سلام قولا من رب رحيم... إبكوا فرحا بعد أن بكيتم طويلا حزنا، والحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور رحيم. إنه يوم المرحمة وليس يوم الغضب، كما أنه يوم الحب وليس المقصلة الفرنسية، فاغفروا يُغفر لكم، كما قال المسيح. إنه يوم بناء الحب والسلام بدون دماء وكراهيات.. حافظوا على السلام في التجمع والتظاهر ولو ضربوكم وقتلوكم، فقد فعلوا هذا بالأنبياء من قبل، فهذا هو اليقين. ولقد كذبت رسل من قبلكم فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرهم ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءكم من نبأ المرسلين. إن العالم كله يختلج ويهتز ويتمخض ويولد، فالحمد لله رب العالمين، وقُطع دابر الذين ظلموا وولى السحر وتنفس الفجر والشجر.. لقد جاء الربيع وأشرقت شمس آتون.. لقد جاء الربيع محملا بنسمات منعشات، ولنردد قول الأنبياء والسلاميين في العالم: عندي حلم (I have a DREAM) بأن يكون جميع الناس أبناء الله، كما قال الأسود مارتن كينغ لوثر يوما.. كم هو جميل أن تري سوريا العالم الوجه الجميل في التغيير.. سامحوا واغفروا ولا تنتقموا، فالتاريخ لا يقف عند الأشخاص بل هو ماض في طريقه، وكلنا في النهاية فانون، فلنعمر قلوبنا بالحب والمغفرة كي يغفر الله لنا، كما قال المسيح في موعظة الجيل.. طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون.. هل يمكن لسوريا أن تقلد جنوب إفريقيا فتنشئ لجان المصالحة والتأهيل فتولد ولادة جديدة بدون دماء؟.. إن الموت قادم كحقيقة كونية أنطولوجية مثل قدوم الربيع وازهرار الشجر، وبزوغ الشمس ودورة القمر. لقد بزغت شمس آتون وآمون من مصر، فلنعبد هذا الرب الذي كحَّل أعيننا بعد يأس مقيم بولادة إرادة الجماهير محررة من القوة والعنف. هناك جدلية بين العنف والقوة، فمن امتلأ قلبه بالحب والسلام لم يعد يخاف شرطة الطغام. ولذا، فالرسالة للجماهير أن تتحرك فتقول سلاما سلاما محملة بكلمة السلام، فلا تضرب ولا تهرب ولا تخرب ولا تكسر ولا تحرق ولا تحقد، وأي رجل أمن وبوليس يعترض سبيلهم أن يهدوه الكلمة الطيبة مع وردة وقبلة. هل يمكن للشعب السوري الجميل التظيف الحضاري الذي يعرف كيف يأكل ويعيش ويدبر أموره ابن أعتق مدينتين على وجه الأرض، دمشق وحلب التي عمرت بالبشر منذ خمسة آلاف سنة. هل يمكن أن تولد على أرضه ثورة مثل ثورات أوكرانيا وصربيا وتونس ومصر، وليست مثل إيران بدم ثمانين ألف إنسان وجرح خمسمائة ألف من الأنام. لقد خسرنا في أحداث العنف السابقة عشرات الآلاف من خيرة الشباب، فهل يمكن لكل الأطراف أن يعملوا بحكمة الشيخ جودت سعيد السوري، غاندي العرب الحديث، الذي كتب منذ عام 1964م كتابه الشهير «مذهب ابن آدم الأول»، والذي حققته الجموع المصرية في فبراير 2011 قي ساحة التحرير؟ فرأى بعينيه ما بشر به قبل أربعين عاما ويزيد.. كان جودت سعيد يكرر على لسان المسيح: كثير من الأنبياء والبررة اشتهوا أن يروا ما ترونه ويسمعوا ما تسمعونه، فلم يروا ولم يسمعوا، ونحن نرى ما اشتهاه الأنبياء والبررة من دحر الطغيان بالأذرع العارية، وهي أقوى من أقوى سلاح لو كانوا يعلمون؟.. فليفرح الشيخ بما يراه ويسمعه، فلم تذهب كلماته سدى ولا أفكاره عبثا بعد أن بلغ الثمانين عتيا، وقد وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا.. إن ما تحقق في أرض الكنانة أعاد تجربة غاندي إلى حد كبير، فلم تسفك الدماء كما فعلت حركة الخميني في وجه الشاه، فقتل قريبا من مائة ألف، وها نحن نرى ثورة الياسمين والريحان في أرض هانيبال بكلفة أقل من مائة قتيل أو لتكن مائتين لأرحام تنجب في ساعة أكثر من هذا العدد ويقتل في حوادث الطرق في بلد كبير مثل هذا العدد. إنها الطريقة المحمدية المجدية المباركة في التغيير، فهل يعقل العرب ويستوعبون الدرس، فيخرجون إلى الشوارع بالحركة