«تحية عالية لرفيقاتي ...». أول ثلاث كلمات من رسالة قصيرة جدا كتبت، بتاريخ 01 غشت 2008 داخل أسوار سجن بولمهارز بمراكش، بأصابع يد زهرة بودكور المعتقلة إلى جانب 8 من رفاقها في ما صار يعرف ب«أحداث جامعة مراكش».. ثلاث كلمات لها حمولة سياسية جدا لأنها نفس التحية التي ظل رفاق اليسار في الجامعات المغربية يفضلونها لفتح «حلقيات» النقاش الدائرية في وسط الحرم الجامعي: «تحية عالية الرفاق الرفيقات»، مما يعني أن زهرة لم تفقد بعد ذاكرتها النضالية القريبة..«تحية عالية رفيقاتي» ثلاث كلمات دقيقة تميل إلى اللون الأحمر وليس إلى أي لون آخر.. ربما هناك بعض الأسود أيضا، لكنهما معا يظلان في النهاية لونين متكاملين حد الثورة والغضب. «إن التجربة لتجربة رائعة بحلوها ومرها»!! الجملة الأولى ما بعد تحية الرفيقات.. إنه الجدل مرة أخرى، هنا يتحول سجن بولمهارز إلى تجربة رائعة ويختلط اللون الأحمر بالأسود من جديد وتختلط العوالم على الجميع خارج الزنزانة: هل هي تجربة حلوة أم مرة؟ أجيبي من فضلك!! هنا تجيب.. إنها تجربة «تحس فيها بأنك تقدم شيئا إلى شعب ضحى بالكثير وينتظر منا الكثير نحن الشبيبة»، الجواب ليس قاطعا، إنه ضبابي وغامض، وفي نفس الوقت متفائل ومقنع.. قليلا من الأسود الآن «شعب ضحى بالكثير» وبعض الأحمر الفاقع «ينتظر منا الكثير نحن الشبيبة»، أي اللونين سينتصر؟ «سنشق الطريق نحو الغد الأفضل، وما هذه إلا البداية وطريق النصر طويل وعسير»، هكذا استمرت زهرة في الحديث عما بعد الزنزانة وفي الظلمة وما قبل الحلم، وهنا لا توجد ألوان كثيرة وربما يوجد لون واحد وليس أكثر، ربما هو الأزرق، وقد يقول آخرون إنه الأخضر، لكن اللوحة ستكون غريبة باللون الأخير وستكتسب ظلمة أكبر وحزنا أكبر. في المقابل، سيكون أفق الأزرق مفرحا وشاسعا، يكسر اللوحة القاتمة وظلمة الزنزانة وذكريات التعذيب.. وماذا بعد؟ الأمر لن يكون سهلا كما تتصورينه يا زهرة وأنت لا زلت صغيرة، والكبار يملؤون العالم كيف ستقطعين نهر أحلامك هكذا في بضع كلمات.. لكنها تستمر في رسم لوحتها بنفس الألوان: أحمر أسود أزرق، وتقول: «لكننا سنجتازه رغما عن أنوفهم لأنه ليس برغبة ذاتية ولكن لأن قوانين التاريخ تحتم علينا تثبيت خط جماهيرنا على الواقع المرير». سيقولون عنك، في النهاية إنك امرأة ولست أكثر من ذلك، لكنك لم تنسي أن تجيبيهم في الرسالة التي لا يعلم أحد كيف غادرت السجن خلف ظهر الحارس وكتبت: «التجربة – بالنسبة إلى المرأة -في البداية صعبة لأنها أول تجربة، يعني أن ما سيفرض عليك سيكون قاسيا، لكنني جد فخورة لأننا نصلح المكان لنا فيما بعد»، ما دواعي فخرك الملون في لوحة غريبة.. تجيبين من جديد بكلمات مقتضبة «تحقيق مكتسبات يسهل المأمورية فيما بعد»، وماذا بعد.. تقولين: «فاستعددن رفيقاتي، فصدى شجرة عملنا قد أثمرت، مما سيفرض على النظام أن يملأ زنازينه، ولكنه لا يعلم أنه أينما حللنا سنقدم الكثير، فالمحدد في عملنا ليس المكان بقدرما هو مبادئنا الراسخة فينا». تأتي رسالة زهرة بودكور مباشرة بعد الرسالة التي وجهها إليها الصحفي خالد الجامعي، والتي تم نشرها على مدونة لجنة التضامن مع معتقلي مراكش، والتي جاء من بين جملها: «كانوا يعرفون أنك تتعذبين، وكانوا يعرفون أنك تحتضرين»، نقطة ورجوع اضطراري إلى سطر الجامعي: «ومع ذلك ظلوا صامتين، مستمرين في صمت متواطئ»، كلمات أخرى على نفس الوتر ويعود الصحافي المخضرم ليذكر زهرة بصور «كوميسارية جامع لفنا»: «على مدى ثلاثة أيام، وبعد أن أنزلوا بك أبشع أنواع التعذيب، نزعوا عنك ثيابك أمام رفاقك.. وتركوك مرمية لثلاثة أيام طوال، وأنت غارقة في دماء حيضك»، ويختم بجملة أخرى: «لا بد أن تنتصر المبادئ والعزيمة على السيف في النهاية». وتختم زهرة بكلمات أخرى: «نحن من يولد تحت الشجر.. تحت المطر.. من الحجر.. من الهزائم.. من البراعم.. من البداية .. نولد بلا نهاية».