في الأسابيع الأخيرة تعالت أصوات المهنيين في قطاع النسيج من أجل الحد من الاستيراد غير المشروع.. نداءات تلقفتها الإدارات المعنية التي سارعت إلى إيفاد محققيها من أجل الوقوف على ما إذا كان ثمة مستوردون يغشون في الفواتير عند الاستيراد، وفي هذا الحوار مع مصطفى ساجد، رئيس الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة AMITH، نتعرف على حجم الظاهرة فطاع النسيج والألبسة والحلول التي تقترحها الجمعية من أجل النهوض بالإنتاج الداخلي الذي يعتبر المدخل الأساسي للحد من استيراد منتوجات بطرق غير مشروعة. يبدو بعد توليكم أمر الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة منذ الصيف الماضي، أنكم تسعون إلى الدفع في اتجاه تحصين السوق الداخلي من المواد المستوردة بطرق غير شرعية، وفي هذا السياق تحاربون الغش في الفواتير من قبل بعض المستوردين. ما الذي يبرر هذا التوجه من قبل الجمعية؟ نحن نسعى إلى حماية قطاع واعد في المغرب. فرقم معاملات قطاع النسيج والألبسة يصل إلى 70 مليار درهم، وهو يعتبر أول مشغل، إذ أن عدد مناصب الشغل المصرح بها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يصل إلى 200 ألف، وتشير التقديرات إلى أن نفس العدد من مناصب الشغل يتم تأمينه في القطاع غير المهيكل، مما يعني أن الذين يشتغلون في النسيج والألبسة يصل عددهم إلى 400 ألف. هذا رقم مهم يحرضنا على السعي إلى حماية القطاع والحفاظ على الخبرة التي راكمها على مدى عقود من الزمن. نحن نناهض الغش عند الاستيراد والغش في الفواتير والتهريب بجميع أشكاله. - في الآونة الأخيرة لوحظ اهتمام كبير بالغش في الفواتير عند الاستيراد، ماهي الأشكال التي تتخذها هاته الممارسة؟ الغش في الفواتير يأخذ العديد من الأشكال، حيث يهم في بعض الأحيان حجم المواد المستوردة، ويصيب في بعض الأحيان القيمة عند الاستيراد.. والهدف بالنسبة لنا هو أن يؤدي الجميع حقوق الجمارك والضرائب التي تعكس ما يستورد حجما وقيمة. نحن لا نبحث عن الحماية، بل نصر على أن يفي الجميع بما في ذمته من الحقوق التي تستحقها الإدارات المعنية..لاحظ أنه عندما يغش أحدهم في الضريبة على القيمة المضافة عند إدخال السلع التي يستوردها يكون قد جنى ربحا كبيرا، قبل أن يطرحها في السوق. - هل جميع الفاعلين المغاربة في قطاع النسيج مدركون لهذا الوضع الذي تتحدثون عنه؟ بطبيعة الحال، فجميع الوحدات الصناعية تعاني من نتائج الغش في الفواتير عند الاستيراد، ويجب أن أشدد على أن الذين يتعاطون لمثل هاته الممارسة، هم المستوردون الذين يمارسون تجارة الجملة وبعض المستوردين الصينيين الذي استقروا بين عشية وضحاها في المغرب، وأصبحوا يعملون خارج القانون. والجميع مجمع على أن السوق يعاني من هذه الممارسة التي تخرق القانون، وهذا يمس العديد من القطاعات الأخرى، مثل الصناعات الغذائية، فالذين يمارسون ذلك يسعون إلى التهرب من أداء الضريبة على القيمة المضافة، كما سبق أن أشرت إلى ذلك. - هل الإدارات المعنية تشاطركم هاته الهواجس؟ جميع الإدارات المعنية لها إدراك للوضعية التي تحدثت عنها، ونحن نعمل بتنسيق معها من أجل إيجاد الحلول المناسبة. ويجب أن أشير إلى أن هناك إجراء من قبيل «الالتزام بالاستيراد»، سيكون ساري المفعول اعتبارا من السابع من فبراير القادم، وهذا ما سيتيح لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة التعرف على مسار عملية الاستيراد، خاصة أن ذلك الالتزام سوف يتضمن مؤشرا جبائيا Identifiant fiscal. وهذا الالتزام من شأنه أن يقلص من عمليات الاستيراد التي ينجزها الأشخاص الذاتيون. فالمرسوم الخاص بذلك الالتزام صدر والتطبيق سيكون اعتبارا من الأسبوع الأول من الشهر القادم. - يبدو أن مكتب الصرف وإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة والإدارة الضريبية بصدد محاربة الغش في الفوترة في الفترة الأخيرة؟ صحيح ، فعندما تلاحظ الإدارة الجمركية أن ثمة غشا في الفواتير عند الاستيراد، تقوم بإعادة تقويم حتى يؤدي المستورد على أساس المعدل الملائم، آنذاك يتوجب عليه أن يثبت المصدر الذي أدى منه الفرق، حينئذ يتدخل مكتب الصرف، أما الإدارة الضريبية فتتوجه للمستورد كي تسائله عن الفوترة التي اعتمدها في السوق الداخلي قياسا بقيمة ما استورده، حيث تنظر في محاسبته. - قدمتم في الفترة الأخيرة خارطة الطريق التي ستسترشدون بها خلال توليكم أمر الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة، فماهي المكانة التي أفردتموها لمحاربة ما تعتبرونه غشا عند الاستيراد؟ هاته المسأله تحتل مكانة مركزية في الاستراتيجية التي وضعناها، وهو توجه يرمي إلى إنعاش السوق الداخلي والإنتاج المحلي. فلا يجب أن نترك سوقا يصل رقم معاملاته إلى 40 مليار درهم بيد المستوردين فقط. هذا يعني أن بلدنا يجب أن يكون منتجا ومصدرا في الوقت ذاته، ويجب أن نصل إلى تلبية حاجياتنا عبر الإنتاج المحلي. - هذا طموح مشروع، لكن يفترض ذلك التوفر على ماركات مغربية في قطاع النسيج، خاصة أن مشتريات شريحة واسعة من المغاربة موزعة بين المنتوجات المقلدة، التي يوفرها في غالب الأحيان منتجون محليون، والملابس المستعملة التي تأتي من الخارج.. هناك العديد من الماركات المغربية التي برزت في السنوات الأخيرة، لكنها ليست معروفة بما يكفي. وعندما نتحدث عن المنتوجات المقلدة، يجب أن نشير إلى أن الماركات المغربية نفسها لا تسلم من التقليد. في نفس الوقت يجب أن نعلم أن الملابس المستعملة ممنوعة، وتدخل في إطار التهريب. لقد بادرت الجمعية المغربية لصناعة النسيج والألبسة إلى إنجاز دراسة من قبل مكاتب دولية، حيث قامت بتصنيف للمنتوجات في السوق المغربية، إذ نجد في القمة المنتوجات الفاخرة، التي نجدها في المناطق الراقية في المدن الكبرى، تليها المنتوجات التي يتم توفيرها في إطار» الفرانشيز» التي تمثل الماركات الدولية، ثم العلامات المغربية التي قدرت بحوالي العشرين، فالمنتوجات المقلدة. غير أن الحقيقة التي عكستها الدراسة تتمثل في أن الجزء الأكبر من المنتوجات في السوق يأتي من الاستيراد غير المشروع، أي نصف رقم المعاملات الذي يتم تحقيقه في السوق الداخلي المقدر ب 40 مليار درهم. مما يعني أن الاستيراد غير المشروع أخطر من القطاع غير المهيكل الذي يوفر مناصب الشغل ويوفر عائدات ويساهم في القدرة الشرائية، بينما العاملون في الاستيراد غير المشروع، ينجزون عمليات غير مشروعة مدرة للمداخيل ويزعج العمل العادي للسوق. وما يجب أن نعرفه أن القطاع غير المهيكل في المغرب، يشغل المغاربة، بينما قد تجد أن الاستيراد غير المشروع يقوم به شخص واحد، وقد يكون أجنبيا، ويستفيد من النظام عبر الاحتيال على الجميع. ثم إن القطاع غيرالمهيكل في المغرب يمكن أن يتحول إلى العمل في إطار القانون. - لكن ثمة من يؤكد أن الألبسة والمنسوجات المتأتية من الاستيراد غير المشروع تتوفر فيها شروط الجودة