السلمية اللاعنفية، فقد بزغت شمس آتون ومعها ريح الحقل الأخضر مشبعا بنسمات مارس. إن ما حدث في مصر هو في طريقه إلى كل زوايا العالم العربي، يزيد وينقص، فمن يغفل وينسى قوانين التاريخ فإن سنن الله لا تغفل ولا تنسى. ولقد أحسن علي عبد الله صالح اليمني بإعلانه الحكيم أن لا تمديد للرئاسة ولا توريث، لأن عصر الشعوب أقبل وعصر العقل تفتح ووقت الإنسانية والسلام تجلى، وعلى القيادات العربية جميعها أن تستوعب الدرس فتغير نفسها قبل أن يغيرها التاريخ، والحكيم من اتعظ بغيره والشقي من شقي بنفسه كما شقي بن شقي، فهرب من جنات وعيون عند قرطاح وأرض هانيبال وكنوز ومقام كريم ونعمة كان فيها من الفاكهين وأورثها من بعده قوما آخرين أفضل منه، فما بكت عليه السماء والأرض وما كان من المنظرين.. وهو مصير يتربص بالكثيرين من بعده من الأشقياء العيارين العرب. إن القذافي بكى على بن علي بمعلقة وملعقة للدموع كما فعل نيرون يوما، ولكنه بهت حين رأى الزلزال يطوقه عن اليمين والشمال عزين. إنه في الحكم أربعين سنة ويزيد وفرخ عائلة مريعة نشرت مجلة «الشبيجل» الألمانية صورة أحد فراخه في أوربا وحوله درزن من العاهرات، عفوا على التعبير. وبعد أن اشترى بيتا بالملايين من اليورو، زهد فيه لأنه غير متسع كفاية، تقول المجلة عنه وعن أبنائه من سيوف الباطل، إنها عائلة غير معقولة. كنت أتمنى تعليقه الجديد على المبارك بدون بركة، وهل يقذف الشعب الليبي القذافي إلى مزبلة التاريخ عفوا؟ نريد سلاما سلاما ونهاية سلامية بدون دماء، ولكنه حكم التاريخ. في هذا المخاض الهائل في العالم العربي، يظهر دور المثقف المزور الذي يجمل وجه الطاغية بمساحيق التجميل كي يظهر مثل مارلين مونرو وبرجيت باردو وصوفيا لورين. ولكن نفس هؤلاء الممثلات عجزن وكبرن وقبحن، والبقاء لله الواحد القهار. فهل يمكن للقيادة السورية أن تكتب التاريخ وتفسح الطريق للحرية والديمقراطية وحرية التعبير والاجتماع والتعددية الفعلية وليس أحزاب الديكور وحرية الصحافة وحل جيوش المخابرات وتنظيف الحبوس وإنهاء عصر الفلق فنقول أعوذ برب الفالق والفلق من الشرور الأربعة: الغاسق والمخابرات والمؤامرات والحسد.. أعرف الوضع في سوريا جيدا، وهناك مشكلة طائفية يجب أن نعترف بها ولا ننكرها، فهي مسألة عويصة وهي ورطة لكل الأطراف، ولقد حرص من يريد الجلوس على الحكم تجنيد هذه المسألة، ولكن الطائفة العلوية ليست كل من استفاد ويستفيد، وأعرف أنا شخصيا أناسا نظيفين منهم، وعندي أصدقاء منهم، ولذا فالمراهنة على هذه الورقة من أي طرف عفن وتخلف ونكس ونكص، فالوطن فيه متسع للجميع وليؤمن كل بما يريده، يعبد الشيطان أو الرحمن. ولذا فعلى قوى التغيير أن تقول سلاما سلاما وليتعانق الجميع في صالة الرحمن إخوانا.. هاجرت إلى كندا بعد أن نفضت يدي من سوريا وشعرت بأن قبري هناك ودفنت فيها أعز إنسان، زوجتي ليلى سعيد داعية السلام التي كانت تتمنى أن ترى ما نراه، بعد أن شعرنا بأن الوطن لم يعد وطنا، بل سجنا كبيرا يضم مواطنا مسكينا ويتيما وأسيرا. أشعر الآن، مع نسمات الربيع في الجولان وتفتح شقائق الأرجوان، بأن الأمل عاد وأتفاءل بأن أكون هناك في بيتي في الجولان بدون مخبر سري وتقرير سري وحبوس وفلق، وقل أعوذ رب الفلق من شر ما خلق. أهمية ما حصل في مصر أن أثره لن يكون في مصر، وأن ما حدث سوف يفتح الطريق للديمقراطية في كل العالم العربي، فتختفي عكازة البشير من أرض السودان ودارفور، والنظارات المعتمة والنظرات القاتمة من وجه ليبيا، بكذبة كبيرة من جماهيرية أصغر من الصغرى، وزعم حكم اللجان الشعبية وهي في مجموعها مخابرات في مخابرات.. ليس هذا فقط، فلسوف يلتهم هذا التسونامي، وفي فترة خرافية، الجملوكيات (الجمهوريات الملكيات) كدفعة أولى ثم سوف يشق الطريق إلى الملكيات الدستورية في بقية زوايا العالم العربي. يتبع...