أصبح نظام الميكروبيوتيك، كأسلوب حياتيّ وغذائيّ جديد، واحدا من أكثر الأساليب الغذائية انتشارا وشهرة في العالم، لكونه يشكل محاولة للعودة بالإنسان إلى حالة صحية منسجمة مع البيئة الطبيعية. و«ميكروبيوتيك» كلمة يونانية الأصل تعني «الحياة الطويلة» وتهدف إلى تحسين صحة الإنسان وتنقية فكره وزيادة وعيه تجاه كل ما من شأنه أن يُبعِد عنه الأمراض ويطيل عمره. فوائد الميكروبيوتيك: تكمن أهمية الميكروبيوتيك في أنه أسس -في ما بعد- مدرسة للتفكير وللأفعال الحياتية، تعتمد على استعمال مواد طبيعية -غير صناعية- في صناعة الملابس وبناء المنازل وتحضير الطعام. وكان الياباني جورج أوهساوا، رجل الأعمال والمدرس والكاتب، أول من أدخل نظام الميكروبيوتيك إلى الغرب. فعندما كان مراهقا، اكتشف أنه مصاب بمرض الدرن (السل) وظن أطباؤه في ذلك الوقت أن الفرصة ضئيلة في بقائه حيا لكنه عاش -بإرادة الله تعالى- باتباع مبادئ الميكروبيوتيك التي وضع أسسها، ثم تلاه ظهور تعليمات الياباني ساجن إشزوكا، الذي اشتهر وذاع صيته في مجال العلاج الطبيعي للأمراض، وسافر من اليابان إلى أوربا في عام 1929، ثم بدأ بعد مرور فترة قصيرة من وصوله إليها في تعليم الميكروبيوتيك. تركيبة الميكروبيوتيك: يتركب الطعام المصنّف ضمن نظام الميكروبيوتيك من المكونات التالية: - 50 % من الحبوب بأنواعها، مثل القمح والشوفان والأرز مع قشورها. - 20 30 % - خضراوات طازجة بأنواعها. - 5 10 % بذور بقول وأعشاب بحرية. -5 10 % - شوربة بأنواعها. ويُسمَح لأتباع الميكروبيوتيك بتناول الأسماك والأغذية البحرية والفواكه الموسمية والمكسرات وغيرها في طعامهم، إضافة إلى الألبان والبيض واللحوم بأنواعها، وهي مصدر جيد لما يحتاج إليه جسم الإنسان من البروتينات ذات القيمة الحيوية التي تفوق ما توفره بروتينات بذور البقول، فيما تُستبعَد الفواكه الموسمية من طعام الميكروبيوتيك أو يسمح بتناول القليل منها، لكونها تشكل مصدرا جيدا للفيتامينات والعناصر المعدنية التي يحتاج إليها الجسم. ويُوصى بشرب السوائل، مثل الشاي المُحضَّر من الفروع الصغيرة أو المحضَّر من تحميص الأرز الأسمر، وقهوة محضرة من حبوب بعض المحاصيل المحمصة، ويمكن تناول أي مشروب شاي عادي ليست له نكهته المميزة أو تأثيره المنبه للأعصاب. كما يوصى بشرب مياه الينابيع والمياه الأخرى ذات الجودة العالية. أما التوابل، فالمسموح به منها عبارة عن مسحوق أعشاب بحرية أو مسحوق بذور السمسم مع الأعشاب، وهناك مخلل كرنب مصنوع من ملح بحري، يستعمل كمقبلات. الحبوب وقشورها: تمثل الحبوب مع قشورها 50 % من نسبة ما يتناوله أتباع نظام الميكروبيوتيك في طعامهم، ويشترط أن تكون من نواتج الزراعة العضوية، أي التي لا تُستعمَل فيها أسمدة صناعية أو كيميائية، بهدف تجنب ارتفاع نسبة النترات في محاصيلها، لكونها -النترات- يمكن أن تتحّول في الجهاز الهضمي للإنسان إلى مركبات مسرطنة. ويمكن طبخ الحبوب بأي طريقة وكذلك تناول نسبة قليلة من منتجات الحبوب، مثل المعكرونة والخبز الأسمر، الذي لم تستعمل الخميرة في صناعته. الخضراوات الطازجة: رغم أن الخضراوات تمثل 20 إلى 30 % من نسبة طعام الميكروبيوتيك، فلا يسمح بتناول كل أنواعها، وإنما يقتصر الأمر على القرع الأخضر والجزر والقرع والكرنب والبروكلي والقرنبيط والبقدونس والهندباء والبصل والفجل واللفت... ويسمح بين وقت وآخر (مرتين أو ثلاث مرات أسبوعيا) بتناول الخيار والسلق والخس والثوم. كما ينصح الميكروبيوتيك أتباعه بعدم تناول بعض الخضراوات بشكل منتظم في أطباق طعامهم، ومنها البطاطس والطماطم والباذنجان والفلفل الأخضر والسبانخ، لأن لها تفاعلات سلبية مع باقي المكونات الغذائية لهذا النظام. ويجب أن تطبخ الخضراوات إما سلقا بالبخار أو ببعض الزيت المستخلَص بطريقة العصر دون تكريره، علما أن زيتَي الزيتون والسمسم يمكن تناولهما فور عصرهما دون تكرير، ولكن الزيت المستخرَج من بذور دوار الشمس والقطن لا يمكن أخذه دون خضوعه لعمليات تكرير وتنقية، للتخلص مما يعلق به من شوائب تكسبه مذاقا ولونا غير مرغوبين. البذور والأعشاب البحرية: تمثل بذور البقول والأعشاب البحرية ما بين 5 إلى 10 % من نسبة طعام الميكروبيوتيك، وأشهر بذور البقول المستعملة هي: الحمص، الفول، العدس