شهادتهم، بنوعيها، دكتوراه الدولة والدكتوراه.