عندما اندلعت الثورة في تونس، سقط قناع الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون، وسقط قناع حارس الثورة الفرنسية بقصر الإليزيه، ساركوزي، واختبأت الولاياتالمتحدةالأمريكية وراء تصريحات الرئيس أوباما الذي استعار منه التونسيون شعار حملته الانتخابية للجلوس على كرسي الرئاسة بالبيت الأبيض خلفا للرئيس جورج بوش. الموقف الأممي والأمريكي والفرنسي حيال الثورة الشعبية في تونس، عرى حقيقة أقطاب النظام العالمي الجديد، وكشف بالملموس زيف شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان ومنطق الكيل بمكيالين في التعامل مع حراك الشعوب. عندما اغتيل الشهيد رفيق الحريري، أقامت الآلتان الإعلامية والدبلوماسية الغربيتان الدنيا ولم تقعدانها، وجيشتا كل ما تملكانه من وسائل لصب الزيت على النار وإثارة النعرات الطائفية لتجزئة البلد وتقسيمه وتوريط نظام بشار الأسد ومعه المقاومة المسلحة ل»حزب الله» في جريمة الاغتيال، فكان من نتائج ذلك أن تم تدويل الجريمة بقرار لمجلس الأمن الذي كيفها على أنها جريمة اغتيال سياسي تتطلب تحقيقا دوليا لتحديد المسؤوليات ومحاكمة الفاعل. بعد خروج سوريا من لبنان، وهي التي دخلته بموجب اتفاق الطائف عقب الحرب الأهلية اللبنانية التي أتت على الأخضر واليابس، اعتقد الأمريكيون أن الساحة اللبنانية أصبحت تسمح بإمكانية عرقنة البلاد على غرار ما حصل في العراق بعد إسقاط نظام البعث عندما استطاع الحاكم بول بريمر، من خلال دستور طائفي قائم على المحاصصة، إشعال لهيب الفتنة بين الطوائف العراقية وخلق الفوضى الأمنية بعد حل مؤسسة الجيش واجتثاث حزب البعث. لكن سياسة البيت الأبيض خابت، وخابت معها مساعي سفيرها في بروت فيلتمن الذي حرض على الفتنة والاقتتال الداخلي طيلة مدة وجوده في بلاد الأرز، خدمة لمصالح إسرائيل في المنطقة وسعيا نحو شرق أوسط جديد خالٍ من سلاح «حزب الله» ونظام بشار الأسد وفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة بالداخل والخارج. حرب تموز 2006 كانت، بالفعل، مرحلة مفصلية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لم تستطع الأنظمة العربية قراءة نتائجها بشكل جيد، بل راهنت على شوط جيد ولم تفقد الأمل في قدرة أمريكا وإسرائيل على تغيير المعادلة في المنطقة على الأرض. نظام الرئيس حسني مبارك، الذي طالما عشق أن يتم تصنيفه في محور الاعتدال إلى جانب كل من الأردن والسعودية، يحصد اليوم ما زرعه. الرئيس مبارك حكم البلاد لمدة 30 سنة على أنقاض نظام السادات البائد ومن داخل نفس البنية، ومع ذلك لم ينتبه إلى أن عملية اغتيال السادات كانت تستدعي وقفة تأمل لمراجعة مسار النظام في مصر، من نظام عسكري يحظى بشرعية الشعب على عهد جمال عبد الناصر، إلى نظام عسكري يحظى بثقة أمريكا وإسرائيل، دون استحضار إرادة الشعب في التغيير. عندما اغتيل السادات، فهم العرب أن الموت بيولوجي، لكن الحقيقة أن منفذي الاغتيال كان مسعاهم الأول والأخير قتل اتفاق السلام المزعوم «كامب ديفيد». مبارك، مثله في ذلك مثل النظام العربي الرسمي، لم يغير من الأمر شيئا، بل أضاف إلى اتفاق السلام المزعوم، قانونَ الطوارئ والأحكام العرفية، وفضل أن يحكم الشعب بجهاز بوليسي ضخم وصل إلى مليونين من رجال الأمن، بل إن الأمر مع نظام مبارك وصل إلى حد التطاول على سيادة بلدان عربية أخرى وحشر أنفه في قضاياها الداخلية، إرضاء لعرابيه، كما حصل في لبنان عندما اصطف السفير المصري ضد قوى 8 آذار في لحظة حرجة من تاريخ هذا البلد، علما بأن الشعب في مصر كان يهتف بنصرة المقاومة ويستنكر المشاريع التقسيمية والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. اليوم النظام الآيل للسقوط يلعب أوراقه الأخيرة، في مسعى منه إلى إعادة التحكم في الوضع، لكن المؤشرات كلها تدل على أن مبارك سينتهي به الأمر نهاية غير سعيدة. أعمال البلطجة والعصابات والمافيا التي يشرف عليها جهاز المخابرات المصري في حق الشعب الثائر على أوضاعه بسلم وهدوء ومسؤولية، نتائجها ستكون كارثية، وامتدادها سيصل إلى عواصم الغرب التي تنهج مع نظام مبارك دبلوماسية ناعمة لربح الوقت وتمكين النظام من السيطرة على الوضع. ما يقع اليوم في ساحة الحرية وسط القاهرة جرائمُ في حق الإنسانية يمارسها النظام الآيل للسقوط أمام أنظار العالم، بوسائل لا تناسب الوسائل المستعملة في احتجاج الشارع المصري المسالم. ومع ذلك، لا الأممالمتحدة تحركت تحركا فعليا من خلال مجلس الأمن، ولا هي هددت باستعمال الفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة، ولا هي لجأت إلى الوسائل الضاغطة لإجبار الرئيس مبارك على احترام حقوق الإنسان من أي انتهاك. يمكن للبعض أن يرد بمنطق الفقرة الثانية من المادة 2 التي تمنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكن الممارسة الأممية والقانون الإنساني الدولي يسمحان بإمكانية التدخل لحماية أرواح المدنيين الآمنين من بطش الاستبداد. إن أهم ورقة استعملت في الإطاحة بنظام صدام حسين بالعراق، مع وجود الفارق طبعا، هي ورقة حقوق الإنسان والديمقراطية. لماذا لا يحرك الغرب، ولاسيما أمريكا، رائدة العالم الحر، ورقة الديمقراطية وحقوق الإنسان ضد نظامٍ زور الانتخابات طيلة مدة حكمه للبلاد، وحكم الشعب بمنطق بسماركي قائم على قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وقتل أكثر من مائة مدني مسالم خلال أسبوع واحد؟ هل الدم المصري أقل من دم الأكراد والشيعة في العراق؟ هل دم مائة قتيل لا يستدعي محكمة خاصة مثل تلك التي تبحث جريمة اغتيال رفيق الحريري أو تلك التي حاكمت صدام على أحداث الدجيل؟