حكايات واقعية عاشتها، أو عايشتها، قارئات «المساء» ممن اخترن إخراجها من الذاكرة إلى الحاضر، ومن الكتمان إلى العلن علها تفيد أخريات. حلقات ننشرها هذا الصيف، لنساء يرغبن في اقتسام فرحهن كما حزنهن، نجاحهن كما فشلهن مع القراء. قبول، استسلام، وتنازل... هكذا بدأت علاقتي به، كنت يائسة حين أخذتني والدتي إليه، كان شيخا يدعي الوقار، يعطي الانطباع بأنه ورع، تقي، دائم الركوع والسجود، يقبل الناس يديه ويرجون دعواته وبركاته ويجدون فيه مثالا للصلاح والطيبة. متزوج له أبناء لكنه بالنسبة إلي كان شيطانا وليس إنسانا. دمر حياتي وجعلني لعبته، سلط شياطينه علي تملكتني ولم تكن لي سلطة على نفسي حين كنت أسقط بين يديه. كان كالذئب وكنت كالحمل الوديع في مخدعه، جئته طاهرة أول مرة بعدها أخذت الطهارة تتساقط يوما بعد يوم عني إلى أن أفل نجمها، أصبح الخجل يستحي مني لكل ما قمت به. بهذه الكلمات المتزاحمة، التي تحمل بين طياتها الوجع والأسف والندم ابتدأت «مليكة» كلامها قائلة: كنت جميلة، مفخرة لوالدي في باديتنا الكائنة بإحدى قرى الجنوب المغربي، كان كل شباب الدوار يتطلعون إليّ والكل يتوقع لي حياة سعيدة قرب زوج يقدر قيمة هذا الجمال. درست كما هو دارج في بوادينا إلى غاية المستوى السادس ابتدائي، كانت إمكانية متابعة دراستي واردة لكن والدي ارتأى أن أتوقف عن الذهاب إلى المدرسة لأن البنت ليس لها إلا الزواج في نهاية المطاف. ولأن التحاقي بمدرسة داخلية بعيدة عن بيتنا سيجعلني أحتك بالغرباء ومن ثم الانحراف كما يردد دائما، لذا جلست في البيت حسب أوامره أنتظر أن يأتي من يأخذني من يدي لينطلق بي في الحياة السعيدة التي تنتظرني، حسب توقعات الجميع. مرت الأيام وتأخر حدوث ذلك فلم يصبر والدي الذي كان يريد لي أن أتزوج بسرعة، لأن الفتاة التي لا تتزوج هي مثل الأرض البور حسب المنطق الأعوج السائد في قريتنا. كان مستعجلا ويا ليته لم يكن كذلك، فربما لو كان منحني فرصة سنة أو سنوات أخرى من الانتظار لما حدث لي ما حدث. طال بقائي في البيت، لم يكن لي من عمل سوى مساعدة والدتي في أشغال البيت والحقل، وتسليم أذني لها لأستمع إليها وهي تندب حظي المائل فنبكي معا. أثر كل ذلك علي ولكثرة التفكير فيه لم يعد النوم يزور جفني ليلا، كنت أبكي بصوت مكتوم كلما خلدت إلى النوم. استمر بي الحال هكذا لأيام إلى أن أخذ جمال وجهي يذبل من فرط البكاء والسهر، وبدأ اليأس والحزن يزحفان إلى روحي ويلونان تقاسيم وجهي بالتعاسة. حتى كان يوم زيارة قريبة لنا تقيم بقرية مجاورة لاحظت الحزن على قسمات وجهي فأسررت لوالدتي بنصيحة زيارة «فقيه» معروف عنه فك رباط الفتيات وتيسير زواجهن. كادت والدتي يومها أن تطير من الفرح بعد أن عثرت على حل لما اعتبرته أسرتي مشكلا. أخبرتني بأن أستعد لأننا في الغد سنذهب لزيارة هذا الفقيه المبارك، أخبرت والدي فبارك بدوره هذه الخطوة ومدنا بالمال وبعض الهدايا البسيطة لنقدمها له «باش يتهلى فينا» أكثر من غيرنا ويسرع في فك رباطي. وصلنا إلى بيت «الفقيه» الورع التقي كما يشاع عنه، وجدنا المكان مليئا بالنساء والفتيات اللواتي ينتظرن بدورهن بركاته، انتظرنا دورنا، دخلنا إلى غرفة ضيقة معتمة، بها فراش على الأرض، سرير متهالك للنوم، وركن به مجلس يستقبل فيه زبناءه، فهمهم قائلا: أستغفر الله العظيم، فأنا لا أصافح النساء. ثم طأطأ رأسه بعد ذلك وتظاهر بالتفكير للحظات بعد أن فهم من نظراتنا ما جئنا لأجله. ثم قال لوالدتي ابنتك مسحورة، هناك من عمل لها عملا سحريا شديدا جدا