تسقط يوميا في علبنا الإلكترونية مثل الجراد إعلاناتٌ إشهارية (وهي عبارة عن رسائل ملوثة)، تقترح، مقابل أثمنة رخيصة، حبوب الفياغرا، أو أقراص «الليبتور» (وهي مادة مضادة للكوليستيرول)، أو «البروكريت» (حبات مضادة للفقر الدموي)، أو «السياليس» (الأقراص المعالجة لاختلال الانتصاب العضوي أو الذكري)، أو أقراص «علي» المعالجة للسمنة... إلخ. المأساة أن نسبة كبيرة من هذه الأدوية مزورة ويروج لها بسهولة على شبكة الأنترنيت وفي الأسواق الموازية. فعوض أن تخضع تركيبتها لمواصفات علمية بمصادقة مختبرات متخصصة، يتشكل محتوى هذه المنتوجات من مواد خطيرة، مثل حامض الخل والكبريت ومسحوق الطالك والشمع والرصاص. وتبقى الفضيحة التي هزت كولومبيا عام 2001، لما كشفت شرطة المباحث عن 20000 لوحة من الأقراص المضادة للزكام، من بين الفضائح الكبرى في تاريخ تزوير الأدوية والمنتوجات الطبية. في المشهد العام، تبقى الدول الفقيرة -وبخاصة الإفريقية منها- بمثابة قمامة تفرغ فيها كل الأدوية التي انتهت مدة صلاحيتها أو المشكلة من مواد سامة أو مغشوشة. وتستوعب السوق الإفريقية لوحدها 50 في المائة من هذه الأدوية. وإلى زمن قريب، كانت فرنسا، بحكم تميز نظام ضمانها الاجتماعي، في منأى عن هذا النوع من الممارسات. غير أن الأدوية المغشوشة، الوافدة من الصين أو من أوربا الشرقية وبخاصة المنشطات التي يستعملها الرياضيون، لم تلبث أن اخترقت الأسواق السفلية في الضواحي التي يلجأ إليها المهاجرون السريون الذين لا يتوفرون على تغطية اجتماعية. وهكذا، شهدت فرنسا عدة فضائح، منها فضيحة عدسات العين والمنشطات مرورا بالأدوية المضادة للحساسية أو الأقراص المزيفة لمنع الحمل. كما أن التزوير طال صناعة الأجهزة الطبية، مثل الإبر وآلات الجراحة،... وآخر الفضائح الطبية التي شهدتها فرنسا هذه الأيام هي ما يعرف بفضيحة «ميدياتور»، والتي قد تكون لها انعكاسات على المغرب الذي يعتبر أحد المستوردين والمستهلكين الكبار للميدياتور. فقبل أسبوع، انفجرت فضيحة أقراص ميدياتور التي طرحت في الأسواق الفرنسية والعالمية منذ 1975، من طرف مختبر «سيرفيور» الفرنسي، والتي قدمت على أنها ناجعة ضد داء السكري، كما أنها «تفطم» شهية الأشخاص الذين يعانون من السمنة. وتبعا لتقرير أعده الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فإن هذه الأقراص تسببت في وفاة قرابة 1000 شخص، كما لزم سرير المستشفى بسببها 3500 مريض جراء إصابتهم في صمامات القلب. ويتابع التقرير إفاداته بأنه في فرنسا وحدها استهلك ميدياتور 5 ملايين شخص بمن فيهم 2,9 مليون مريض استهلكوا الأقراص لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. وبالرغم من سحب هذا الدواء من الأسواق في أمريكا 1997، ثم من إسبانيا وإيطاليا عام 2005، فإن فرنسا تلكأت كثيرا قبل سحبه، لكن بطريقة مقنعة اعتبارا لمصالح اقتصادية ورهانات استراتيجية تهم التحكم في الصناعة الصيدلية العالمية. «وما حدها تقاقي..» انفجرت مباشرة بعد فضيحة «ميدياتور» فضيحة جديدة تخص هذه المرة دواء «الإزوميتري» الذي يشرف على صنعه نفس المختبر، مختبر «سيرفيور» الذي يروج للمنتوج منذ عام 1979. وقد تسبب تناول هذه الأقراص في اضطرابات وأزمات قلبية للعديد من المرضى، مما أدى إلى إدانة المختبر في السابع عشر من سبتمبر الماضي من طرف محكمة نانتير والحكم بأدائه غرامة قدرها 210000 أورو لصالح امرأة عانت من اضطرابات قلبية بعد تناولها لهذا الدواء. لكن تفاعلات هذه الفضيحة تجاوزت الحدود لتمس كندا والولايات المتحدة، إذ بعد رفع دعوى من طرف جمعية تضم ضحايا «الإيزوميتري» في كل من البلدين، بلغ عددهم 150000 شخص، تم التوقيع بين الطرفين على اتفاق ودي أدى المختبر بموجبه مبلغ 2,78 مليار أور. في المغرب، من الصيدليين من يجيبك بأنه تم سحب «ميدياتور»، الذي أطلق عليه البعض «تيرميناتور»، منهم من يقول لك إنه نفد تحت الطلب، فيما لا يمانع بعض الأطباء من اقتراح أدوية بديلة له. المطلوب اليوم من وزارة الصحة هو العمل على إجراء مراقبة صارمة كي لا تروج في أوساط المرضى بالسكري وبالسمنة مشتقات وبدائل للميدياتور، والمطلوب أيضا أن تطالب ياسمينة بادو بفحص دقيق لأوضاع المرضى الذين أفلتوا من مخالب الموت بعد استهلاكهم لهذا الدواء السام. «إيوا تسنى يا الجن»!