لم يكن التهامي، الذي يمارس مهنة البقالة، يظن أن خروجه، الجمعة الماضي، لاقتناء بعض الحاجيات الضرورية لمتجره، سيكون اليوم الأخير في حياته، والذي سيفرق إلى الأبد بينه وبين زوجته خديجة، التي عقد عليها القران منذ 3 سنوات تقريبا، وأنجب منها طفله الوحيد مراد، وكان يتهيأ لتشييد منزل يستقر فيه رفقة أسرته الصغيرة، بعيدا عن منزل والده وإخوته، رغم أنهم كانوا يكنون له كل الحب والتقدير، ويتبادلون الاحترام فيما بينهم. معظم زبناء التاجر الشاب، الذي لم يتجاوز عمره 33 سنة، يشهدون له بالاستقامة وحسن المعاملة، ولم يتخيلوا لحظة واحدة أن تكون نهايته مأساوية إلى هذه الدرجة، وبهذا الشكل الفظيع، وهو ما جعل مظاهر الحزن والأسى تسود حي «الإرشاد» الذي يقطنه، حيث بدا الجيران جد مصدومين لهول ما حصل. «لم يكن أحدنا يتصور أن يذهب التهامي ضحية جريمة قتل بشعة، فقد كان صديقا للجميع، ولا يتوانى في تقديم المساعدة لكل من يحتاج إلى ذلك»، يؤكد أحدهم. كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا، حينما استقل التهامي سيارته الصغيرة، كعادته كل يوم، لاقتناء مادة الخبز بالجملة من إحدى المخبزات الكائنة في حي «الوفاء» بمدينة القنيطرة، الذي لا يبعد عن متجره سوى بأمتار قليلة، وما هي إلا دقائق معدودة حتى وجد نفسه في مواجهة شخص مسلح بقضيب حديدي وسكين يعترض سبيله، ويعتدي عليه بطريقة جد وحشية دون أدنى مبرر. وكشفت بعض المعطيات المتوفرة أن الجاني، الذي كان تحت تأثير الأقراص المخدرة، ظل يهوي على رأس الضحية بواسطة آلة حديدية بلا هوادة، وببرودة تامة، ثم قام بإلحاق جروح بليغة بوجهه وعنقه، وحينما تناهى إلى علم عائلة التاجر ما وقع لابنها، هرع الأب مهرولا إلى عين المكان، فوجد الجاني مستمرا في تنفيذ عمله الإجرامي، ولما حاول التدخل لإنقاذ ولده الملقى على الأرض، وهو غارق في بركة من الدماء، هدده المتهم بالسكين، محذرا إياه من الاقتراب، والمصير نفسه لاقته «فاطنة» شقيقة الضحية، التي شرعت في رجم الجاني بالحجارة لثنيه عن مواصلة اعتداءاته، التي لم تتوقف إلا بعد مجيء عناصر الدائرة الأمنية الثالثة، التي ألقت القبض على المتهم، فيما تم نقل التاجر في حالة غيبوبة على متن سيارة إسعاف إلى قسم العناية المركزة بالمستشفى الإقليمي. المحققون الأمنيون، وبعد انتهاء مرحلة البحث التمهيدي، والاستماع إلى أقوال الظنين في محاضر رسمية، أحالوا ملف القضية في بادئ الأمر على وكيل الملك لدى ابتدائية القنيطرة، قبل أن تتم إحالته مجددا على أنظار الوكيل العام باستئنافية المدينة نفسها، بعدما لفظ الضحية أنفاسه الأخيرة، أول أمس، بالمركب الاستشفائي الإدريسي متأثرا بالجروح والكدمات التي لحقته جراء هذا الاعتداء. وما يثير الاستغراب، ويطرح أكثر من عملية استفهام، هو مآل المسروقات التي تم السطو عليها في هذه العملية، ويتعلق الأمر بمبالغ مالية وهاتف نقال وأوراق السيارة وبطاقة بنكية، حيث لم يعثر رجال الأمن على أي منها رفقة الظنين، الذي يوجد حاليا رهن الحراسة النظرية بالسجن المدني المحلي، وهو ما يقوي فرضية وجود شركاء آخرين للمتهم، والذين من المحتمل أن يكونوا قد لاذوا بالفرار إلى وجهة مجهولة وقت قدوم الشرطة. وقد أمر محمد بن احدش، نائب الوكيل العام للملك، بناء على التقرير الإخباري الذي توصل به من طرف الدائرة الأمنية الثالثة، بإجراء تشريح طبي على جثة التهامي الدواح، لبيان أسباب الوفاة، وطبيعة الجروح والإصابات التي لحقته، وعلاقتها بأحداث الوفاة، والكشف عن الوسائل التي استعملت في ذلك، مكلفا الطبيب رئيس المكتب الصحي البلدي بالقنيطرة بإنجاز تقرير مفصل عن كل ذلك وتوجيهه إليه.