على عكس الأجواء الباردة جدا التي تخيم على طنجة هذه الأيام، فإن الدورة الثانية عشرة للمهرجان الوطني للفيلم تمر في أجواء دافئة، لكنه دفء من نوع خاص. دفء المهرجان بدأ من أبواب قاعة سينما «روكسي»، عبر هتافات غاضبة للجمهور، وتواصل مع طرائف فاطمة النوالي التي لا تخيب أبدا أمل عشاق نوادرها، وتواصل مع تسلل ممثلين ومسؤولين من الباب الخلفي للقاعة، واتهامات لمخرجين بسرقة أموال الدعم، ولصحافيين بالارتشاء مقابل مديحهم للمهرجان. وكان المخرج السينمائي، نبيل لحلو، أول المبادرين إلى تفجير تصريحات قوية حين وجه اتهامات مباشرة إلى مخرجين مغاربة بسرقة أموال الدعم، وأشار إلى أمثلة محددة مثل فيلم «الجامع» للمخرج «داوود ولاد السيد» الذي قال إنه لا يستحق أكثر من 80 مليون سنتيم، بينما تلقى مئات الملايين كدعم. لحلو لم يوفر أيضا انتقاداته القوية لصحافيين ونقاد وصفهم بكونهم يتلقون رشاوى من المركز السينمائي مقابل المديح الذي يكيلونه للمهرجان وللمشرفين عليه. قضية الدعم لأفلام تافهة لم تأت فقط في تصريحات لحلو، بل جاءت أيضا على لسان عبد الله المصباحي، مخرج فيلم «القدس: باب المغاربة»، الذي قال إنه لا يريد الآن شيئا من المركز السينمائي، وإنه لولا الدعم الأوربي لما استطاع إنتاج فيلمه. قضية أخرى فجرت نقاشا في المهرجان، وهي شريط نبيل عيوش، الذي أدرج في المسابقة الرسمية، وهو فيلم لا يزال يثير حيرة بين النقاد والمخرجين.. هل هو شريط روائي أم شريط وثائقي؟ لكن بما أن الأمر يتعلق بالولد المدلل للسينما المغربية، أو بالأصح للمركز السينمائي، فإن أي شريط لعيوش سيدرج في المسابقة الرسمية حتى لو كان شريطا للرسوم المتحركة. مهرجان السينما في طنجة صار نمطيا بأشياء كثيرة، أشدها بروزا الطريقة التي تقدم بها فاطمة النوالي حفلي الافتتاح والاختتام، وهما معا يثيران الكثير من الاهتمام، ليس بسبب أهمية المهرجان بل لأن هذه المرأة لا تخيب أبدا أمل معجبيها ولا تتورع أبدا عن تكرار كل الأخطاء التي اقترفتها في المهرجانات السابقة. والذين يداومون على حضور فعاليات هذا المهرجان لا يستطيعون إخفاء ابتساماتهم الماكرة بمجرد أن تصل مقدمة الحفل إلى الخشبة بقفطانها المزركش، وهي ابتسامات تتحول إلى ضحكات فاقعة مع تواصل نوادر النوالي التي تبدو وكأن «الرّيزو» هرب لها ولم يعد. مهرجان السينما في طنجة يحمل أيضا إلى المدينة إحساسا غريبا بين السكان. فالمنظمون يحتاجون إلى جمهور وافر يقف على أبواب قاعة السينما لكي يصرخ إعجابا بالوجوه الحاضرة، أو يصفق، أو يلتقط صورا، يعني جمهور للبهرجة وليس للسينما. لكن هذا الجمهور هو الذي حوّل حفل الافتتاح إلى مهرجان للاحتجاج، وذلك حين واجه بالصفير منظمين ومسؤولين، بمن فيهم وزير الاتصال، لأنه جمهور يجد نفسه محروما من تتبع السينما لأن الدعوات توجه فقط إلى الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء. وهناك سينمائيون ومسرحيون من طنجة قرروا نهائيا مقاطعة كل فعاليات المهرجان بعد أن تعرضوا للتهميش والحيف. كانوا، حين يريدون حضور عرض ما، يبحثون عن وساطات للحصول على دعوات، والذين يتوسطون لهم لا علاقة لهم إطلاقا بالسينما. هناك أيضا ذلك القفص الذي ينظم فيه المهرجان، وهو قاعة سينما «روكسي» التي تستوعب عددا محدودا جدا من الجمهور. ورغم مرور كل هذه السنوات على بدء مهرجان السينما في طنجة، فلا أحد بادر فعلا إلى اقتراح مشروع لبناء مركب سينمائي كبير، يتوفر على كل ضرورات السينما الحقيقية، ويحفظ لجمهور الفن السابع كرامته، ويجعل من السكان شريكا حقيقيا في المهرجان وليس مجرد أرقام تتجمع عند باب القاعة وتهتف إعجابا بتلك الوجوه المحنطة. تنظيم مهرجان السينما في طنجة أصبح، مرة أخرى، موضع سؤال. فلا يكفي أن يكون مدير المركز السينمائي طنجاويا لكي يفهم الناس السبب. فلكي تحب مدينتك يجب أن تفعل شيئا من أجلها، يجب أن تناضل من أجل بناء مركب سينمائي حقيقي، وأن تهتم بوجوهها السينمائية والفنية الشابة، وليس أن تصحب معك كل عام ثلة من الرفاق والأصدقاء يلعبون ويأكلون ويشربون و..، ثم يعودون من حيث أتوا. هذه ليست سينما، هذا شيء آخر.