"البام" يدعو إلى اجتماع الأغلبية لتباحث الإسراع في تنزيل خلاصات جلسة العمل حول مراجعة مدونة الأسرة    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    سوريا تشتعل من جديد.. قتلى وإصابات أثناء محاولة توقيف مسؤول عن جرائم "صيدنايا"    الصين: أعلى هيئة تشريعية بالبلاد تعقد دورتها السنوية في 5 مارس المقبل    الإعلام الروسي: المغرب شريك استراتيجي ومرشح قوي للانضمام لمجموعة بريكس    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    الرصاص يلعلع في سماء أصيلة ويكسر هدوء المدينة    كيوسك الخميس | مشاهير العالم يتدفقون على مراكش للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    توقعات أحوال الطقس لليوم الخميس    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    إسرائيل تقتل 5 صحافيين في غزة في قصف لسيارتهم التي تحمل رمز الصحافة    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    "الجديدي" ينتصر على الرجاء بثنائية    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    أخبار الساحة    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حذار من «جلبي ليبي»
نشر في المساء يوم 05 - 03 - 2011

يبدو أن الكابوس الذي تعيشه ليبيا حاليا سيطول أمده أكثر بكثير مما توقعه الكثيرون، بمن في ذلك الثوار الذين انتفضوا ضد النظام، أملا في تحقيق التغيير الديمقراطي المأمول، بأقل الخسائر وبأسرع وقت ممكن، فمن الواضح أن العقيد معمر القذافي وأنصاره مصرون على البقاء في السلطة، وبدؤوا يستعيدون بعض الثقة في أنفسهم ويهددون بحرب أهلية دموية، معتمدين على ترسانتهم المزدحمة بالأسلحة من كل الأشكال والألوان والأنواع وما تيسر من المرتزقة.
من اطلع على النص الحرفي للقاء الذي أجراه العقيد القذافي مع مجموعة من الصحافيين الأجانب في أحد مطاعم مدينة طرابلس قبل يومين، يجد أن الرجل بدا أكثر هدوءا، يختار كلماته بعناية، ويتجنب لغة الوعيد والتهديد والكلمات غير اللائقة التي استخدمها في خطابه الانفعالي السابق، ولكنه استخدم الاستراتيجية نفسها التي اتبعها ابنه سيف الإسلام، وهي مغازلة الغرب واستخدام ورقة «القاعدة» لتخويفه من أخطارها، وكأنه يقول للرئيس باراك أوباما إننا في خندق واحد ضد العدو نفسه.
من المستبعد أن يستجيب الغرب لهذا الغزل، فقد استخدم مع العقيد الليبي السيناريو نفسه الذي استخدمه مع الرئيس العراقي صدام حسين، مع بعض التعديلات الضرورية نتيجة لاختلاف الظروف واختلاف الشخصية، والدوافع أيضا.
أغرب ما قاله العقيد القذافي للصحافيين الأجانب هو شكواه من تخلي الغرب عنه وعدم تقديم أي نجدة له في مواجهة الثوار، ونسي أنه عضو جديد في نادي حلفاء أمريكا، بل عضو طارئ جرى قبوله على مضض، ولفترة اختبار قصيرة، فإذا كان التحالف الغربي قد تخلى مكرها عن حليف مطيع مثل الرئيس المصري حسني مبارك، فهل سيهرع لدعم العقيد القذافي؟
الأمريكان والبريطانيون استدرجوا العقيد الليبي إلى مصيدتهم المنصوبة بعناية، وعبر نافذة نجله سيف الإسلام وبعض المسؤولين الآخرين الذين اعتقدوا أن هذا الحلف الغربي ممكن أن يغفر للقذافي جميع ذنوبه إذا تجاوب مع مطالبهم.
استخدموا في البداية طعم «التطبيع» وإعادة تأهيل النظام الليبي تمهيدا لعودته إلى المجتمع الدولي مقابل تخليه عن أسلحة الدمار الشامل التي في حوزته، وتم لهم ذلك في عام 2003، لكي يقولوا إن حربهم في العراق بدأت تعطي ثمارها.
بعد تجريده من أسلحة الدمار الشامل، أغروه بوضع أرصدته في بنوك الولايات المتحدة وفتح الأراضي الليبية مجددا أمام شركات النفط البريطانية والأمريكية بصورة أقوى مما كانت عليه الحال في السابق.
الآن، تحشد الولايات المتحدة الأمريكية أساطيلها في البحر المتوسط استعدادا للتدخل العسكري، بينما يستعد وزراء حلف الناتو لعقد اجتماع في بروكسيل الأسبوع المقبل لبحث كيفية التعاطي مع الملف الليبي، سواء من خلال تشديد الحصار أو إقامة مناطق حظر جوي تحت عنوان حماية الثورة والثوار.
