يستقبل قسم أمراض الكلى بمستشفى ابن رشد بالدار البيضاء يوميا حالات متعددة لمرضى الكلى، ويحمل كل مريض معه قصة معاناته مع مرض يأتي في المرتبة الثانية بعد السرطان من حيث حجم الميزانية التي يرصدها في التغطية الصحية لهذا المرض وعدد المراكز المنتشرة في مدن المملكة. بعد أن يضعها أمام قسم أمراض الكلى بمستشفى ابن رشد، يعود محمد إلى البيت ويترك والدته المقعدة زهرة في انتظار دورها لتصفية الدم. تتردد السيدة التي تجاوزت الخمسين سنة على القسم منذ خمس سنوات ثلاث مرات أسبوعيا بعد أن استفادت من تبرعات المحسنين الذين يتكفلون بنصف المرضى الوافدين على الجناح. كانت تتحدث بخفوت وهي تلتقط أنفاسا قصيرة زادتها قلقا بعد تأخر دورها. تشرح زهرة التي تقطن بحي الكبير حالتها الاجتماعية قائلة: «زوجي عاطل عن العمل ولا أستطيع تحمل نفقات العلاج وحدي. لولا المحسنين لكنت في عداد الموتى»، تتوقف لبرهة وتتابع: «ضغط الدم المرتفع هو الذي أصاب الكلى بالفشل، يبلغ ضغطي الآن 6 ومازلت أعاني صعوبات في النوم». بعد أن تم تشخيص طبيعة المرض قبل خمس سنوات، أدلى ابن زهرة بشهادة ضعف والدته التي أقعدها نقص الكالسيوم في العظام الأرض قبل سنة. تؤثث هذه السيدة يوميا فضاء قسم أمراض الكلى إلى جانب 100 حالة تتابع علاجها بالمستشفى، حيث تتوزع الحالات إلى المرضى الذين يعانون من القصور الكلوي المزمن، والذين نقوم بزرع الكلى لهم، إضافة إلى الذين يتم تشخيص حالاتهم يوميا. «حالات المرضى الذين يخضعون للاستشفاء في القسم هناك 400 حالة و25 ألف تصفية دم في السنة وهو أكبر عدد على الصعيد الإفريقي والعربي في مصلحة واحدة. نسجل 1000 حالة تصفية لقصور الكلى الحاد التي تحتاج إلى العلاج بنسبة 100 في المائة وتغادر المستشفى معافاة» يؤكد بنيونس الرمضاني، رئيس قسم أمراض الكلى بابن رشد. كل مريض يحمل معه قصة اجتماعية تختزل فصولها معاناته مع مرض لم تعترف وزارة الصحة بخطره في سنوات التسعينات. عبد الله هو أحد أقدم المرضى الذين يتابعون حصص علاج تصفية الدم بالمستشفى منذ 13 سنة. «لقد مرت السنين بسرعة ووحدها حالتي الصحية بقيت كما هي لم تتغير» يردد عبد الله بعينين شاردتين. ليس من السهل عليه أن ينسى موعد علاجه الذي حدده الطبيب وهو يوما الاثنين والخميس من كل أسبوع وضبط إيقاع حياته للأبد على هذين اليومين، «تدوم كل حصة 5 ساعات ويتم غرز حقنة في أعلى الساق، تؤلمني في البداية لكنني أستحمل ذلك لأن الألم سرعان ما يزول». يكشف عن ساعده الأيمن تغطيه ندوب عميقة هي آثار سنوات من العلاج المتواصل. يستطرد بنبرة لا تخلو من سخرية: «من كثرة الحصص التي تابعتها، أصبح غرز الحقنة في جلدي طقسا مألوفا لدي، المشكل أنهم اختاروا قبل سنتين أن يثبتوا الحقنة في ساقي اليسرى، يبدو الوضع مربكا لكنني متأكد من أنني سأتكيف مع هذا التغيير». «لا تختلف حالته الاجتماعية عن باقي الوافدين إلى القسم الذين يستفيد من هو في وضعية صعبة منهم من مجانية العلاج التي تشرف عليها الجمعيات النشيطة في هذا المجال. بعمل موسمي وبأسرة من ولدين، لا يخفي ابن درب حمان خوفه من المستقبل:»لا أعلم ما الذي سيحل بي لو توقف العلاج في أحد الأيام. كنت بصحة جيدة في شبابي وأمارس أنشطتي بشكل طبيعي، أما الآن فأحس بالعجز.. عندما أشاهد أبنائي يتوقف عقلي عن التفكير وأحس بالخيبة».. تنادي الممرضة على عبد الله، ويعتذر بأدب عن مواصلة الحديث. يسهر على علاج الحالات المختلفة خمسة أطباء جامعيين إلى جانب سبعة أطباء في طور التكوين يستقبلهم القسم سنويا، «يمكننا أن نقول إنه لدينا إمكانيات علاج أمراض الكلى في الوقت الراهن. كلما تطور الطب كلما ظهرت معدات طبية جديدة، وتتوفر أمراض الكلى على سجل خاص بها في المغرب إلى جانب أمراض السرطان من أجل التعرف على الأمراض التي تؤدي إلى الإصابة بقصور الكلى المزمن لتشخيص المرض