أوقف حالها ومن الصعب فك طلاسيمه إلا عندي، لا تقلقي سأخيب آمال من كانوا السبب في ذلك وستفرحين بها قريبا فهي تستحق كل السعادة. فرحت والدتي بكلامه وارتمت على يديه وقدميه تقبلهما همهم مجددا «أستغفر الله العظيم» أعطته المال والهدايا التي أحضرناها له معنا، وأمرنا بالانصراف. وطلب منها أن ترسلني باكرا ولا داعي للحضور معي لأن حصة علاجي وفك سحري ستطول. كنت أتوق لملاقاة الزوج الموعود الذي سيأخذني إلى دنيا الأحلام، لأعيش معه أدوارا لطالما لعبتها لوحدي في خيالي. استيقظت في الغد باكرا، هيأت نفسي وتوجهت إلى بيت الفقيه. استقبلني هذه المرة بنظرات جائعة غير تلك التي لاقانا بها بالأمس أنا ووالدتي، كلمني للحظات لتلطيف الجو، أمرني بالاقتراب منه، أمسك برأسي بين يديه وأخذ يتلو آيات قرآنية. لم أكن أفهم كثيرا كلامه الذي كان يسرع من وتيرته، كان كذلك ينتقل من سورة إلى أخرى ويخلط بينها، استمر ذلك لبضع دقائق ليخبرني بأنه يلزم أن أخلع ملابسي، فلكي يبطل الفقيه العمل السحري الذي وصفه بالخطير يجب أن يكتب على جسمي كله بعض التعاويذ وعندما ينتهي من ذلك يجب أن أستحمم عنده بماء مقروء عليه القرآن. تذكرت سهري وعدم نومي وأرقي جراء ما عشته وشرعت في خلع ملابسي، أدار الفقيه وجهه ناحية الحائط ثم أقفل نافذة كان يدخل منها النور، استدار ناحيتي وأنا أمامه عارية وضعت رأسي على كتفيه كما أمرني، وأخذ يتحسس جسدي، احتضنني بين ذراعيه وهجم على فمي بقبلات محمومة، جذبني نحوه بقوة وطلب مني أن أستلقي على الفراش، كان لا يكف عن ترديد أنه ينفذ أوامر الجن الذي سكن جسدي وأوقف حالي، ويقول: «هذه رغبته وليست رغبتي أنا فقط وسيلة لمساعدتك». لم أفهم ما يحدث لي. ولا كيف ينبغي أن أتصرف فقد كنت في العشرين وكان هو في السبعين، وثقت به ولم أشك للحظة أن شيخا مثله يدعي التقوى سيكون بهذا الانحطاط. استمرت دهشتي، هل أهرب، هل أصرخ هل أصدق أنه بصدد فك السحر وطرد الجن عني، لا أعرف!! وجدت نفسي مستسلمة له منقادة لأوامره، ألبي رغباته التي لم تقتصر على تلك الحصة بل استمر ذلك لأيام كنت أتردد عليه بمباركة من والدي اللذين كانا يظنان أنه يهيئني لأزف وأحقق أمنيتهم في رؤيتي عروسا. أحيانا كانت توصلني والدتي، وما إن تخرج وتغلق الباب حتى يسرع لاحتضاني، لا أنكر أنني أتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية ما حدث لي معه ولكن رغباتي المكبوتة كانت كالسائل القابل للاشتعال، طيشي وأزمتي كانا يسوقاني إليه كل صباح ليفعل بي ما يشاء. صرت أهم زبونة عند هذا الشيخ الذي كان يعالجني لكي أتزوج سريعا ولا أنحرف. بقينا على هذه الحال لأيام إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد كان هناك حمل في الطريق علاماته واضحة فاضحة، تقترب كما تقترب النار من الهشيم، لم يعد الأمر يحتمل الكتمان أصبح بطني ظاهرة للعيان. استفسرت والدتي عن الأمر فطمأنتها أن شيخنا المبجل أعطاني أحد علاجاته وهو ما جعل بطني ينتفخ، طمأنتها أنه أخبرني بأن بطني ستعود إلى طبيعتها. سيطرة هذا الدجال على عقول الناس جعلت والدتي تصدق كل ما يحكيه، فكلامه يحمل محمل الجد والاحترام والقداسة. استمر في استغلالي بالرغم من علمه بحملي. إلى أن كانت الفاجعة، يوم أخبرني بأنه لا أحد سوف يصدقني في القرية إن أخبرتهم أنه هو صاحب الفعلة. صدمت من هول ما سمعت، وقبل أن يفتضح أمري ركبت أول حافلة وهربت إلى المدينة لأنحرف ب«المعقول» هذه المرة. نعم ما زال في المغرب من يتوسل بالخرافات من أجل الوصول إلى الوهم.