اضطرت ما يقرب من 128 أسرة «انتزعت» منها قطعها الأرضية في منطقة مجاورة للمدينة العتيقة بفاس، نهاية شهر دجنبر الماضي، إلى السفر على شكل جماعات عبر حافلات النقل الطرقي إلى العاصمة الرباط لإسماع صوتها إلى المسؤولين المركزيين بعدما «أتعبها» الاحتجاج في العاصمة العلمية، والحضور «المكثف» لجل أشغال الدورات الأخيرة للمجلس الجماعي للمدينة. وتزامنت الوقفة الاحتجاجية، التي نظمتها هذه الأسر قبالة مؤسسة البرلمان، مع انعقاد الجلسة العامة لمجلس النواب، وهي الجلسة التي تعقد كل أربعاء. وانتهت احتجاجات هذه الأسر، التي نظمت تحت تساقطات مطرية غزيرة باستقبالها من قبل برلمانيين عن حزب العدالة والتنمية، قبل أن «يفاجئها» البرلماني الاستقلالي حميد شباط، عمدة مدينة فاس، ب«اقتحام» القاعة التي احتضنت الاجتماع، مؤكدا بأنه سيتدخل ل«إنهاء» محنة ملاك أرض «جنان المنشية»، والتي بدأت منذ سنة 1984، عندما قرر المجلس الجماعي للمدينة اعتبار هذه المنطقة منطقة «خضراء»، مع التزام بتعويض الملاك ببقع أرضية في مكان آخر. لكن هذه الأسر، وأغلبها من الحرفيين والصناع التقليديين، لم تحصل على أي تعويض، وتحول ملفها إلى كرة يتقاذفها السياسيون الاتحاديون والاستقلاليون الذين «تناوبوا» على شؤون المدينة، قبل أن يدخل على خط القضية حزب العدالة والتنمية. وبتاريخ 4 غشت 1986 صدر مرسوم يأذن للدولة في أن تبيع بالتراضي قطعة أرضية مخزنية توجد بطريق عين الشقف، من أجل تسوية وضعية ملاك جنان المنشية. واتخذ المجلس البلدي في دورته العادية خلال شهر فبراير 1989 مقررا يوافق فيه على إجراء مناقلة عقارية بين الجماعة الحضرية لمدينة فاس وبين ملاك جنان المنشية، يتخلى بموجبه ملاك هذه الأرض عن قطعتهم الأرضية، مقابل تخلي الجماعة عن مساحة موازية تقتطع من الرسم العقاري ف/32. وبتاريخ فاتح أكتوبر 1991 صدر مرسوم صادق للجماعة على اقتناء قطعة أرضية من أملاك الدولة الخاصة من أجل تنفيذ الاتفاق المبرم بين الطرفين. غير أن أسر «جنان المنشية» وجدت نفسها تدخل متاهات الصراعات السياسية بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي. ودفع هذا الوضع هذه الأسر إلى مراسلة مسؤولين في وزارة الداخلية. وتحدث عامل عمالة فاس، في رسالة جوابية لإحدى هذه الأسر، في 18 يناير 2001، عن أن عملية المبادلة بشأن القطعة الأرضية الكائنة بطريق عين الشقف ذات الرسم العقاري ف/32 بقيت بدون مصادقة السلطات الإدارية المركزية، في حين أن ملاك جنان المنشية كانوا قد توصلوا بتاريخ 26 فبراير 1991 من رئيس المجلس البلدي لمدينة فاس بمراسلة تحت عدد 7188 يخبرهم فيها بأنه تم «تخصيص قطعة أرضية لملاك جنان المنشية ستقتطع من الرسم العقاري ف/2307 الكائن شمال غرب الطريق المؤدية إلى مسبح طريق عين الشقف كلم2». أما وزير الداخلية شكيب بنموسى، آنذاك، فقد أجاب عن سؤال طرحه عليه البرلماني لحسن الداودي حول نفس الملف بأنه سبق لمجلس بلدية فاس خلال دورة فبراير 1989 أن اتخذ مقررا يقضي بإجراء معاوضة مع الملاكين، يحصلون بموجبها مقابل التخلي عن بقعهم الأرضية على قطعة أرضية كائنة بطريق عين الشقف ذات الرسم العقاري 32/ف بعد اقتنائها من إدارة الأملاك المخزنية. وبمقتضى التقسيم الجماعي لسنة 1992 أصبح الملك موضوع المبادلة ضمن النفوذ الترابي للجماعة الحضرية لزواغة، التي عملت على أداء ما تبقى من قيمة اقتناء العقار وقامت باستخراج رسم عقاري في اسمها. وخلال دورتي 2002 و2003 اتخذت جماعة زواغة، التي كان العمدة الحالي حميد شباط هو الذي يترأسها، قرارا بإحداث تجزئة القرويين على العقار الذي كان من المفترض أن يكون موضوع المبادلة. وفوتت الجزء الأول من التجزئة لتمويل عملية التهيئة والتجهيز، وخصصت الجزء الثاني لإجراء معاوضة مع ملاكين آخرين استعملت أراضيهم لإعادة إيواء سكان دور الصفيح بباب السيفر. وقال والي الجهة في مراسلة له لإحدى هذه الأسر إن عقد المبادلة المذكور يتعلق بالرسم العقاري عدد ف/32، في حين أن الرسم العقاري الذي أقيمت عليه تجزئة القرويين هو 07/66991. أما رئيس المجلس الجماعي فقد عبر، في دورة شهر فبراير 2009، عن رفضه تنفيذ المبادلة المبرمة مع هؤلاء الملاك، موردا بأن الاتفاقية المبرمة بين المتضررين وبين سلفه الاتحادي محمد الدباغ ليس فيها أي ضابط من الضوابط القانونية، وأنها أبرمت مع المشتكين شهرين قبل الانتخابات من أجل استغلالهم، وبأن المجلس الذي يرأسه يمثل الاستمرارية فيما هو قانوني فقط. ودعا شباط هؤلاء المتضررين إلى تقديم شكاية ضد الرئيس الاتحادي السابق بالنصب والاحتيال، مبديا استعداده للشهادة أمام القضاء بصفته رئيسا للمجلس الجماعي لفاس. وبالرغم من أنه تقرر تحويل أرضهم إلى منطقة خضراء في سنة 1984، فإن المجلس الجماعي للمدينة قرر من جديد، في دورة أبريل 2010، بالمصادقة على قرار يقضي بتحديد الطرق العامة لتوسعة الطريق الرابط بين باب فتوح وباب الكيسة ونزع ملكية العقارات اللازمة لذلك، ومن ضمنها القطعة الأرضية رقم 2 المتعلقة بملاك جنان المنشية بمساحة قدرها 1676 مترا مربعا، مما يعني أن قرار نزع الملكية الجديد انصب على قطعة أرضية هي أصلا في ملكية المجلس الجماعي. وفي انتظار الحل، فقد تحولت هذه الأرض إلى «مستودع» لبعض التجار يضعون فيه قارورات الغاز ومواد البناء، كما أصبحت موقفا للسيارات. ومؤخرا أحدث فيها مكان خاص بحاويات النفايات.