والسعرالمنخفض.. صحيح أن الاستيراد غير المشروع يستجيب لحاجيات شريحة معينة، لأن المستهلك يبحث عن السعر الأكثر انخفاضا، لكننا لاحظنا- وهذا لايخص المغرب فقط، أن بعض المنتوجات منخفضة الثمن، تضر بصحة المواطن. ولقد طلبنا من السلطات العمومية أن تعتمد نظاما يشبه البطاقة التعريفية بالمنتوج Etiquetage، لتفادي طرح منتوجات لا تحترم المعايير الدولية ذات العلاقة بالصحة والأمن. فالهدف هو أن تتاح للمستهلك إمكانية التعرف على خصائص المنتوج الذي يقتنيه، ونحن نحبذ أن يتم ذلك باللغة العربية. في قطاعنا نعمل لفائدة ماركات عالمية، وهذا يعني أننا يمكننا أن نوفر لسوقنا الداخلي المنتوجات بالجودة التي يطلبها. يمكن أن نرتقي بطريقة عملنا ونكون تنافسيين، لكن لا يمكننا أن نحارب الأشخاص الذين يقومون بالغش في الضريبة على القيمة المضافة وحقوق ورسوم الجمرك. علما أن المصنعين في القطاع يفون بكل الالتزامات التي يفرضها القانون.
- كيف يمكنكم أن تقنعوا المنتجين المحليين كي يتوجهوا للسوق المحلي كي تتم محاصرة المنتوجات المستوردة، خاصة التي تتم في إطار غير مشروع، علما أن الانطباع السائد لدى العديد هو أن الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة عبارة عن ناد للمصدرين فقط؟ الجمعية ملك الجميع، وأولئك الذين يتوجهون بمنتوجاتهم للسوق الداخلي ومارسوا سياسة المقعد الفارغ أخطؤوا بسلوكهم ذاك. كان يجب عليهم أن يأتوا إلى الجمعية ويدافعوا عن مصالحهم. ويجب أن نقول إن المصدرين عرفوا الكثير من المشاكل، وكانوا أكثر دينامية. وكانوا يأتون إلى الجمعية التي تتبنى مطالبهم. أما المنتجون للسوق المحليون فلم يكونوا يطرقون أبواب الجمعية التي لم تكن في يوم من الأيام ناديا للمصدرين. أنا الذي أعمل لفائدة السوق الداخلي، أدرك أنه لا يجب ممارسة سياسة المقعد الفارغ أيا كان السوق الذي يتوجه إليه المنتج، نحن نهتم بالمصدرين والمنتجين للسوق الداخلي، ونهتم بالفاعلين في التوزيع، لأن التوزيع هي مستقبل القطاع . - إذن حضور السوق المحلي والمنتجين المحليين سوف يصبح حاضرا بقوة في خطاب الجمعية.. هل تتوقعون أن يقبل المنتجون للسوق المحلي بكثرة على الجمعية؟ الجمعية معروفة بأن أعضاءها هم الذين يشكلونها، فعندما يأتون نقدم لهم البرنامج الذي يكون موضوع نقاش حسب مصالح الأعضاء. لا يمكن أن نقول إنه ناد مغلق، بل هي جمعية مفتوحة أمام الجميع بدون أي استثناء، لكن تجلى أن بعض المقاولات قدرت لاعتبارات خاصة بها ألا تأتي إلى الجمعية. ونحن نسعى خلال الولاية الحالية إلى تجاوز ذلك الفصل بين السوق الخارجي والسوق الداخلي. نحن نواجه رهانات صعبة، لكننا نرى فرصا عديدة أمام القطاع، لقد تحدثنا عن سوق ب 70 مليار درهم، والمشروع الذي نسعى إلى تطبيقه سيفضي إلى مواكبة جميع المقاولات سواء كانت ترغب في التوجه للسوق الداخلي أو التصدير، فلا فرق لدينا بين المقاولات الصغيرة والكبيرة. حيث نتطلع إلى أن تمنح لها الوسائل كي تعمل ضمن قواعد الشفافية، مما يتيح لها التطور. يجب أن يستثمر الناس ويعملوا بجد من أجل عدم ترك هذا السوق في يد المستوردين. الفاعلون الذين يعملون في التصدير يمكنهم خلق ماركاتهم الخاصة والتوجه إلى السوق الداخلي، فلا يعقل أن تكتسح العلامات الأجنبية فقط السوق المغربي، لذلك يمكن للذين يعملون للسوق الداخلي أن يشمروا على سواعدهم كي يربحوا رهان هذا السوق. - لاحظنا خلال الجمع العام الذي عقد في الصيف المنصرم، أن المنتجين الذين يتوجهون للسوق الداخلي سجلوا حضورا لا فتا فيه، فماهي الانتظارات التي عبروا عنها؟ نحن بلورنا خارطة طريق أدركوا أنها تستجيب لانتظاراتهم، خاصة فيما يتعلق بالمعركة التي نخوضها من أجل الحماية المشروعة للسوق الداخلي ومحاربة الغش في الفوترة، ثم إن الجميع اليوم يسعى إلى مواجهة الصعوبات التي لها علاقة بالتزود بالمادة الأولية والخصاص على مستوى اليد العاملة الذي يعرفه القطاع، ويجب أن نشير إلى أننا لمسنا لدى منتجين محليين استعدادا للمرور إلى المنتوج منته الصنع. فالعديد منهم اكتسب خبرة كبيرة، عبر التقليد الذي تحدثت عنه، مما يساعدهم على الانتقال إلى مرحلة توفير منتوجات توجه للتصدير أو خلق ماركات خاصة بهم. غير أن العديد من المنتجين لديهم خوف من المساطر الإدارية والجبائية، في نفس الوقت هم يترددون للانتقال إلى العمل في إطار شفاف ما دام يتوفر على سوق يدر عليه مداخيل مهمة. - في الأشهر الأخيرة سجلت عودة الطلبيات إلى قطاع النسيج والألبسة، غير أن الكثير من التقارير تشير إلى ارتفاع سعر المادة الأولية في السوق الدولية، كيف تتعاطون مع هذه المفارقة؟ ارتفاع المادة الأولية ظاهرة دولية، ونحن نعاني منها مثل الآخرين، وهي تطرح إشكالية كبيرة بالنسبة للقطاعات، لأن لها تأثيرا سلبيا على تمويل المادة الأولية، فكما أن السعر ارتفع ثمة حاجة لزيادة على مستوى خطوط القروض. في نفس الوقت عندما تبيع لأحد الزبناء، تجد ّأنه لا يستطيع شراء كميات كبيرة بالنظر لعدم توفره على الوسائل المالية التي تخول له أخذ الكميات التي اعتاد شراءها في السابق. وهذا يربك السوق، حيث لا نعرف اللحظة التي يمكن أن نشتري فيها. - في نفس الوقت ثمة مشكل يكاد يصبح مزمنا في القطاع، والذي يتمثل في الخصاص على مستوى اليد العاملة، هل من حل قريب لهذا المشكل؟ منذ النصف الثاني من السنة الماضية، لاحظنا عودة الطلب، في نفس الوقت لمسنا خصاصا على مستوى اليد العاملة في جميع أنحاء المغرب، ونحن بصدد التصدي لإيجاد حلول لهذا المشكل، وسوف نقوم باتفاق مع مكتب التكوين المهني بإجراءات من أجل التكوين، في نفس الوقت سنحسس بأهمية القطاع الذي يتوفر على إمكانيات كبيرة للنمو، ويكفي أن تتم مواكبته بالتكوين . - اشتكى القطاع كثيرا من انصراف القطاع البنكي عنه، حيث لم يكن يوفر له التمويلات الضرورية، هل تتوقعون أن تتغير نظرة البنوك إلى القطاع، وما هي المساعي التي بذلتموها من أجل ذلك؟
الأبناك بدأت تغير نظرتها للقطاع، وقد قمنا في الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة، بمبادرات لدى تلك المؤسسات كي نطرح أمامها الإمكانيات التي يتوفر عليها حاليا. فمنذ سنتين لم يكف الإعلام عن الحديث عن أزمة تخترق القطاع، والحال أن هناك مقاولات تمكنت من تحقيق معدلات نمو مهمة. وبسبب الخطاب الذي ساد حول القطاع، رأينا أن الأبناك كانت تتردد في التعاطي معه بسبب هاجس التحوط ضد المخاطر، غير أنه منذ شتنبر توجهنا إلى بعض الأبناك التي وجدنا لديها تجاوبا كبيرا، حيث أدركت من منطلق متابعتها للقطاع أنه ذو مردودية مهمة في الفترة الأخيرة. وقد قمنا على مستوى الجمعية بتحديد إمكانيات جميع السلاسل التي يتوزع بينها القطاع، أي أننا عمدنا إلى تقييم السلاسل للتوقف عند إمكانياتها، وانكببنا على بنية السوق الداخلي، وهذا يعطي نتائج مهمة ويفتح آفاقا جيدة. وضعنا جميع هذه المعطيات أمام الأبناك التي تفهمت الوضع.