في صيف العام الماضي، أصدر القضاء لائحة مسؤولين سابقين في المكتب الوطني للمطارات، ممنوعين من مغادرة التراب الوطني، من بينهم المدير السابق للمكتب، عبد الحنين بنعلو، ومدير ديوانه، أحمد أمين برق الليل، فبينما كان هذا الأخير يهمّ بالسفر إلى العاصمة الفرنسية باريس يوم 29 يوليوز 2010، أخبره رجال شرطة الحدود في مطار محمد الخامس بأنه «ممنوع من مغادرة التراب الوطني»، بسبب ورود اسمه في تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2008، والذي كشف فيه المجلس عن اختلالات كبيرة داخل المكتب الوطني للمطارات، خلال فترة تولي عبد الحنين بنعلو دواليب تسييره. من موظف إلى مالك شركات «حكاية» صعود «نجم» أحمد أمين برق الليل مثيرة للاهتمام، فقد كان مجرد إطار في وزارة المالية، ولكنه تمكّن، في فترة وجيزة، من أن يصبح مالك شركات في ميادين مختلفة داخل المغرب وخارجه، خاصة في فرنسا وفي جنوبإسبانيا، شركات تشكل «مملكة» أحمد أمين برق الليل، التي بناها في سنوات قليلة. كان برق الليل يحظى ب»عطف» لافت من لدن إدارة المكتب الوطني للمطارات ومن لدن مديره السابق، عبد الحنين بنعلو. وتُظهر وثائق في حوزة «المساء» بعضا من هذا «العطف» الذي كان يتمتع به برق الليل داخل المكتب الوطني للمطارات، وتظهر كيف ترقى ثلاث درجات خلال الفترة ما بين 2008 و2010. فقد ترقى من السلم «C 9»، الدرجة ال17، إلى الدرجة ال18 من نفس السلّم، سنة 2008، ومن الدرجة ال18 إلى ال19 في سنة 2009، ومن الدرجة ال19 إلى الدرجة ال20 من نفس السلم، خلال سنة 2010. يتواجد جزء من هذه «المملكة» في الديار الفرنسية، التي أنشأ فيها برق الليل عددا من الشركات. وتتوفر «المساء» على نسخ لوثائق تشير إلى أن أحمد أمين برق الليل، «الذراع اليمنى» للمدير العام السابق للمكتب الوطني للمطارات، عبد الحنين بنعلو، الذي عُزل من منصبه وعُوِّض بالمدير السابق للمدرسة الحسنية للأشغال العمومية في الدارالبيضاء، دليل الكندوز، بسبب الفضائح التي كشف عنها التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، يتوفر على خمس شركات داخل المغرب وعلى شركات أخرى في فرنسا، باسم أفراد من عائلته، بالرغم من أنه كان إطارا داخل المكتب ولا يمكن لأجره كموظف في المكتب أن يخول له امتلاك هذا العدد الكبير من الشركات... يتوفر برق الليل في المغرب على خمس شركات، منها واحدة متخصصة في الإشهار وأخرى في الإعلام وعلى شركة متخصصة في التصدير والاستيراد وأخرى متخصصة في التدليك الطبي والجمال وغيرها. كما يتوفر برق الليل على شركات في فرنسا باسم بعض أقاربه وأفراد من عائلته. من بين تلك الشركات واحدة متخصصة في مجال العقارات تحمل اسم «RUE VOLTA»، وهي في اسم أمين برق الليل وزوجته. ويوجد مقر هذه الشركة، التي أنشئت عام 2008، في العاصمة الفرنسية باريس. كما أنشأ أمين برق الليل، في شهر أبريل 2009، رفقة أفراد من عائلته، شركة متخصصة هي الأخرى في مجال العقار تدعى «SCI YZBLAYA» ويبدو اسم الشركة غريبا، لكونه مشكَّلا من الحروف الأولى من أبناء برق الليل الثلاثة: يزة وعالية وعبلة، شركات بنعلو بباريس ومالقا وماربيا وينطبق هذا الصعود الصاروخي أيضا على المدير السابق للمكتب الوطني للمطارات عبد الحنين بنعلو الذي أنشأ في سرعة البرق عدة شركات أسسها أو يديرها أو يمتلك حصصا فيها أو عضو من أعضاء عائلته، مثل «Developpement Internationale Natural Resources Junction» المعروفة اختصار ب «NRJI» و»STE Taqashams» و»STE Taqalight» و»STE Sigmatech Ingenierie» وغيرها من الشركات. وكشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن «وجود علاقات مصالح تجمع بين المدير العام وبين شركة NRJI، حيث قامت هذه الأخيرة بتجهيز المحطة الثانية لمطار محمد الخامس بمعدات الطاقة الشمسية وذلك لحساب شركة NAPS