مبكرا والحيلولة دون الإصابة به. بلغ عدد حالات تصفية الدم المزمن 7000 حالة، نصفها تتكفل بها جمعيات المحسنين « يوضح بنيونس الرمضاني. تبقى عملية زرع الكلية مرتفعة التكاليف تتجاوز في سنتها الأولى 250 ألف درهم تخضع لإجراءات قانونية، إذ يتم اختيار أقارب المريض بشكل دقيق، ويجري القسم ثلاث عمليات أسبوعيا، وتوقف خلال هذا الشهر نظرا لأعمال التهيئة والتوسيع التي يشهدها الجناح لكي تتسع لأربع عمليات دفعة واحدة، في حين حافظت باقي الأجنحة على نظام سيرها المعتاد. وتعرف أسعار الأدوية ارتفاعا انخفض بشكل ضعيف، خاصة بعد قرار وزارة الصحة حيث أكد مصدر صيدلي أن تكلفة مرض القصور الكلوي تبلغ شهريا ما بين 2500 و4500 درهم شهريا، وتمتص عملية الدياليز 25 في المائة من مصاريف عملية الزرع. داخل جناح الأطفال بالقسم، ترقد 12 حالة مزمنة تتابع حصص التصفية بانتظام. في أقصى قاعة المرضى، يرقد كريم، 9 سنوات، وهو يتابع بصمت الأنابيب المثبتة وهي تنقل دماءه طيلة أربع ساعات..»هذا حاله منذ يونيو الماضي. أحس ذات ليلة بنوبة مغص حادة وبدأ يتبول بشكل لا إرادي سائلا لونه أحمر، لننقله إلى المستشفى، وبعد إجراء التحاليل علمنا أنه يعاني من فشل كلوي حاد» تحكي والدته المنحدرة من بوسكورة. عقد الوسط القروي الذي تقطن فيه أسرة كريم من التنقلات إلى المستشفى، قبل أن تقرر الأم التكلف بتلك المهمة ثلاث مرات أسبوعيا، «والده فلاح ومشغول دائما. حياة ابني انقلبت رأسا على عقب بعد اكتشاف إصابته بالمرض واضطر إلى مغادرة الدراسة رغم أنه كان متفوقا» وتتابع وهي تغالب حشرجة في صدرها: «لم يعد يزوره أحد كما في الماضي، أصبح وحيدا وقليل الحركة بعد أن كان يتباهى بين أصدقائه بأنه عندما سيكبر سيكون طبيبا». أمراض الكلى والخيارات الصعبة تعمل الكلى على تنقية الدم من الفضلات والسوائل الزائدة عن حاجة الجسم ثم طرد هذه الفضلات من الجسم مع البول، عندما يحدث الفشل الكلوي تتوقف الكلى عن العمل مما ينتج عنه تجمع السوائل والفضلات في الدم. وبالرغم من أن الفشل الكلوي المزمن قد يبدو وكأنه ظهر فجأة إلا انه كان يحدث على مدار سنوات دون دراية المريض. تتكون الكلى من ملايين الفلاتر التي تسمى بالنفرونات ومفردها نفرون وفي حالة الفشل الكلوي تتوقف هذه النفرونات عن العمل وقد يحدث أن تموت بعض النفرونات وتتوقف عن العمل وتقوم نفرونات أخرى بتحمل العمل الزائد، إلا أنه مع استمرار التلف تخسر الكلى المزيد من النفرونات حتى تصل إلى مرحلة لا تستطيع معها تنقية الدم بالشكل الكافي مما يجعل المريض يشعر بالأعراض. قد تبدأ الأعراض في الظهور بعد بدء حدوث التلف بشهور إلا أن معظم الحالات لا تبدأ في المعاناة إلا بعد سنوات ويسمى ذلك بالطور الصامت للمرض. وبمجرد حدوث الفشل يكون لدى المريض خياران إما الغسيل الكلوي أو زراعة كلية ولكلا الخيارين مخاطر ومزايا. يمكث المريض بالمستشفى بعد عملية زراعة الكلية من أسبوع إلى أسبوعين، حيث يحتاج إلى الرعاية المكثفة، ويتم إعطاؤه المحاليل والأدوية المطلوبة، بصفة يومية حتى تستقر حالته، وخلال هذه الفترة يرجى من أهل المريض تخفيف الزيارة له، مع اتباع تعليمات الأطباء المعالجين وهيئة التمريض المسؤولة عن المريض حتى لا يتعرض للإصابة بالالتهابات والأمراض المعدية من الآخرين، وذلك بسبب تعاطيه أدوية تثبيط المناعة بصورة مكثفة، والتي تتسبب في إضعاف مقاومة الجسم لهذه الأمراض وقد يحتاج المريض إلى الإقامة بالمستشفى مدة أطول من ذلك حسب الحالة، وبعض المرضى تتطلب حالتهم أخذ عينة من الكلية المزروعة عند حدوث ضعف مؤقت بوظائف الكلية، حتى يتم التشخيص المبكر لحالات الرفض أو غيرها، وإعطاء العلاج المناسب. وعند خروج المريض من المستشفى يعطي تعليمات مفصلة عن الأدوية ونظام الغذاء ومواعيد المراجعة بالعيادة الخارجية، مع إعطائه الإجازة المرضية المقررة.