اختتمت مساء أول أمس، وضمن منتدى فعاليات منتدى أصيلة الفكرية، ندوة «إصلاح الأممالمتحدة ومستقبل دول التعاون جنوب-جنوب»، وقد شارك فيها لفيف من وزراء الخارجية السابقين ومن المسؤولين في العديد من المؤسسات الحكومية والمنظمات العربية والدولية. ووجهت الندوة في جلستها الختامية رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ضمنتها التوصيات المنبثقة عنها. قال محمد بن عيسى، الأمين العام لمنتدى أصيلة، في الجلسة الختامية لندوة إصلاح الأممالمتحدة: «إن اختيار موضوع إصلاح الأممالمتحدة في هذه الندوة المحورية التي احتضنها منتدى أصيلة الفكري يأتي في سياق مقاربة تجربة الأممالمتحدة، في الوقت الذي يتساءل فيه الكثيرون عن جدوى صرف كل هذا الملايين من الدولارات على الصناديق التابعة للأمم المتحدة دون فائدة تذكر، في الوقت الذي يزداد فيه الفقير فقرا والغني غنى؟ وأشار بن عيسى إلى أنه حين تأسست الأممالمتحدة في سنة 1948 كانت دول الجنوب غير دول الجنوب الآن، وكان أغلبها لايزال تحت الهيمنة الاستعمارية. وذهب إلى أن طرح موضوع إصلاح الأممالمتحدة في الوقت الحالي يأتي في سياق مختلف، حيث نشاهد سباقا سياسيا بين دول الجنوب حول من سيفوز بالمقعد الزائد في الأممالمتحدة، وهذا ما فجر المزيد من الانقسامات بين دول الجنوب نفسها. واعتبر بن عيسى أن الوكالات المتخصصة التابعة للأمم يعد لها دور، وأن التعاون جنوب-جنوب قائم اليوم بالحجة والدليل، وضرب مثلا بالدور الريادي الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال المشاريع التنموية التي تمولها في العديد من مناطق دول الجنوب، ومنها مدينة أصيلة، والأمر نفسه ينطبق على المملكة العربية السعودية وقطر والكويت، وقال إن توجه دول الخليج نحو دول الجنوب يؤكد على أن العلاقات الاقتصادية بين دول الجنوب يمكن أن تكون جوابا على مشاريع التنمية في هذه البلدان دون انتظار مبادرات دول الشمال، وأكد أن هناك أموالا كثيرة اليوم في دول الجنوب، ولم تعد هذه الدول فقيرة كما كان الأمر في منتصف الخمسينات، مشيرا إلى أنه على الأممالمتحدة أن تفكر جديا في استثمار الموارد المالية لدول الجنوب، معتبرا أن الطريق التنموي الصحيح أمام هذه البلدان هو التحرر من عقدة المشاريع الكبيرة، والتوجه نحو المشاريع الصغيرة في المدن الصغيرة والقرى، للحد من الهجرة ومن الظواهر السلبية التي تنتج عن اكتظاظ السكان في المدن الكبيرة. وتلي في نهاية الجلسة الختامية مشروع الرسالة التي سيرفعها الأمين العام لمنتدى أصيلة باسم المشاركين في ندوة «إصلاح الأممالمتحدة» إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والتي تتضمن اقتراحات إلى الأمين العام بناء على رغبة منه، بعد الرسالة التي وجهها هو إلى المنتدى طالبا رزمة اقتراحات منبثقة عن أعمال الندوة. وشددت الرسالة الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة على أهمية إصلاح هذا المنتظم الدولي على ضوء التغيرات الجارية في العالم اليوم، وبالنظر إلى الدور الهام الذي تلعبه الأممالمتحدة في تضامن المجتمع الدولي وإنجاح التعاون جنوب-جنوب. وركزت الرسالة على أهمية إعادة النظر في الإطار المرجعي لمجلس الأمن ونشاطات الأممالمتحدة، ودور الوكالات المتخصصة في التنمية والتي تعمل على تنفيذ المشاريع الإنمائية في دول الجنوب، وأضافت الرسالة أنه لا يمكن تعزيز السلام إلا عن طريق التربية والتعليم، كما ينبغي تعزيز دور قوات حفظ السلام واستنباط الأساليب الوقائية والرفع من قيمة المنح والمساعدات الإنمائية. وكانت سميرة حنا الظاهر من لبنان قد انتقدت في الجلسة الختامية منظمة اليونسكو التي تنتمي إليها، وقالت إن الدور الذي يقوم به محمد بن عيسى أهم بكثير من الدور الذي تقوم به مؤسسة دولية مثل اليونسكو، وأكثر فاعلية مما فعلته هذه المنظمة مجتمعة. وركزت في مداخلتها على أن عملية السلام قد بلغت نفقتها 5 بلايين دولار، منذ تأسيس الأممالمتحدة إلى الآن، وهو رقم كبير كان ينبغي أن يصرف على العمليات الوقائية لأنها تكلفتها أرخص. من جهة أخرى، أشار الباحث المغربي يوسف العمراني، مدير الشؤون الخارجية في وزارة الخارجية المغربية، إلى أن هناك تشابكا بين المصالح الجيوسياسية والاقتصادية، مما يدعم فكرة اعتماد استراتيجية موحدة، فهناك اليوم في العالم تحديات أمنية وصحية وتحديات أخرى منها تحديات الهجرة وتحقيق الإصلاح الوطني، وقال إن الانتماء إلى دول الجنوب ليس من باب الحتمية، وإن الأولوية الآن تتجه إلى خلق الثروة والتنمية الاقتصادية وليس إلى إصلاح الأممالمتحدة، كما أن الأطر الجديدة اليوم على المستوى الدولي تبعث على التفكير في تحالفات أخرى اقتصادية، ومن بينها ما هو جار الآن في الفضاء المتوسطي. وعبر موسى أوكالا، وزير خارجية بنين، عن أن التعاون جنوب-جنوب قد شهد تطورا مهما في السنوات الأخيرة، وقال إن أهم سبيل لإصلاح الأممالمتحدة يتمثل في إنشاء منظمات تنموية خاصة بدول الجنوب. لكن الأمين كابا باجو من غامبيا رأى أن الأولوية اليوم هي لتسوية النزاعات في القارة الإفريقية وتكثيف التنسيق الاقتصادي. الباحث المغربي خالد الشكراوي رصد المشاريع التنموية المجهضة في القارة الإفريقية، بينما تحدثت ماريا فيرنانديز من البيرو عن أن الاندماج الاقتصادي بين دول الجنوب ينبغي أن يذهب أبعد من المعاملات الجمركية إلى اندماج كلي لا إلى تأسيس المزيد من الوكالات، وقالت إنه لا بد من التركيز على التنمية في دول الجنوب. واعتبرت كلير سبنسر، رئيسة برنامج الشرق الأوسط التابع للمعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، أن الحل يكمن اليوم في تجاوز أنماط مقولبة للتنمية بخلق مؤسسات جديدة ومبتكرة.