الانتقادات التي وجهها فان والسوم إلى المجتمع المدني الإسباني تنم عن فهمه لدور إسبانيا في الصراع، فما يحدد سياسة أي حكومة إسبانية تجاه الملف بشكل مهم جدا هو الضغوطات التي يمارسها المجتمع المدني ووسائل الإعلام بالدرجة الأولى إذا كانت قضية الصحراء ناتجة عن عقدة تحرص النخبة الجزائرية على إذكاء نيرانها، فإنها في إسبانيا تتجاوز قضية النخبة لتصبح مسألة الشارع والمجتمع المدني، أكثر منها في بعض الأحيان قضية تصفية أحزاب ونخب سياسية إسبانية لحساباتها مع الجار الجنوبي الذي طرد إسبانيا من الصحراء عندما كان فرانكو يلفظ أنفاسه الأخيرة. ولعل هذه الخلاصة هي التي توصل إليها المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي المكلف بقضية الصحراء، عندما نبه في حوار نشر على أعمدة صحيفة «إيل باييس» الإسبانية في نهاية الأسبوع الماضي إلى أن المجتمع المدني الإسباني له مسؤولية أخلاقية إزاء قضية الصحراء، بحكم أنه يخلق لدى البوليساريو آمالا غير حقيقية بشأن الصحراء، ودعا فان والسوم الإسبان الذين يهتمون بهذه القضية وبراحة الصحراويين أن يطرحوا السؤال على أنفسهم ما إذا كان سيخدم هؤلاء دعمهم من أجل الحصول على الاستقلال الكامل، مضيفا أن الواقعية السياسية موجودة بين أيدي المغرب. وتعد هذه ثاني خطوة من نوعها يقدم عليها فان ولسوم، بعد إشارته غير المسبوقة التي ضمنها تقريره حول الصحراء في منتصف أبريل الماضي، وقال صراحة إن استقلال الصحراء أمر غير واقعي، وهو ما أغضب جبهة البوليساريو التي دخلت مع الدبلوماسي الهولندي في حرب مفتوحة، إلى درجة أنها أعلنت موافقتها على إجراء جولة جديدة من المفاوضات مع المغرب بشرط عدم حضور فان والسوم إليها. والواقع أن فان والسوم فهم الدرس الذي ظل سابقه جيمس بيكر يقضي سبعة أعوام في تعلمه قبل أن يترك الملف وينشغل بإعادة جدولة ديون العراق، لذلك لم يرد تضييع الكثير من الوقت ووضع الأوراق كلها على الطاولة: لا استقلال كامل، والمجتمع المدني الإسباني لا يجب أن يستمر في خداع الصحراويين. وهذه الانتقادات التي وجهها فان والسوم إلى المجتمع المدني الإسباني تنم عن فهمه لدور إسبانيا في الصراع، فما يحدد سياسة أي حكومة إسبانية تجاه الملف بشكل مهم جدا هو الضغوطات التي يمارسها المجتمع المدني ووسائل الإعلام بالدرجة الأولى، فثباتيرو عبر عن دعمه لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء من أجل طي هذا الملف، لكنه فعل ذلك بشكل ملتو وغير واضح خوفا من لوبيات المجتمع المدني ووسائل الإعلام التي ستتحالف وقتها مع اليمين الإسباني لوضع رئيس الوزراء الإسباني في موقف لا يحسد عليه. ولمست «المساء» أن عددا من مسؤولي البلديات التي تدعم البوليساريو لا يعرفون أي شيء عن تاريخ النزاع أو مختلف وجهات النظر المطروحة، كل ما يعرفونه هو ضرورة دعم البوليساريو من أجل الانتقام من المغرب الذي طرد الإسبان من الصحراء عام 1975، ولا توجد أي بلدية في إسبانيا لا تقوم بتقديم الدعم المادي والسياسي لجبهة البوليساريو التي تمكنت طيلة سنوات طويلة من التغلغل في أوساط المجتمع المدني الإسباني ونسج علاقات قوية مع وسائل الإعلام، فالأمر تحول إلى أشبه بقضية كرامة بالنسبة إليهم. والحاصل أن فان ولسوم أول مبعوث أممي يتحلى بالشجاعة للإشارة لأول مرة إلى هذا الموضوع الحساس وهو لايزال في منصبه، عكس المبعوثين الخاصين والأمناء العامين السابقين للأمم المتحدة الذين كانوا ينتظرون تحررهم من مناصبهم من أجل إبداء وجهات نظرهم بشأن بعض جوانب الملف الذي بذلت فيه الأممالمتحدة جهدا أكبر بكثير مما يستحق بسبب التعنت والرغبة لدى بعض الجهات في إطالة صراع تستفيد منه. مشروع متعثر نفض ميغيل إنخيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا، الغبار عن مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا خلال لقاء عابر له مع نظيره المغربي الطيب الفاسي الفهري في طنجة أخيرا، بعدما كان المشروع أحد الموضوعات التي تباحث فيها الملك محمد السادس مع رئيس وزراء إسبانيا خلال اللقاء الذي جمعهما في وجدة في شهر يوليوز الماضي. مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا، هو أكبر مشروع يمكن أن يجمع بين ضفتي