ما زالت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعيش على وقع المفاجأة التي أحدثها كتاب صدر هذه السنة يحمل عنوان «حقيقة ما حدث... داخل البيت الأبيض في عهد بوش وثقافة الخداع في واشنطن». وليس مؤلف الكتاب سوى أحد رجال بوش السابقين، بل الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض لمدة قاربت الثلاث سنوات، إنه سكوت ماكليلان الذي يكشف في كتابه هذا « كيف ضلل جورج بوش العالم وزور تقارير مخابراتية لكي يغزو العراق». كانت الأشهر الستة الأولى التي تلت استلام بوش منصبه كرئيس يوم 20 يناير 2001 مصيرية في التعريف بالرئيس الجديد وإدارته. كان بوش ومستشاروه على وعي بأهمية إحراز بعض الانتصارات المبكرة، خاصة في مجالات تخفيض الضرائب وإصلاح التعليم، كما أنهم كانوا أيضا يريدون أن يرسموا للرئيس الجديد صورة الزعيم القوي الذي بإمكانه أن يوحد الشعب الأمريكي والذي يملك الموهبة اللازمة في مجال السياسات الخارجية. في الوقت نفسه، كان الشعب يولي أهمية كبيرة لمعرفة التوجه الذي ستعتنقه الرئاسة الجديدة، لقد كان الأمريكيون تواقين إلى العودة إلى التوازن في الخطاب السياسي، كانوا واعين بالمغالاة في الدعايات الحزبية والانغماس في الانتماء الحزبي الذي وقعت فيه الإدارة الأمريكية خلال العقد السابق، كانوا يريدون أن يتجاوزوا عهد فضائح كلينتون الشخصية وتعبوا من فترة الانتخابات المطولة التي عرفها عام 2000، وكانوا يريدون أن يعرفوا ما إذا كانت إدارة بوش ستعمل في إطار التعاون بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي متجاوزة ذاتيتها وانتماءها الحزبي. خلال الحملة الانتخابية، دعا بوش إلى وضع حد لما أسماه «سياسة الغضب» وإلى «بداية جديدة بعد فترة من التراجع»، وقال إنه «في سياسة واشنطن لن يكون هناك رابح أو خاسر». لم يكن أي واحد في البيت الأبيض، بمن فيهم أنا، ساذجا لكي يعتقد أنه من السهولة بمكان تغيير صورة الإدارة الأمريكية كإدارة تنحاز إلى الحزب الذي تنتمي إليه، لكنني كنت أومن بأن بوش عازم على بذل مجهود مكثف ومتواصل لتغيير تلك الصورة التي زادت في ترسيخها وسائل الإعلام. لسوء الحظ، لم تجر الأمور على هذا النحو، لكن عندما أفكر في الأسباب الداخلية التي وقفت وراء الأداء الذي أظهرته الإدارة الأمريكية في الأشهر الأولى، أفهم جيدا العوامل التي جعلت إدارة بوش تصل إلى ما وصلت إليه لاحقا. كانت الأسابيع الأولى عبارة عن سلسلة من الأنشطة المتراكمة، كان كل شيء يحدث دفعة واحدة. كنت قد انتقلت إلى شقتي الصغيرة وسط واشنطن في نهاية أسبوع الأولى بعد الانتخابات، الإلحاح على انتقالي في أسرع وقت إلى العمل في البيت الأبيض، كالسكرتير المنتدب الرئيسي المكلف بالصحافة، حرمني من الاستمتاع باحتفالات الفوز، حيث انتقلت إلى مكتبي في الجناح الغربي من البيت الأبيض يوم الأحد. كان يوم الإثنين أول يوم عمل لنا في البيت الأبيض، استيقظت على الساعة الخامسة صباحا، قرأت جريدتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست»، وهما أكثر جريدتين تحددان توجه وسائل الإعلام الوطنية وترسمان خط تحريرها. وصلت إلى البيت الأبيض على الساعة السابعة، كانت هناك بعض الاجتماعات الصباحية، الأولى لمناقشة بعض القضايا الصحافية وأيضا الاستراتيجية التي على المكلف بالتواصل مع الصحافة أن يتبناها في اجتماعه الصباحي وأيضا في تصريحاته المسائية للصحافة، وهما اللقاءان اللذان أصبحا أهم موعدين مهنيين يوميين في دوري الجديد داخل البيت الأبيض، هذه الدورة التي سرعان ما أصبحت أمرا روتينيا، لكن غير هين أبدا. في ذلك الإثنين، كانت العراق تتصدر اهتمامات الصحف دوليا، النيويورك تايمز، معتمدة على تقرير مخابراتي أمريكي، كتبت في صفحتها الأولى أن «العراق تعيد بناء مصانع شككت الولاياتالمتحدةالأمريكية في السابق في كونها تستخدم لإنتاج مواد كيماوية وأسلحة بيولوجية، وذلك حسب مسؤولين حكوميين كبار». واعتبرت الجريدة ذلك «اختبارا مبكرا لادعاء بوش أنه سيتخذ» إجراءات صارمة ضد صدام حسين»، أكثر صرامة من تلك التي كان يتبناها سابقه في البيت الأبيض. واستمرت العراق تستقطب أكبر اهتمام لدى الإدارة الأمريكية وأيضا لدى وسائل الإعلام على مدى الشهور التالية. وجعل مجلس الأمن القومي من قضية العراق أولى أولوياته في تخطيطه السياسي. في ذلك اليوم الأول، وحيث إنه لم تكن لدينا خطة عمل جاهزة تماما، قلنا للوسائل الإعلام في اللقاء اليومي إن الرئيس بوش ينتظر من صدام حسين أن يفي باتفاقه مع الأممالمتحدة الذي يقضي بألا ينتج نظامه أي أسلحة دمار شامل. في اليوم ذاته، أصدر الرئيس مذكرة وجهها إلى مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية «يو إس إيد»، يعطي فيها تعليمات بأن تتم إعادة تفعيل ما يسمى بسياسة ميكسيكو سيتي. وكان رونالد ريغان قد وضع هذه السياسة التي تقول إنه لا يمكن لأي منظمة غير حكومية تتلقى مساعدات مالية من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أن تقوم أو تشجع على اللجوء إلى الإجهاض كوسيلة لتنظيم الأسرة، وألا يلجأ إليه إلا في حالة الاغتصاب أو الحمل عن طريق زنا المحارم أو في حالة كان الحمل يشكل خطرا على حياة الأم. وكان ذلك إشارة أولى إلى أن الرئيس هو رئيس محافظ جدا في المجال الاجتماعي وإلى أن إدارته مستعدة لمساندة مثل هذه القضايا. وكما كان مخططا لذلك، ركز الرئيس في الأسبوع الأول على إصلاح التعليم، فبدأنا العمل يوم الثلاثاء وسطرنا العناصر الأساسية في تلك المبادرة، بما فيها لفت انتباه الولايات إلى ضرورة تطوير الأنظمة التعليمية الخاصة بكل منها والمتعلقة باختبارات نهاية السنة الدراسية التي يكون الهدف منها تقييم تطور مستوى الطلبة، وإلى ضرورة الزيادة في مرونة إنفاق الأموال الفيدرالية في هذا المجال، وتقديم دعم أكبر إلى المدارس ذات الدخل المنخفض.