بدأت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية إجراء تحقيقات مع منتخبين جماعيين بطنجة في قضية «الرشوة»، التي تفجرت بمجلس المدينة خلال دورة فبراير الماضية، في وقت كان يسود اعتقاد كبير بأن الشرطة القضائية لطنجة هي التي ستحقق في هذا الملف بعدما تسلمته من النيابة العامة. وتقود الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تحقيقا موسعا مع مستشارين جماعيين بمجلس المدينة بعد فضيحة «الارتشاء» التي ادّعى أحد المستشارين بمجلس المدينة أنه تعرض لها من قبل مستشار آخر من أجل عدم التصويت لفائدة الحساب الإداري، وهو ما أثار شكوكا كثيرة حول طبيعة هذه القضية التي كان الهدف منها تبرير عدم حصول فؤاد العماري، رئيس المجلس، على النصاب القانوني الذي يخول له عقد الدورة. ويأتي بدء التحقيقات في قضية الرشوة في وقت متزامن تقريبا مع عقد دورة أخرى للجماعة الحضرية لدراسة الحساب الإداري، وهي الدورة التي فشل عقدها لمرتين متتاليتين، بعد أن عجز العماري عن توفير النصاب القانوني لها. وأشارت مصادر مطلعة إلى أن تسلم الفرقة الوطنية هذا الملف، بدل الشرطة القضائية، يحمل أكثر من إشارة تجاه المجلس الجماعي لطنجة الذي يقوده فؤاد العماري، شقيق إلياس العماري، الرجل القوي في حزب الأصالة والمعاصرة، الذي تقول بعض المصادر إنه يفضل إرسال الفرقة الوطنية، ويحاول حماية أخيه الذي وجهت إليه اتهامات بضلوعه في تحريك قضية «الرشوة»، خصوصا وأن عددا من المعطيات تشير إلى أنها كانت عبارة عن سيناريو محبوك الهدف منه إحراج المعارضين لاستمرار العماري على رأس عمدية المدينة. وكانت النيابة العامة أحالت الشكاية التي توصلت بها على مصالح الشرطة القضائية بولاية أمن طنجة من أجل استدعاء الأطراف المعنية، وإجراء تحقيق معهم حول هذه القضية التي أثارت جدلا كبيرا بين الأطراف المتنافرة داخل المجلس. وكانت دورة فبراير في جولتها الثانية، شهدت أحداثا غير مسبوقة، من أبرزها الكشف عن فضيحة «الرشوة» التي اعترف أحد المستشارين بأنه تعرض لها من طرف مستشار آخر، ومحاولة أحد المستشارين الانتحار بطريقة غريبة. وبدت عملية الكشف عن هذه الفضيحة وكأنها سيناريو محبوك صنعته أطراف بارزة تنتمي إلى الأغلبية داخل المجلس، وهو السيناريو الذي اعتبرته قوى المعارضة فضيحة أخرى «تورط» فيها العمدة فؤاد العماري، الذي وجهت إليه اتهامات بكونه المسؤول عن كل ما وقع من أحداث خلال الدورة. وكان الكشف عن حالة «الارتشاء» تم عبر بث إذاعي مباشر لإذاعة طنجة، وهو أول بث مباشر لهذه الإذاعة من مجلس المدينة. وتأتي هذه التطورات متزامنة مع لقاء ثان عقده الوالي مع الأطراف السياسية داخل المجلس، من أجل رأب الصدع بين المنتخبين، وإعادة أجواء الهدوء الذي افتقده المجلس طيلة الشهور الماضية. وأفادت مصادر مطلعة داخل المجلس بأن الوالي رفع شعار «الهدنة» خلال الدورة المقبلة التي من المرتقب أن تنعقد مساء الجمعة، حيث طلب من زعماء المعارضة الالتزام بالهدوء والتعبير عن مواقفهم بكل حرية وبدون أي ضجيج أو فوضى. وقد اختار الوالي أن يواجه المنتخبين بشكل فردي، كما فعل في جولة الحوار الأولى، إذ حث كل واحد منهم على أن يدفع في اتجاه الهدنة مقابل التعبير عن أي موقف ينسجم مع قناعاته. وفي سياق متصل أصدر فؤاد العماري بيانا يحمل توقيع المكتب الجماعي، وصف فيه ما يتداوله السكان حول طريقة تسيير المجلس بأنه «مجرد إشاعات» تهدف إلى تغليط الرأي العام والتشويش على أداء المجلس. ورغم أن العماري لا يملك الأغلبية بالمجلس، إلا أنه أشار في بيانه إلى ما أسماه «محاولات التأثير على صفوف الأغلبية»، علما أنه فشل لمرتين متتاليتين في مجرد جمع النصاب القانوني للدورة. غير أن أهم ما ضمه البيان هو الهجوم الذي شنه على ما سماه «بعض الأطراف»، التي قال إنها «تتطاول على مقدسات البلاد». وبدا جليا أن العماري يوجه أصبع الوشاية مباشرة نحو العمدة السابق، سمير عبد المولى، الذي استقال في ظروف غامضة من العمدية، والذي اتهم مؤخرا أطرافا نافذة في الدولة بدعم شركة «أمانديس» الفرنسية، التي أصبح رحيلها مطلبا رئيسيا لسكان طنجة ولعدد من مدن الشمال. وكان الصراع بين العمدة السابق و«أمانديس» عرف مراحل قوية سابقا، حين رفض عبد المولى الرضوخ للوبي الضغط الذي تديره هذه الشركة الفرنسية، حيث كانت تلك الضغوط من بين الأسباب الرئيسية للتعجيل باستقالته. وأشار عبد المولى إلى أنه تعرض لمحاولات ترغيب وترهيب من طرف هذه الشركة، مضيفا أن وزارة الداخلية تدعمها مباشرة، مع أطراف أخرى، من بينها فرع في مؤسسة «أونا»، وطالب سكان طنجة بعدم أداء الفواتير التي يتوصلون بها من هذه الشركة. وكان عبد المولى أثار ضجة كبيرة حين قرر قبل بضعة أسابيع الاستقالة من حزب «الأصالة والمعاصرة»، وأبدى رغبته في الالتحاق بحزب «العدالة والتنمية». ويعرف حزب الأصالة والمعاصرة في طنجة ارتباكا كبيرا، في وقت بدأ الحديث عن انسحاب جماعي من صفوفه من أجل الالتحاق بأحزاب أخرى في ظل حراك اجتماعي واضح يطالب بإسقاط الفساد، حيث تلعب طنجة دورا محوريا في مجال الاحتجاجات التي يعيشها المغرب من أجل محاسبة رموز الفساد. وكان رؤساء فرق من المعارضة وجهوا اتهامات مباشرة لحزب الأصالة والمعاصرة «بممارسة الإرهاب عليهم» من أجل انتخاب فؤاد العماري عمدة للمدينة، على الرغم من الخروقات القانونية الكثيرة التي شابت ذلك. كما وجه رئيس مقاطعة «السواني» والمنسق الجهوي للحركة الشعبية، سمير بروحو، اتهاما للعماري بكونه هدده بإدخاله السجن في حال لم يحضر هو وأعضاء حزبه دروة الحساب الإداري، وهذه سابقة في تاريخ المجالس الجماعية بالمغرب حيث يهدد رئيس الجماعة معارضيه بالسجن في حال لم يساندوه.