اعتمد البرلمان الأوربي، مؤخرا، مشروع قانون يقضي بتزويد المرضى بالمعلومات حول الأدوية التي يتناولونها, بمعزل عن المعلومات التي تصدرها المختبرات! هذا هو أول درس تم استخلاصه من فضيحة عقار «الميدياتور». تاريخ كارثة معلنة! عندما فجر إيرين فراشون، وهو طبيب اختصاصي في الرئة يداوم في المركز الاستشفائي الجامعي في مدينة بريست، فضيحة دواء «الميدياتور» في كتاب نشره كان الأوان قد فات، لأن هذا الدواء الذي يوصف لمرضى السكري الذين يعانون من السمنة، والذي منعته فرنسا منذ سنة فقط، كان قد تسبب في وفاة 500 شخص في ظرف 33 سنة ولزم أسرة المستشفيات بسببه ما يزيد على 3500 مريض، بسبب أمراض القلب. وللأسف، فهذا الدواء ليس الوحيدَ الذي يتسبب في مثل هذه المآسي، الشيء الذي يجعل مثل هذه الأدوية موضع شك ويسلط الضوء على الخلل الذي تعاني منه منظومة تصنيع الأدوية. كيف تمنح الأدوية الرخص لتطرح في السوق؟ لكي يتم تسويق دواء ما، تقوم الوكالة الفرنسية للسلامة الصحية باللجوء إلى رأي الخبراء في هذا المجال، والذين لا يتميزون بالحياد المهني! فبعضهم يشارك في الاختبارات السريرية التي تقوم بها المختبرات، والتي تكلّف مبالغ باهظة تصل إلى 600000 أورو! وبالتالي، فمن الصعب العمل لحساب شركة ما وتشويه سمعة المنتوجات التي تصنعها... أين هي المصداقية إذن؟! بالنسبة إلى الاتحاد الفدرالي للمستهلكين في فرنسا، فالواقع لا غبار عليه! هذه المصالح الشخصية تؤثر بشكل كبير على مهنية الخبراء. ويقول جيرار بابت، وهو طبيب أمراض القلب وممثل إقليم غارون العليا :»إن الإكراهات جد كبيرة، فمعظمهم أطباء وباحثون يعتمدون على مِنَح الدولة لتمويل أبحاثهم، لذا فهم يتفادون دق ناقوس الخطر، مخافة أن يتم تهميشهم إذا لم نقل معاقبتهم!» من الذي يُجري هذه الاختبارات السريرية للأدوية؟ المختبرات الطبية! يقول برينو توسانت، مدير المجلة الطبية المستقلة «بريسكرير»: «إن المختبرات التي تجري الاختبارات لهذه الأدوية تنتفع ماديا من هذا العمل، وبالتالي فبعضها لا يفصح عن النتائج السلبية». إن حذف معلومة ما قد يغالط الخبراء، وبالتالي يؤدي إلى تقييم خاطئ. وتقول إيفلين ديكوليي، وهي مكلفة بالإحصاء في مصلحة المعلومات الطبية والاختبارات والأبحاث في دور العجزة في مدينة ليون، إن إحدى الدراسات أوضحت أن هناك حظوظا أكثر ب4.6 مرة لأن تنشر هذه المعلومات للعامة إذا ما كانت إيجابية! لكنها تؤكد أنْ ليس كل ما يغيب سلبيا بالضرورة. ولتفادي كل هذه الانزلاقات، يطالب العديد من العلماء بأن يتم التصريح بكل الاختبارات السريرية التي تُنجَز فور ابتدائها في السجل الدولي. وللأسف، فهذا الإجراء لا يتم اعتماده إلى يومنا هذا. لماذا يستغرق سحب دواء ما من السوق كل هذا الوقت؟ يعترف فابيان بارتولي، وهو مساعد مدير الوكالة الفرنسية للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية قائلا: «نحن بحاجة إلى أن نُراكم الدلائل اللازمة، كإجراء دراسات تكون نتائجها غير قابلة للجدل، بغية اتخاذ قرارات لا رجعة فيها. وفي غياب ذلك، من السهل أن تتم مقاضاتنا من طرف المختبرات المعنية». ويلمح مدير شركات الأدوية «لييم» بالقول:«إن المجموعات الكبرى ك«نوڤارتيس» و«GSK» أو «بفايزر»، التي تحاول جاهدة، وبشكل يومي، تطوير البحوث في هذا المجال لا تتجرأ على معارضة قرارات السلطات الصحية، لأن هذا لن يخدم صورتها!». قامت الوكالة الفرنسية للسلامة الصحية سنة 2009 بتعليق رخصة تسويق «كيتوم جيل»، وهو مرهم مضاد للالتهاب ذو فعالية متوسطة يولد في بعض الأحيان حساسية مفرطة جد خطيرة من الضوء. وقد قدم مختبر «ميناريني» عريضة لمجلس الدولة الفرنسي يطعن فيها في القرار المتّخَذ، وقد تحققت مطالبه في نهاية المطاف، إذ إن أعضاء المجلس قاموا بإبطال قرار تعليق الرخصة! بالنسبة إلى جيرار بابت، فإن القضاء الأعلى ارتكز في قراره على معطيات اقتصادية صرفة. وأضاف برينو توسانت: «لقد وُضِعت المصالح المادية للشركات فوق مصلحة المرضى». ويتحسر فابيان بارتولي قائلا: «نحّت الوكالة الأوربية للأدوية فرنسا جانبا، أولا للتقييم السلبي الذي تتبعه، والذي لا يقيس نسبة النفع بالضرر، وثانيا للسحب العشوائي وغير الشامل لهذه الأدوية من السوق»، ويضيف: «يتوجب على المختبر أن يطالب الدولة الفرنسية بتعويضه عن الضرر». كيف يتم تقييم الضرر الذي يمكن أن يتسبب فيه دواء ما؟ لكل الأدوية آثار جانبية، لكن بعضها تكون آثاره وخيمة. ويجدر أن تقدم تلك الأدوية الحاصلة على رخصة التسويق النفعَ لمرضاها وليس تعريضهم للخطر. ولا يسعنا أن نحصر عدد الحوادث، إذا لم نقل الوفيات، التي تتسبب فيها هذه الأدوية. يكفي أن يكون الدواء فعالا ومنقطع النظير في السوق، لكي يتم تسويقه، بغض النظر عن آثاره الجانبية المضرة. ويوضح لنا نيكولا دانشين، بروفسور أمراض القلب في مستشفى «جورج بومبيدو» في باريس ورئيس المجلس العلمي للصندوق الوطني للتأمين الصحي: «لنأخذ حالة «ستاتين»، فهو دواء يتسبب في آلام عضلية لكنه، مع ذلك، يحقق «معجزة» في ما يخص علاج أمراض القلب». ويؤكد البروفيسور جون بول غيرود، عضو أكاديمية الطب والخبير في الوكالة الفرنسية للسلامة الصحية، أن نصف الأربعين ألف دواء التي تباع في السوق، بوصفة طبية، فعاليتها ضئيلة، إذا لم نقل منعدمة، بل هناك أدوية لها مضاعفات جد خطيرة على الصحة. ما الهدف من بيع أدوية منعدمة الفعالية؟ يكمن الجواب في الربح المادي الذي تجنيه الشركات المصنعة! إن تصنيع الأدوية يخلق العديد من مناصب الشغل في البلد الذي تصنع فيه، وهذا هو المعطى الذي يتحجج به الممثلون والنواب، وفي بعض الأحيان، حتى الوزراء، لكي يبرروا صنع هذه الأدوية. ويتهكم برينو توسانت قائلا: «يبدو أن هؤلاء المسؤولين يُبدون تساهلا واضحا إزاء الأدوية الفرنسية والأوربية، عكس تلك المصنَّعة في بلدان أخرى، وكمثال حي على ذلك، نذكر أقراص «الأكومبليا»، التي صنعها الفرنسي صانوفي أدڤانتيس، والتي توصف للأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد. لم يحصل هذا الدواء يوما على الترخيص لتسويقه في الولاياتالمتحدة، حرصا على السلامة الصحية لمواطني هذا البلد، أما أوربا، فقد منحته الترخيص في 2006». ومع ذلك، فقد تم سحب هذا الدواء من الأسواق عامين بعد حصوله على الرخصة، لتسبُّبه -حسب الوكالة الفرنسية للسلامة الصحية- في الكآبة وفي اضطرابات تؤدي إلى الرغبة في الانتحار. هل هناك طريقة يتحرى بها المريض حول الأدوية التي يتناولها؟ بالفعل، هناك العديد من الطرق التي تتيح للمريض أن يعرف المزيد عن الأدوية التي يتناولها، وأولها القراءة المتمعنة لورقة الإرشادات، ولو بوصفة الطبيب، بغية التعرف على المكونات غير المرغوب في تناولها. ويمكن المرضى، كذلك، أن يطالبوا الطبيب بأن يصف لهم دواء تم التأكد من خلوه من المواد المضرة بالصحة. وعلى أي حال، فبحلول 2013، يمكن أيَّ شخص أن يستعلم بواسطة الأنترنت، بغضّ النظر عن المعلومات التي تصدرها المختبرات. وستُضمّن السلطات المعنية، في هامش ورقة الإرشادات، كل المعطيات حول تأثير دواء ما وحول كل نتائج الاختبارات السريرية.
أدوية خطيرة وغير فعالة تروّج في الأسواق في شهر ماي الماضي، قامت لجنة الوكالة الفرنسية للسلامة الصحية بالتحذير من التحميلات المضادة للسعال والمستخلصة من «التربينية» و«زيت الكافور» و«الأوكاليبتيس» و«المينثول»، والتي توصف للأطفال تحت سن الثانية. وقد سبق للهيأة العليا للصحة أن صرحت، سنة 2005، بعدم فعالية هذه الأدوية. أما أدوية «كوكليسيدال» و«تروفيريس» و«بروكوريتين»، فهي أدوية تتسبب في تشنجات نادرا ما تحدث، إلا أنها جد خطيرة. ومع ذلك، فهذه التحميلات ما زالت تروج في السوق، غير أن الوكالة الفرنسية اعتزمت في نهاية شهر أكتوبر الفارط أن تمنع هذه التحميلات على الأطفال الذين يقل سنهم عن 30 شهرا...