وفول الصوجا، أما الأعشاب البحرية فهي توفر الفيتامينات والأملاح المعدنية الضرورية للجسم. وتساهم الشوربات بحوالي 5 إلى 10 % من نسبة الطعام، ويمكن تحضيرها من الخضراوات والأعشاب البحرية والحبوب أو بذور البقول، ويمكن استعمال التوابل الخاصة معها، إضافة إلى صلصة فول الصوجا، والملح المستخرج من البحار وغير المكرر، رغم احتوائه على شوائب عضوية ومعدنية ضارة. الممنوع والمسموح: يمتنع أصحاب هذا النظام الغذائي عن تناول الكثير من الأغذية، ومنها اللحوم الحمراء، الدجاج، الدهون، البيض والألبان، على اختلاف أنواعها، والسكر العادي والشوكولاطة والعسل وكذلك الفواكه الاستوائية وشبه الاستوائية، مثل الأناناس، المانغو، عصائر الفواكه، المشروبات الغازية، القهوة، الشاي والكاكاو وجميع الأغذية المعالَجة كيماويا وجميع حبوب المحاصيل المنزوع منها القشور، مثل الأرز الأبيض والكعك والأغذية المحفوظة والمجمدة والتوابل الحارة وأي منكهات أو ملونات للأغذية والخل الصناعي... أما بخصوص المسموح به، فيمكن أكل الأسماك الطازجة، 3 مرات في الأسبوع كحد أقصى، وكذلك فواكه المناطق المعتدلة، مثل التفاح، الخوخ، المشمش، الكمثرى، البطيخ، الشمام والفراولة. ويسمح بتناول المكسرات المحمصة بدرجة خفيفة وكذلك بذور القرع والجوز والسمسم ودوار الشمس والفستق. مخاطر الميكروبيوتيك: لا يخلو تطبيق نظام الميكروبيوتيك من المخاطر والسلبيات، لكونه يتجاهل الكثير من الأغذية دون وجه حق، فلا يوجد مبرر منطقي لمنعه تناول اللحوم الحمراء والألبان والفواكه الاستوائية. وعلى أي حال، فقد أجريت الكثير من الأبحاث والدراسات العلمية على الأشخاص الذين يطّبقون هذا النظام الغذائي، توصلت بعضها إلى نتائج سلبية، أهمها إمكانية إصابتهم بالكساح وفقر الدم. فقد أجرى فريق من العلماء الهولنديين دراسة حول معدل انتشار مرض الكساح بين الأطفال الرضع الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و20 شهرا، والذين يتناولون طعام الميكروبيوتيك، بالمقارنة مع أطفال آخرين في العمر نفسه حصلوا على تغذية عادية. وقد نشر هذا الفريق من العلماء نتائج هذا البحث العلمي في «المجلة الأمريكية للتغذية السريرية» واكتشفوا ظهور الأعراض المرضية للكساح في 28 % من مجموعة أطفال الميكروبيوتيك، ثم ارتفعت نسبة الإصابة إلى 55 %، بعد مرور عدة شهور في دمائهم، وأرجع العلماء سبب ذلك إلى قلة نسبة فيتامين «د» في طعام الميكروبيوتيك، والذي يؤدي نقصه إلى قصور في تطور العظام وحدوث حالات الكساح. واكتشف فريق علمي آخر وجود نقص في مركّب «كوبالامين» لدى المراهقين الذين حصلوا على طعام الميكروبيوتيك في سن مبكرة حتى بلوغهم سن ست سنوات من حياتهم، وتكمن الخطورة هنا في أن النقص في هذا المركب يؤدي إلى حدوث حالة فقر الدم الخبيث، وهو متوفر بكثرة في الأغذية الحيوانية، كاللحوم والألبان.
مبادئ لحياة صحية: إضافة إلى الشروط المتعلقة بنوعية الأغذية والمشروبات التي يمكن تناولها في نظام الميكروبيوتيك، هناك مبادئ أخرى يجب تطبيقها، حتى يحقق هدفه المنشود، وهو تمتع الإنسان بحياة صحية سليمة، ومن هذه المبادئ: -تناول الطعام عند الشعور بالجوع فقط ومضغه جيدا وترك مائدة الطعام فور الشعور بالرضا وليس الامتلاء، وشرب السوائل عند الشعور بالعطش فقط. -استعمال أواني الطبخ المصنوعة من الحديد المغطى أو الصلب الذي لا يصدأ وعدم استخدام الفرن الكهربائي و»الميكروويف»، ويفضل الطبخ على فرن الغاز أو الخشب. -زرع نباتات خضراء كبيرة في المنزل، نظرا إلى فائدتها في زيادة تركيز غاز الأوكسجين في الهواء، مع الحرص على فتح نوافذ المنزل يوميا، لتجديد الهواء فيه، حتى خلال الطقس البارد. -استعمال منتوجات تجميل وتنظيف الجسم المصنوعة فقط من مكونات طبيعية غير سامة وتجنب استخدام المنتوجات المصنعة كيماويا والمعطرة. -تدليك جميع أجزاء الجسم بمنشفة كل يوم، لتحسين الدورة الدموية فيها، ويمكن بدلا من ذلك فرك اليدين والقدمين وأصابعهما. -ممارسة الرياضة بشكل منتظم، وخاصة المشي واليوغا والسباحة، ولو لنصف ساعة يوميا، وتعريض الجسم لأشعة الشمس. -ارتداء ملابس مصنوعة من القطن، إن أمكن، وعدم استعمال تلك المصنوعة من ألياف صناعية أو صوفية وتجنب لبس الخواتم والسلاسل وكل شيء مصنوع من معدن.