العقيد القذافي ارتكب أخطاء عديدة في مسيرة حكمه التي استمرت أكثر من أربعين عاما، من بينها تأييده لحاكمين يترنحان بفعل الثورات الشعبية في بلادهما، الأول الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والثاني محمد حسني مبارك. لكن الخطيئة الكبرى بل «أم الكبائر» التي ارتكبها تتلخص في كونه قدم كل التنازلات التي طلبها منه الغرب دون أن يقدم تنازلا واحدا لمطالب شعبه في الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة.
ولعل من الأمور الصادمة في أحاديث العقيد القذافي الأخيرة تكراره العبارة التي تقول إن شعبه يحبه ومستعد للموت من أجله. السؤال هو لماذا يحبه الشعب الليبي ولماذا هو مستعد للموت من أجله؟ ماذا قدم له على الأرض حتى يفعل ذلك.. هل قدم له الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية والقضاء العادل المستقل ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين؟
الزعيم الليبي جاء إلى ليبيا من قلب الصحراء وتركها صحراء جرداء من كل معاني الحضارة الحديثة، فجيرانه في مصر وتونس أقاموا مجتمعا مدنيا على الأقل، وأوجدوا المناخ لقيام طبقة وسطى، بينما هو أدخل إلى ليبيا ثقافة الخيمة وأعادها إلى عصور الظلام.
نحن لسنا ضد الخيمة وثقافة البادية، لأننا جئنا من صلبها، وكاتب هذه السطور ولد في خيمة وتربى على حليب الماعز، ولكن هذا لا يعني أن نقبل بالتخلف عن العصر وأدواته وعناصر نهضته وبناء نهضة تعليمية وتطبيق العلوم الإدارية المتطورة وإقامة دولة حديثة عمادها المؤسسات المنتخبة.
كنت أتمنى، شخصيا، أن يسأل جيرمي بوين، مراسل ال«بي بي سي»، الزعيم الليبي سؤالا محددا وهو: هل أنت يا معمر القذافي مستعد للموت من أجل شعبك الذي تقول إنه، أي الشعب الليبي، يحبك ومستعد للموت من أجلك؟
من المؤسف أن مندوب المحطة البريطانية وزملاءه الآخرين لم يطرحوا عليه هذا السؤال.
الغرب يستعد الآن للإقدام على حماقة كبرى في ليبيا، ونقصد هنا التدخل العسكري ضد النظام الليبي تحت ذريعة حماية شعبه، الأمر الذي سيقدم خدمة كبيرة للعقيد القذافي يتمناها ويصلي من أجلها، لأن مثل هذا التدخل سيجند نسبة كبيرة من الليبيين والشعب العربي ضد هذا التدخل الذي سيذكرنا جميعا بفضيحة التدخل العسكري في العراق ونتائجها الكارثية، وأقلها استشهاد مليون عراقي.
نقرأ في الصحف الغربية هذه الأيام تقارير مطولة عن امتلاك الزعيم الليبي عدة أطنان من غاز الخردل السام (سلاح كيماوي) يمكن أن يستخدمها لإبادة الثوار، الأمر الذي يعيد إلى أذهاننا تقارير مشابهة، وفي الصحف نفسها عن أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية.
الشعب الليبي يرفض التدخل العسكري الأجنبي، تماما مثلما فعل الشعبان المصري والتونسي اللذان خلعا رئيسيهما، ووجود الأساطيل الأمريكية في مياه البحر المتوسط قبالة السواحل الليبية هو دليل شؤم ومصدر خطر على الثورة الليبية الحالية، وأي ثورات عربية مستقبلية لإطاحة أنظمة ديكتاتورية قمعية فاسدة.
الغرب، ونقولها للمرة المليون، لا يريد ديمقراطية أو حياة كريمة للعرب، وإنما يريد نفطهم وأموالهم، ويسعى دائما إلى إضعافهم عسكريا حتى تظل إسرائيل قوية متجبرة وقوة احتلال عنصري. الغرب يريد من الأنظمة العربية أن تكون حارسة لمصالحه ومطيعة في خدمته وحريصة على حماية إسرائيل.
نقطة أخرى لا بد من الإشارة إليها في هذه العجالة، وهي أن الغرب يريد ما هو أهم من النفط الليبي، أي إغلاق الحدود الليبية على البحر المتوسط التي تمتد لحوالي 1800 كيلومتر في وجه الهجرة غير الشرعية القادمة من إفريقيا، ولذلك لا بد من التبصر جيدا في هذه المخططات وألا ننخدع بالكلام الغربي المعسول عن دعم الثورة الليبية الذي يرد على ألسنة الكثير من المسؤولين الأوربيين والأمريكان.
باختصار شديد، نحذر أبناء الشعب الليبي، وطلائعه المنتفضة على وجه الخصوص، من «جلبي» ليبي، ونتمنى عليهم اتباع النموذجين التونسي والمصري والتحلي بأعلى درجات الصبر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.