لم يسبق لسكان طنجة أن رددوا شعارات احتجاجية في التاسعة صباحا، لكن ذلك حدث صباح أول أمس حين رأى الناس أن الشعارات أقل شيء يمكن أن يفعلوه، احتجاجا على هذا المنكر الكبير الذي تغرق فيه المدينة، منكر اسمه القطاع الصحي وعربدة سيارات الإسعاف. القصة بدأت عندما صدمت سيارة، تقودها امرأة، شيخا مسنا يبدو أنه جاوز الثمانين. صاحبة السيارة فعلت كل ما تستطيعه لتجنب الرجل، لكن القضاء كان له رأي آخر. سقط الرجل أرضا على مؤخرة رأسه وبدأ ينزف، وصاحبة السيارة أغمي عليها ولم تصدق ما حدث. المصاب فقد الوعي وظل ينزف من أذنه ورأسه. وبعد هنيهة، كان هناك الكثير من أفراد الأمن الذين اتصلوا بسيارة الإسعاف. تجمهر عدد كبير من الناس، ربما ليروا لأول مرة في حياتهم كيف يموت شخص مباشرة أمام عيونهم. كان من الممكن إنقاذ ذلك الرجل لو جاءت سيارة الإسعاف بسرعة، فالحادثة وقعت في شارع باستور، أي في قلب المدينة، وخمس دقائق كانت كافية لإنقاذ روح بشرية. لكن ما حدث يصعب على التصديق، فقد تأخرت سيارة الإسعاف لأكثر من ساعة، والرجل يحتضر، إنه موت معلن أمام عيون مئات من الناس الذين عرفوا وقتها ما هي حقيقة هذه البلاد، وما هي حقيقة هذه المدينة التي يكذب مسؤولوها عليهم ويسمونها قطبا اقتصاديا وقلب المغرب النابض والشريان الجديد للاقتصاد المغربي.. ربما تجب تسميتها «الشريان الجديد للتناقض المغربي». بعد ساعة، جاءت سيارة إسعاف وبدا ركابها وكأنهم استيقظوا توا من النوم. وعندما نزلوا لحمل الرجل، أو جثة الرجل، بدأ الناس يرددون شعارات عفوية تندد بالاستهتار بأرواح البشر، وأصيب كثيرون بغضب عارم على كل هذا النفاق الممارس في بلد لا يقيم أدنى اعتبار لأرواح مواطنيه. في المكان، كانت امرأة غاضبة تريد الإمساك بتلابيب سائق سيارة الإسعاف، وآخرون سموهم قتلة ومجرمين، لأن فقدان ذلك الرجل لروحه لم يكن بسبب الحادث، بل بسبب تأخر سيارة الإسعاف. لكن ربما يكون الذين جاؤوا على متن سيارة الإسعاف غير مسؤولين عما جرى، وربما يكونون بدورهم ضحايا لرؤسائهم، وربما تكون سيارة الإسعاف غير موجودة واضطروا إلى انتظارها. لكن في كل الأحوال، فإن مسؤولية ما جرى في المدينة يتحملها المسؤولون في هذه المدينة، من الألف إلى الياء. بعد الحادثة، ربما تكون سائقة السيارة وراء القضبان لأن مدونة السير الجديدة تنص على ذلك، لكن الذين ينبغي أن يكونوا فعلا وراء القضبان هم المسؤولون عن واقع الصحة والوقاية في المدينة. قبل هذه الحادثة، انجرفت التربة على عمال في ورش بناء في قلب المدينة، في الأرض التي كانت مخصصة لبناء مسجد فتحولت إلى مشروع تجاري. ورغم أن مقر الوقاية المدنية لا يبعد سوى بدقيقتين عن مكان الحادث، فإن عمليات الإنقاذ لم تبدأ إلا بعد حوالي ساعة، ونتيجة لذلك مات ثلاثة عمال، أحدهم ظل يغرق أمام ثلاثين من زملائه كانوا ينظرون إليه ويبكون بينما الماء يغمره شيئا فشيئا حتى غرق بالكامل واختنق. إنه موت آخر معلن لا يراه الناس سوى في الأفلام. وقبل ذلك، صدمت سيارة مسرعة طفلا في الطريق السيار بمنطقة طنجة المتوسط، وهي المنطقة التي تعرف أوراشا اقتصادية عملاقة، لكن ذلك الطفل البريء لا علاقة له بهذه الأوراش، لذلك ظل ينزف في الطريق السيار من الخامسة مساء وحتى العاشرة ليلا، قبل أن تأتي سيارة الإسعاف، وكأنها جاءت من المريخ، وتم حمل جثته الباردة إلى مستودع الأموات عوض حملها إلى غرفة الإنعاش. الذين يكذبون على الناس ويقولون إن طنجة ستسرق النجومية الاقتصادية من الدارالبيضاء، وأن ميناءها هو الأكبر في المنطقة، وأن أوراشها الكبرى مذهلة، وأنها نجمة جديدة في حوض البحر الأبيض المتوسط، هؤلاء عليهم أن يخجلوا قليلا من أنفسهم، لأن واقع طنجة مر. إنها مدينة يحكمها الفساد الإداري والانتخابي والعقاري والسلطوي... مدينة من دون أي أفق أو مستقبل، اللهم مستقبل وحوش العقار ولصوص المال العام وناهبي ميزانيات التنمية وتجار المخدرات الصلبة والمتلاعبين بأرزاق الناس وأمنهم.