المناولة لشركة SGTM قصد إنجاز هذه الحصة»، وقدرت تكلفة معدات الطاقة الشمسية بحوالي 38.25 مليون درهم. وفضلا عن ذلك، كان عبد الحنين بنعلو يتوفر على شركة في فرنسا تحت اسم «ميرام» التي توجد في اسم زوجته سكنية الذويب التي تتوفر على 52 في المائة من الأسهم، ويتوفر أبناؤه الثلاثة أبنائه «مريم، الغالي والمهدي» كل على 16 في المائة من الأسهم، ومن خلال هذه الشركة كان يحصل على صفقات مع المكتب الوطني للمطارات التي كان يديره. بل إنه اشترى منزلا فاخرا في باريس وجعله مقرا لشركته. وبلغ المتر المربع الواحد لذلك المنزل حوالي 10 ملايين سنتيم. كما فضل عبد الحنين بنعلو أن يبني الجزء الثاني من «مملكته» في جنوب الجارة الشمالية إسبانيا، إذ أنشأ يوم 10 أكتوبر 2009، شركة تحمل اسم «Soto De Le Ventoux SL» في مدنية مالقا، برأسمال يقدر ب385 ألف أورو. وتتخصص هذه الشركة في بيع وشراء واستيراد وتصدير المواد الخاصة بديكورات المنازل والمكاتب. ويتوفر أمين برق الليل على شركة مسجلة في الجريدة الرسمية للسجل التجاري باسم «Muros De La Costa SL» تتواجد في زنقة خوان رامون خيمينث، إقامة كابري، في مدينة ماربيا الإسبانية. وتتخصص هذه الشركة في تأجير أو بناء أو استغلال محلات وشقق ومكاتب تجارية وشقق للاصطياف وإقامات وفنادق وغيرها. كما يتوفر عبد الحنين بنعلو على شركة أخرى في اسم زوجته، سكينة الذويب، وتحمل هذه الشركة اسم «Jardines Douieb SL»، يقدر رأسمالها ب60 مليون سنيتم ويوجد مقرها الاجتماعي في نفس عنوان شركة «Muros De La Costa SL»، أي في زنقة خوان رامون خيمينث في ماربيا، وفق الجريدة الرسمية للسجل التجاري، عدد 225، المؤرخ ب25 نونبر 2009. إخلال بأخلاقيات المهنة لم يكشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2008 إلا جزءا من «مملكة» أحمد أمين برق الليل، وكشف التقرير، أيضا، كيف أن مسؤولين كبارا داخل المكتب الوطني للمطارات لم يحترموا متطلبات واجب الخدمة، من خلال ممارسة عدد من هؤلاء المسؤولين، ومن بينهم برق الليل الذي كان يشغل حينها مدير الديوان، وكذا المدير السابق للمكتب نفسه، عبد الحنين بنعلو، أعمالا تجارية، بالرغم من أن نظام مستخدَمي المكتب الوطني للمطارات يمنع عليهم ذلك. وجاء في التقرير أنه «رغم عدم ذكره في ميثاق الأخلاقيات للمكتب، فقد تم التنصيص على واجب الخدمة الحصرية في الفصل 83 من نظام مستخدَمي المكتب الذي يحظر على أعوان المكتب القيام بعمل مهني آخر أو بعمل مدر للربح، كيفما كانت نوعيته»، كما يحظر نفس الفصل على مستخدَمي المكتب «التوفر على مصالح، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، وكيفما كانت التسمية التي تحملها في أي مقاولة توجد أو من شأنها أن توجد، في علاقة مع المكتب، إذا كانت هذه المصالح من شأنها أن تؤثر على استقلاليتهم». وهذا هو حال مدير الديوان السابق والمدير السابق للمكتب الوطني للمطارات وكذا مسؤولين كبار داخل المكتب، إذ كشف تقرير المجلس الأعلى للحسابات أنهم «لم يحترموا أخلاقيات المهنة، إذ أسس عدد منهم -بطريقة مباشرة أو عن طريق أفراد من عائلاتهم- شركات استفادت من معاملات مباشرة أو غير مباشرة مع المكتب الوطني للمطارات». ومن بين الشركات التي ذكرها تقرير المجلس الأعلى توجد «centre de remise en forme physiomins» و«ABS media» و»STE d'exploitation de franchising» و»STE de commercialisation d'objets publicitaires» و«AEROLIA» و»STE Brasamine» و«FORCEP» و«Dynamic House»... ولم يشر التقرير إلى أي شركة خارج المغرب. وقد أفرد تقرير المجلس الأعلى للحسابات فقرة تحدث فيها عن بعض الشركات التي أحدثها مدير الديوان. وجاء في التقرير: «تم الاستماع إلى هذا المسؤول من طرف المجلس الأعلى للحسابات، حيث أكد المعني بالأمر أنه كان مساهما في رأسمال شركة