مضيق جبل طارق، بدأ بفكرة صغيرة كبرت مع مرور الأيام، لكن هذا المشروع عرف من التعثر والتأجيل ما لا يعد ولا يحصى، وتأثر بالأزمة التي عرفتها العلاقات المغربية-الإسبانية على هامش زيارة العاهل الإسباني وعقيلته لمدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، إذ تأجلت اللقاءات بين وزير النقل كريم غلاب ونظيرته الإسبانية ماغدلينا ألفاريس عدة مرات بسبب «الأجندة»، بعدما سبق أن أعلن لويس رودريغيث ثباتيرو في الرباط شهر مارس 2007 أن جميع الدراسات المتعلقة بهذا الملف جاهزة، وسافر الطرفان المغربي والإسباني إلى بروكسيل من أجل عقد لقاءات المسؤولين الأوربيين وإقناعهم بتمويل جزء من المشروع التاريخي الذي سيربط لأول مرة القارة الإفريقية بالأوروبية، وسيصل طوله إلى 40 كيلومترا منها 28 كيلومترا تحت البحر، وهو المشروع الذي تطلب إنجازه صرف مبالغ باهظة على الدراسات الجيولوجية التي أنجزت خلال السنوات الماضية، خصوصا أن الأمر يتعلق بمنطقة بحرية صعبة معروفة بكثرة التيارات البحرية. حشيش الوادي الكبير تهريب الحشيش لا ينتهي بمجرد وصول المهرب مع البضاعة سالما من المغرب إلى التراب الإسباني وإفلاته من المراقبة المفروضة على جميع الشواطئ الإسبانية، بل تبدأ مهمة أخرى تروم توزيعه في إسبانيا، وهو ما جعل المهربين يختارون الوادي الكبير الذي يخترق الجنوب الإسباني لاستمرار مغامرتهم التي يجنون منها الذهب، مما جعل الشرطة الإسبانية تلعب مع المهربين لعبة القط والفأر خصوصا في فصل الصيف، بملاحقة الزوارق السريعة المحملة بالحشيش المغربي. وبات المسؤولون الإسبان يطلقون على الوادي الكبير اسم الطريق السيار للمخدرات، بحكم أن مساره يبدو مثاليا ومساعدا تماما لعصابات الاتجار في المخدرات لاسيما الحشيش المغربي، وهو يمتد على طول 100 كيلومتر صالحة كلها للملاحة إلى حدود مدينة إشبيلية، وهي المسافة التي توجد بها عدة مخابئ طبيعية تساعد شبكات المخدرات في تخزين بضاعتها بسهولة، والواقع أن هذه الشبكات لم تنتبه إلى الإمكانيات التي يتيحها لها الوادي الكبير إلا قبل ثلاث سنوات، وباتت تستخدم زوارق سريعة يتركونها مهملة بعد استعمالها في بعض القرى الإسبانية المطلة على النهر مثل أيسلا مايور وليبريخا، كما أن الحرس المدني الإسباني اكتشف خلال حربه اليومية مع هذه العصابات أنها توظف شبكة من الجواسيس الذين يتلقون مبالغ سخية ويزودونها بكامل المعلومات عن تحركات الحرس المدني ونقاط تشديد المراقبة. وباتت الإمكانيات التي تتوفر عليها هذه الشبكات تفوق إمكانيات وزارة الداخلية الإسبانية التي لا يمكنها مواكبة تجار المخدرات الذين يطورون وسائل النقل وخططهم بسرعة كبيرة، ويصرفون جزءا من المال الذي يجنونه من تجارة المخدرات على هذه المسألة حتى يضمنوا استمرارهم خارج الزنازين، بل إن قوات الأمن باتت تشك في أن شبكات الهجرة السرية وشبكات الاتجار في المخدرات تعمل بتنسيق في ما بينها، حيث إنها تغرق الشواطئ الإسبانية بقوارب المهاجرين السريين عندما تريد تمرير كمية مهمة من المخدرات، وبالتالي تقلص من حظوظ إيقافها، بحكم أن الحرس المدني يعطي الأولوية لإيقاف زحف المهاجرين. عطلة للجميع ظن الكثيرون أن احتفال العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس في شهر يناير الماضي بعيد ميلاده السبعين يعني أن أخبار وعكاته الصحية ستملأ الصحف، لكن عكس ذلك هو ما حدث، حيث بدا أحد صناع الديمقراطية في إسبانيا في كامل صحته، وجذب الأنظار إليه طيلة الوقت وهو يقضي عطلته الصيفية في جزيرة مايوركا حيث استقبل فيها هوغو تشافيز، رئيس فنزويلا، لأول مرة منذ حادثة «لماذا لا تخرس»، فالملك الإسباني يختار دائما اللباس الذي يجعله يظهر بمظهر الشاب، مثلما أن ابتسامته العريضة لا تفارقه ولا يفوت فرصة الحضور لتشجيع منتخب بلاده سواء في كرة القدم أو التنس، بدون ربطة عنق، ويقول بضع كلمات للتلفزيون ولا يكترث بالصحافيين الذين يتلصصون على حياته الشخصية. أما خوسي ماريا أثنار، فقد شوهد هذا الصيف في ملاعب الكولف بماربيا، جنوبإسبانيا، حيث يقضي يومه هناك بعدما ودع السياسة وصار يحب أكثر إعطاء الدروس والمحاضرات في الجامعات الأمريكية، فكل منهما أدى دوره بطريقته الخاصة وانسحب.