تشير الأرقام والمؤشرات إلى أن تربية الأحياء المائية واصلت خلال السنوات الأخيرة نموها المطرد بإيقاع أكبر من أي قطاع لإنتاج المواد الغذائية ذات الأصل الحيواني، حيث انتقل معدل الإنتاج حسب الفرد في العالم من 0.7 كيلوغرام سنة 1970 إلى 7.8 كيلغرامات في 2006، وهو ما يعني نموا سنويا مقداره 6.9 في المائة، أي أعلى من معدل التزايد السكاني العالمي. ويتوقع الخبراء أن يضاهي الإنتاج المحصل عليه من تربية الأسماك، سواء في المناطق القارية أو في عرض البحر، إنتاج صيد السمك بالطريقة الكلاسيكية فيما يخص المادة الخام الموجهة للاستهلاك. وقد انتقل إنتاج قطاع تربية الأسماك في العالم من أقل من مليون طن في بداية خمسينيات القرن الماضي إلى 51.7 مليون طن في العام 2006 بقيمة إجمالية تجاوزت 78.8 مليار دولار، وتهيمن منطقتا آسيا والمحيط الهادئ على الإنتاج العالمي بحصة 89 في المائة و77 في المائة على التوالي من حيث القيمة، ويعزى هذا الأمر إلى الإنتاج الضخم الذي تؤمنه الصين، التي تسيطر على هذا القطاع بنسب كبيرة، حيث تستحوذ على 77 في المائة من إنتاج العالم من سمك الشبوط و82 في المائة من المحار. وبعد الصين التي أنتجت 34.42 مليون طنا سنة 2006 حسب إحصائيات المنظمة العالمية للتغذية (الفاو)، فإن ثاني أكبر الدول المنتجة في قطاع تربية الأسماك هي الهند ب 3.12 ملايين طن، ثم الفيتنام ب 1.65 مليون درهم، وضمن قائمة العشر الكبار نجد أيضا تايلاند وأندونيسيا وبانغلادش والشيلي واليابان والنرويج والفيليبين، وتعد دولة النرويج والشيلي أكبر منتجي السلمون المربى، حيث تصل حصتهما من الإنتاج العالمي إلى 33 في المائة و31 في المائة على التوالي، وفي العام 2006 كان إنتاج النباتات البحرية في المزارع يناهز 15.1 مليون طن، وتشهد تربية هذه النباتات نموا سنويا عاليا يقدر ب8 في المائة منذ سنة 1970. والملاحظ أن إنتاج مزارع الأسماك عرف نوعا من التباطؤ الناجم عن التخوفات المرتبطة بطبيعة الممارسات السائدة في التربية والتساؤلات حول جودة السمك المربى مقارنة بالسمك المصطاد بشكل طبيعي، ولهذا أصبح التوجه العالمي فيما يخص مشاريع تربية الأسماك والأحياء المائية بصفة عامة هو التشدد في دراسة الآثار على البيئة قبل الترخيص بإقامة هذه المشاريع، سواء داخل المناطق القارية أو في عرض البحر. كما أفرزت التجربة الدولية في عدة دول أنه يقع نوعا من التضارب في المصالح واستغلال الملك البحري بين مشاريع تربية الأحياء المائية ومشاريع السياحة ومشاريع توسعة الموانئ وغيرها من الأنشطة، وهو ما يتطلب إيجاد حلول وتوافق لعدم تطوير قطاع على حساب الآخر، ومن الحلول التي ارتضتها بعض البلدان ممارسة نشاط تربية الأسماك على مسافة بعيدة عن الشاطئ لتفادي الاصطدام مع أنشطة سياحية وغير سياحية مضرة بالقطاع، غير أن هذا يعني كلفة أعلى لإقامة مزارع الأسماك. من جانب آخر، لن يكون باستطاعة العاملين في تقنية التربية المكثفة للأسماك تحقيق نمو كبير في السنوات والعقود المقبلة، بسبب وضع حصص للمادة الخام لقطاع إنتاج زيت ودقيق السمك، ولو بالنسبة لأنواع السمك الأقل قيمة من الناحية التجارية، وهما مادتان موجهتان لتغذية الأسماك التي يتم تربيتها. ومن خلال استقراء تطور قطاع تربية الأسماك في العالم يتبين أن الشركات العاملة في هذا الميدان ملزمة بالتقيد بجملة من المعايير النابعة من صنفين من الانشغالات، أولهما متصل بصحة المستهلكين والأسماك والسلامة الغذائية للمنتوج، وثانيهما التقليص من تأثير مشاريع تربية الأسماك على البيئة المحيطة بها.