تحت شعار «الأخلاق الإسلامية في مواجهة تحديات العصر»، نظم اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، ما بين 22 و25 أبريل، الدورة الثامنة والعشرين لتجمعه السنوي في حديقة المعارض بالبورجيه في الضاحية الشمالية لباريس. ويعد هذا اللقاء أكبر تجمع لمسلمي فرنسا بل ولأوربا، حيث يناهز عدد الزوار سنويا 150000 زائر، يحجون لمتابعة درس ديني، لأخذ المشورة في قضية شخصية، للتسوق بالمنتوجات الإسلامية من كتب، ثياب، أشرطة صوتية وفيديو، ماء زمزم، أو يحجون للوقوف على أحوال الإسلام والمسلمين في بلاد المهجر. جاؤوا من بلجيكا، من ألمانيا، إيطاليا، هولندا... بعضهم على متن القطار، والبعض الآخر على متن سيارات. ولوحظ غياب المرتديات للبرقع تطبيقا لقانون حظر هذا اللباس في فرنسا الذي دخل حيز التنفيذ في الحادي عشر من أبريل. وترافق التجمع، قبل وخلال انعقاده، زوبعة إعلامية من حول هوية هذا التنظيم، وذلك على خلفية المبادئ المؤسسة له. فثمة من يعتبره «بوقا ناطقا باسم الإخوان المسلمين» فيما ينظر إليه البعض الآخر على أنه «مفرخة للتطرف في فرنسا». ومنذ إنشائه عام 1983، خاض الاتحاد معارك داخلية وخارجية كادت تعصف بكيانه. لكن بتشديده على الحوار وعلى شرعية وضرورة أقلمة الإسلام والمسلمين مع أوضاع بلدان التبني، نجح الاتحاد، وبفضل كاريزما رئيسه المغربي فؤاد العلوي، في نزع الاعتراف من الدولة الفرنسية وإفشال محاولات التمزق والتشرذم التي تتهدده، خصوصا وأن الإجماع والاتحاد هو ما يفتقر إليه مسلمو المهجر. وبفضل 220 جمعية تابعة له وتنشط في عدة مجالات، أمكن لهذا التنظيم أن يصبح قوة ضغط في المشهد السياسي والديني الفرنسي. وقد نظمت نسخة هذا العام في ظرفية سياسية واجتماعية تميزت بحظر البرقع، بطرح الإسلام والعلمانية كموضوع للنقاش من طرف حزب الأغلبية الحاكمة، تردي الوضع الاقتصادي للمسلمين، تقليص المساحات والفضاءات المخصصة لهم لممارسة شعائرهم الدينية، تفاقم المشاعر الإسلاموفوبية والعنصرية... إلخ. في رحاب المعرض، كانت هذه القضايا محط نقاش ساخن. هذا مع التذكير بأن الإسلام في فرنسا، أو «إسلام فرنسا» كما يحلو للبعض تسميته، تخترقه نزاعات وولاءات مذهبية وسياسية على المستوى الداخلي والخارجي، إذ لا زالت سياسة شد الحبل بين المغرب والجزائر والمملكة السعودية تحكم سير المؤسسات والطقوس الدينية، مثل المساجد، مجازر اللحم الحلال، تنظيم رحلات الحج إلى الديار المقدسة، صيام رمضان، تعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية، تسيير المكتبات.. فالرهان هنا سياسي، إيديولوجي بل وإثني. وقد يتفاقم هذا الوضع في يونيو القادم لما يقبل مسلمو فرنسا على خوض انتخابات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية المزمع عقدها على دورتين.. تقام الأولى في الخامس من يونيو والثانية في التاسع عشر منه. منذ الآن، يبدو هذا الاستحقاق عاصفا بعد أن أعلن كل من اتحاد المنظمات الإسلامية لفرنسا والمسجد الكبير لباريس والفيدرالية التابعة له عن مقاطعتهم لهذه الانتخابات. تدعو هذه الهيئات إلى ضرورة إصلاح المعايير التي تقوم عليها التمثيلية المحلية والجهوية، إضافة إلى «حرب أقطاب النفوذ»، (المغرب-الجزائر-السعودية)، يعاني إسلام فرنسا من غياب نخبة إسلامية قادرة على ترشيد النقاش والحوار، فالأئمة الذين يتحدثون باسم الإسلام غالبا ما يضعون أنفسهم، ومعهم بقية المسلمين، في موقع الضحية أو يفتقرون إلى الوضوح والتكوين المعرفي الكافي لما يتحدثون عن الإسلام. يصب هذا الخلاف والشقاق بالتأكيد في جعبة القطب الثلاثي المعادي والمنافق للإسلام والمسلمين في فرنسا: الساركوزية مع رموزها الاستئصالية داخل الجهاز الحكومي: (كلود غيان وزير الداخلية والأوقاف، جان-فرانسوا كوبيه السكرتير العام للتجمع من أجل حركة شعبية)، ثم الإسلامافوبيون وأخيرا المناهضون للتعددية الثقافية، أولئك الذين أقروا ب«فشل اندماج المسلمين في نسيج المجتمع». وعليه، فرهان المعارك الصغرى والكبرى لم يكسب بعد.