واحدة داخل المغرب هي «ديناميك هاوس»، التي تنشط في مجال الاستيراد والتصدير، والتي لم تستفد قط من أي طلبية من المكتب». إلا أن التحريات أكدت عكس ذلك، حيث استفادت هذه الشركة، على الأقل، من سندين للطلب، صادرين عن المكتب الوطني للمطارات سنة 2004، ويتعلق الأمر بالسند رقم 858/04، بمبلغ 166.380 درهم، وبالسند رقم 1451/04، بمبلغ 106.380 درهم. بالإضافة إلى ذلك، قام المعني بالأمر بتأسيس أو بالمساهمة أو بتسيير سبع شركات أخرى في المغرب على الأقل، فضلا على الشركة المصرح بها، لاسيما قبل التحاقه بالمكتب الوطني للمكتب الوطني للمطارات، أي خلال اشتغاله كموظف في وزارة المالية». وقد دافع عبد الحنين بنعلو، المدير السابق للمكتب الوطني للمطارات، على أحمد أمين برق الليل، الذي كان يعد «الذراع اليمنى» له داخل المكتب، واعتبر أن من حقه تأسيس شركات. وجاء في رده على ملاحظات مراقبي المجلس الأعلى للحسابات أن «المعني بالأمر (مدير ديوانه) يملك فعلا أسهما في الشركات المذكورة، إلا أنه ليس له أي دور فعال في تسييرها، وهذا يدخل ضمن حقوقه الكاملة. كما يجب التذكير بأن هذه الشركات لم تكن لها أي علاقة تجارية أو من أي نوع آخر، سواء مع وزارة المالية أو مع المكتب الوطني للمطارات، باستثناء «ديناميك هاوس»، التي حصلت على سندي الطلب سنة 2004. لكنْ، انطلاقا من سنة 2005، لم تربط أي علاقة بين هذه الشركة وبين المكتب الوطني للمطارات، كما لم تربط أي علاقة بين المكتب وباقي الشركات التي يتوفر فيها المعني بالأمر على مصالح». ونفى بنعلو أن يكون هناك تعارض بين مهام أمين برق الليل وبين تأسيس الشركات، لأن ذلك التأسيس تم قبل ولوجه المكتب الوطني للمطارات. غير أن الوثائق التي تتوفر عليها «المساء» تشير إلى أن عددا من الشركات التي أسسها ظهرت إلى الوجود حينما كان مسؤولا داخل نفس المكتب.
صراع برق الليل مع أخيه حول ممتلكات وأموال والدتهما باستثناء إصدار القضاء أوامرَه بمنع أحمد أمين برق الليل من مغادرة التراب الوطني، رفقة مسؤولين سابقين في المكتب الوطني للمطارات، فإنن التحقيق معهم بشأن الاختلالات التي عرفها المكتب خلال فترة تولي عبد الحنين بنعلو مقاليد التسيير داخله لم تُفعَّل بعد. وينطبق نفس الأمر على الشكاية التي سُجِّلت ضد برق الليل من قبل أخيه، محمد المهدي الإدريسي تفراوتي، بخصوص حرمان الأخير من الإرث الذي تركته أمه خديجة بنعمر، التي توفيت يوم 17 أكتوبر 2006. وورد في وثيقة حصلت «المساء» على نسخة منها أن أحمد أمين برق الليل أنكر أخاه وادعى أنه الوريث الوحيد لأمه، وهو الأمر الذي ترتَّب عنه حرمان محمد المهدي الإدريسي تفراوتي من حقوقه في الإرث، إذ إن أمه تركت مجوهرات وحليا وأموالا وممتلكات عقارية في كل من سويسرا وفرنساوإسبانيا وفي المغرب. تقول الوثيقة إن محمد المهدي ترفَّع في البداية عن القيام بأي إجراء قضائي ضد أخيه، في انتظار أن يتم حل الخلافات العائلية بطريقة حبية. والتقى في فرنسا بمحامي أمه، المعروف باسم نويل، وسلَّمه وثائق تثبت أنه ابن خديجة بنعمر. وجاء في الوثيقة أنه «لم يكن يعلم بوجودي قبل لقائه، وسلمه وثائق تثبت هويته وضمها إلى الوثائق، باعتباري ابنا شرعيا للسيدة بنعمر»، ثم يضيف نفس المصدر: «لقد صرح لي بأنه منذ الآن، فإن نصيبي في الإرث هو 50 في المائة». كان أحمد أمين برق الليل يتصرف في ممتلكات أمه وفي أموالها في حياتها، وبالخصوص، عندما كانت على فراش المرض، بل إنه قام بشراء ممتلكات بتلك الأموال وسجلها باسمه أو باسم أحد أفراد عائلته. ويطالب محمد المهدي أخاه بأن «يقوم بجرد كافة العمليات المالية التي قام بها منذ بدء مرض أمه وخلال مقامها في المستشفى (في ديجون ونانسي وفي مصحة فال أنفا ومصحة كاليفورنيا)، وبإعطاء معطيات مدققة عن الحسابات البنكية لأمي في الرباطوالدارالبيضاء وفي الخارج».