ما زالت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعيش على وقع المفاجأة التي أحدثها كتاب صدر هذه السنة يحمل عنوان «حقيقة ما حدث... داخل البيت الأبيض في عهد بوش وثقافة الخداع في واشنطن». وليس مؤلف الكتاب سوى أحد رجال بوش السابقين، بل الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض لمدة قاربت الثلاث سنوات، إنه سكوت ماكليلان الذي يكشف في كتابه هذا « كيف ضلل جورج بوش العالم وزور تقارير مخابراتية لكي يغزو العراق». كانت تلك المكالمة بالنسبة إلي مفاجأة حقيقية. اتصل بي أري في المنزل ليخبرني بأنه سيعلن في ذلك اليوم، الاثنين 19 ماي 2003 استقالته، من منصبه كناطق باسم البيت الأبيض مع منتصف يوليوز، والسبب كان بسيطا، فقد أحس أري أنه استنفد كل ما يمكن أن يعطيه في ذلك المنصب وأنه بات في حاجة إلى الراحة. وأذكر أنه قبل ذلك بأشهر أخبرنا أري في أحد حواراتنا أنه يريد أن يرتاح قليلا، حينها كان ما زال يبدو في كامل طاقته وحماسه للعمل. أعرف أنه كان يستمتع بإعداد التصريحات الصحافية والإجابة عن أسئلة الصحافيين، لكن الأمر بالنسبة إليه كان مرهقا وصعبا لأنه خدم في البيت الأبيض في ظروف غير عادية، لقد عايش اعتداءات الحادي عشر من شتنبر وحرب أفغانستان وما كان يبدو آنذاك اقتراب النهاية الناجحة للحرب في العراق. في ذلك الوقت أيضا، كان أري عريسا جديدا، فقد تزوج في نونبر السابق فقط، لم أستطع حينها تقدير الأمر جيدا، لكنني لاحقا أدركت كيف يمكن أن تؤثر الوتيرة اليومية السريعة لسير العمل على الناطق الأول باسم البيت الأبيض، لقد كان لكل واحد منا عدد معين من المرات التي يمكنه فيها أن يعيد فيها شحن بطاريته، وقد استنفد أري هذا العدد. خلال اتصاله الهاتفي بي أخبرني أري أنه قام بتزكيتي من أجل أن أشغل منصبه بعد استقالته، فأخبرته بدوري أنه خدم الرئيس جيدا وأنه سيترك فراغا كبيرا بعد مغادرته، كما عبرت له عن إعجابي وتقديري الكبيرين له ولجهوده. بعد انتهاء المكالمة، جلست أفكر في إمكانية أن أحل أنا محل آري، وأصبح وسط دائرة الضوء التي كان أري موضوعا فيها، لم أكن متأكدا، لكني كنت متأكدا من أنني أثبت ولائي وإخلاصي للرئيس، وأنه كان يثق بي، كما أن علاقتي به كانت قوية. أثبت للجميع أنني أستطيع خلال تواصلي مع الصحافيين أن أتحدث بالنبرة التي يحب بوش أن يتحدث بها، وأنني أفهم جيدا طريقته في العمل وأستوعب المبادئ التي ينطلق منها من أجل اتخاذ قراراته، وهي الأسباب نفسها التي من أجلها كانت كارن هيوز تعتقد أنني سأكون الأنسب لأحل محل أري فيشر. من جهة أخرى، أثبت غير ما مرة أنني فعلا أستطيع أن أقوم بالعمل الذي يريدني الرئيس أن أقوم به من على البوديوم، فقد عوضت أري عدة مرات أثناء غيابه خصوصا عندما أخذ عطلة لكي يتزوج، فكنت أنجز أنا كل مهامه وكنت أحضر التصريحات الصحافية وألتقي بالصحافيين. أثبت أيضا أنه يمكنني التعامل مع الأزمات والمشاكل المفاجئة، مثلما حدث معي يوم السبت فاتح فبراير. فعندما كان أري في عطلة، وقعت كارثة انفجار المركبة الفضائية كولومبيا عندما بدأت تدخل المجال الجوي للكرة الأرضية، وتوفي في ذلك الحادث سبعة رواد فضاء شجعان ستة أمريكيين وإسرائيلي، وكان من المهم جدا التواصل مع الصحافة في الحين حول الحادث، لكي يتمكنوا بدورهم من نقل المعلومات الصحيحة إلى الشعب الأمريكي، حينها قال الجميع إنني أديت مهمتي بنجاح. بعد أن أعلن أري استقالته، بدا أن الأمور تسير بسرعة، ففي منتصف أسبوع التاسع عشر من ماي، قابلت المدير الإداري للطاقم الرئاسي أندي كارد لكي نتحدث عن انتظارات كلا الجانبين. يوم الأحد، تحدث مع الرئيس. كان بوش قد استقبل في ذلك الأسبوع حليفه المقرب الوزير الأول الياباني كوازومي في منزله الذي يقع في كراوفورد يومي الخميس والجمعة ثم قضى هناك نهاية الأسبوع. وخلال عودتنا على متن الطائرة الرئاسية فاتحني الرئيس رسميا في الأمر: «لقد قلت للجميع إنه لا داعي لترشيح أي شخص آخر غيرك، لأنه في نظري لدينا الشخص المناسب ليحل محل أري». فقلت له: «هذا شرف لي سيدي الرئيس» وأضفت: «سأفعل أقصى ما في وسعي لكي أخدمك وأخدم البلد سيدي الرئيس». فقال الرئيس: «يجب أن تتشرف بذلك حقا، فالقليلون فقط يمكنهم أن يقولوا إنهم شغلوا منصب الناطق باسم البيت الأبيض، بل يعدون على رؤوس الأصابع». كنت أعرف الرئيس جيدا وهو أيضا يعرفني، كنت أعرف ما يريده مني وأعرف كيف أقوم بذلك، لكنني كنت فقط أريد أن أتأكد من شيئين. سألت الرئيس عن إمكانية أن أقابله متى ما احتجت إلى ذلك، فقال لي: «طبعا، أعرف أنك ستكون بحاجة إلى ذلك لكي تقوم بواجبك كما ينبغي، سيكون بإمكانك أن تقابلني وقتما تشاء»، ثم طلبت منه أن أحضر كل الاجتماعات المهمة، التي كان يحضرها أري أيضا، فأجاب الرئيس بالموافقة على هذا الطلب أيضا.