سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدولة تدشن فصلا جديدا من فصول المواجهة المفتوحة مع جماعة العدل والإحسان شقير: الجماعة وجدت في حركة 20 فبراير الفرصة للتعبير عن استمرار وجودها في الساحة
شكل اتهام السلطات لجماعة العدل والإحسان بالوقوف وراء الأحداث التي عرفتها مدينة خريبكة الثلاثاء الماضي، والتي خلفت إصابات في صفوف المتظاهرين ورجال الأمن وخسائر مادية جسيمة، وما عاشته الدارالبيضاء في 13 مارس من أحداث، حلقة جديدة لمسلسل التشنج والتعارض المتواصل بين السلطات والجماعة شبه المحظورة. وكان لافتا خلال هذا الفصل الجديد من المواجهة، الذي يأتي أسابيع على انتهاء فصل محاكمة منتمين للجماعة بفاس بتهم اختطاف واحتجاز وتعذيب أحد محامي هيئة فاس، تصعيد السلطات من لهجتها وتوجيهها أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى جماعة الشيخ عبد السلام ياسين بالضلوع في الأحداث التي عرفتها العاصمة الاقتصادية وعاصمة الفوسفاط مقابل سعي حثيث للجماعة للتبرؤ من المسؤولية وإلقاء كرة الاتهام فيما يخص تلك الأحداث في ملعب السلطات. تصعيد الدولة لهجتها والعودة إلى نهج سياسة المواجهة المفتوحة في صراعها مع أكبر تنظيم إسلامي بالمغرب يثير أسئلة حول ما إن كان ذلك مؤشرا على تحول في التعامل مع جماعة كان يسمح لها بقدر من حرية العمل وممارسة نشاطها خارج العمل الحزبي أو دليلا على رغبة الجماعة في التعبير عن استمرار وجودها في ظل سياسة الحصار التي نهجتها الدولة في السنوات الأخيرة. وبالنسبة لمحمد شقير، أستاذ العلوم السياسية، فإن ما عرفته الساحة السياسية من تبادل للاتهامات بين الدولة و«العدليين» هو شوط آخر من أشواط رهان القوة الدائر بينهما منذ سنوات، واتخذ تمظهرات عدة (الشارع العام، مجالس النصيحة)، مشيرا في تصريحات ل«المساء» إلى أن الجماعة وجدت في حركة 20 فبراير الفرصة الموائمة لتعكس قوتها من جديد، ولإيصال رسالة إلى من يهمه الأمر بأنها مازالت موجودة في الساحة السياسية والشارع، رغم الضربات التي تلقتها في السنوات الأخيرة. وبرأي أستاذ العلوم السياسية، فإن الجماعة اكتفت ببعث رسائل في هذا الاتجاه، دون أن تحاول النزول بكل ثقلها إلى الشارع، وهو ما ظهر جليا من خلال حجم مشاركتها في مسيرات 20 فبراير بمختلف مناطق المملكة، ومسيرة 13 مارس الجاري، مشيرا إلى أن مشاركتها في تلك المسيرات يحمل معنيين، أولهما التعبير عن أنها منخرطة في الحركية التي تنتقد النظام السياسي بكل مكوناته، وثانيهما أنها ما زالت تمتلك إمكانيات أخرى للتصعيد والحشد والتعبئة. وحسب شقير، فإن السلطات استوعبت بشكل جيد الإشارات الصادرة عن الحركة خلال مسيرات 20 فبراير وما بعدها، وهو «ما جعلها تنزل بشكل شرس لقمع مسيرة الدارالبيضاء»، معتبرا أن الجماعة وجدت في حركة شباب ال«فيسبوك» الفرصة للتعبير عن مواقف أخرى، وعن وجودها بشكل كبير، خاصة أن المجالات التي كان يتحرك فيها أتباع الشيخ عبد السلام ياسين تمت محاصرتها من طرف السلطة وعملت على تضييقها. ويسجل متابعون لفصول المواجهة المفتوحة بين الجماعة والسلطة عدم حدوث أي تحول جذري في موقف السلطة، بقدر ما هناك استمرار لنفس الإستراتيجية السابقة، أي إستراتيجية الاستبعاد، مع تشديد تنزيلها وتعميمها على كافة المناطق والمدن، واستغلال كافة الثغرات القانونية الممكنة للتضييق على تحركات الجماعة وأنشطتها، وتأويل قانون الحريات العامة بالشكل الذي يتناسب وإرادة الدولة في تحجيم وعزل الجماعة من الناحية السياسية. وبالنسبة إلى هؤلاء المتتبعين، فإن الهدف الرئيس منها هو عزل الجماعة سياسيا وتحجيم دورها من الناحية الجماهيرية، ومنعها من استثمار أجواء 20 فبراير، مشيرين إلى أن هناك «إرادة لضبط تحركات الجماعة والتحكم في حجمها». ولئن كان تاريخ علاقة الجماعة منذ نشأتها بالدولة هو تاريخ المواجهة التي ما تكاد تخبو جذوتها حتى تشتعل من جديد، أو كما وصفتها كريمة الشيخ ياسين زعيم العدل والإحسان، في حوار مع مركز «كارينغي للسلام الدولي»، بما يشبه «حرب العصابات» التي تعتمد نظام الكر والفر، يستبعد شقير انحسار فصول المواجهة بين الجماعة والسلطة في الأشهر القادمة، مؤكدا استمرارها في ظل عدم قبول الحركة التنازل عن مواقفها وأجندتها السياسية والإيديولوجية، وعدم قدرة السلطة على الاستجابة لمطالبها. ف«أمام تشدد الطرفين وتمسكهما بمواقفهما، وفي ظل عدم حدوث أي تغيير في قيادة الجماعة في الأفق القريب، سيبقى الصراع والشد والجذب بين الدولة والجماعة مستمرا بكل أشكاله»، يقول أستاذ العلوم السياسية في ختام تصريحاته للجريدة، مشيرا إلى أنه كلما عملت السلطة على التضييق على الجماعة ومجالات اشتغالها ستضطر هذه الأخيرة إلى البحث عن أشكال ومجالات أخرى للتحرك.