ما زالت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعيش على وقع المفاجأة التي أحدثها كتاب صدر هذه السنة يحمل عنوان «حقيقة ما حدث... داخل البيت الأبيض في عهد بوش وثقافة الخداع في واشنطن». وليس مؤلف الكتاب سوى أحد رجال بوش السابقين، بل الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض لمدة قاربت الثلاث سنوات، إنه سكوت ماكليلان الذي يكشف في كتابه هذا « كيف ضلل جورج بوش العالم وزور تقارير مخابراتية لكي يغزو العراق». لطالما كان بوش معجبا بالنساء القويات وأمي واحدة منهن. كان معجبا بحماسها وطاقاتها وصراحتها. وكان قد تم انتخاب والدتي في مكتب ولاية في نفس الوقت الذي انتخب فيه بوش لأول مرة كحاكم لتكساس، ومنذ ذلك الوقت أصبحا صديقين. سألني: «لماذا تريد أن تعمل معي؟» فأجبته: «لأنني أومن بك»، فقال: «الأمر لا يتعلق بي بل يتعلق بالأجندة التي أحملها»، فقلت له: «نعم سيدي، أنت على حق، هذا ما كنت أعنيه، فأنا أومن بأجندتك وقدرتك على القيادة، ويعجبني أسلوبك الذي من خلاله حققت ما حققته». ذهبت أبعد من ذلك وشرحت له كيف أن أبناء جيلي قد تعبوا مما يطبخ في الكواليس السياسية وأنهم يريدون رئيسا يترفع عن الصراعات بين الأحزاب ويهتم أولا بمصلحة البلاد، وهو الشيء الذي كان يفعله بوش داخل تكساس حتى في الوقت الذي كانت فيه العاصمة واشنطن تنحو في اتجاه آخر. من جهته، تحدث بوش عن أجندته، لقد كان يؤمن بشدة بأن البرامج الحكومية التي تكون مبنية على أهداف شرعية يجب أن تبلغ الأهداف المتوخاة منها. وتحدث عن درس سياسي تعلمه – وخاصة من خلال ولاية والده الرئاسية- ألا وهو أن الأهم هو النتائج، مشددا على أن الشعب والتاريخ يذكران الرؤساء بما حققوه وليس بكيفية تحقيق ما حققوه. حينها لم أع جيدا أن هذا المبدأ سيكون هو المهيمن عندما يصل بوش إلى كرسي الرئيس. بعد ذلك، تحدث بوش عن انتظاراته من الناطق الرسمي باسمه، وأهمية أن نناقش ما أنا موافق عليه أكثر من مناقشة ما أنا معارض له، وأهمية أن يتم التنسيق داخليا بشأن التصريحات العلنية حتى لا يفاجأ بها أي واحد من داخل فريق العمل. في النهاية، قال لي الحاكم: «لم أقرر بعدما إذا كنت سأخوض السباق الرئاسي، لازلت أفكر في الأمر»، وأضاف: «لكن لديك ما يكفي من الحدس السياسي، وسوف أحتاج إلى مساعدتك إذا ما قررت أن أجس النبض استعدادا للترشيح». فأجبته بأنني موافق، حينها أنهى بوش المقابلة وعرفت أنه تم تعييني. كنت مرتاحا، لأنني لم أرتكب أخطاء قاتلة. بدا كل شيء جميلا بالنسبة إلي في تلك اللحظة، فقد التحقت بفريق زعيم سياسي ناجح، قادر على تجاوز التطاحنات الحزبية وتوحيد الناس والوصول إلى نتائج إيجابية. لم يكن ثمة من سبب يدفعني إلى استباق الأمور وتوقع وجود مشاكل في الأفق. كنت حينها في سن الثلاثين، وكنت قد ترعرت على السياسة على المستوى المحلي في تكساس، عاصمة الولاية، حيث عملت على مستوى الولاية لما يقارب العشر سنوات، وخبرت جيدا معنى السياسة. لا أهمية لمن يملك أفضل الأفكار أو السياسات أمام من يفوز بالمعركة أمام الرأي العام. كانت الصراعات والخلافات والسلبية تفوز بمساحات كبيرة من اهتمام وسائل الإعلام، وكانت الأصوات المتحزبة والمتحمسة لإيديولوجياتها الخاصة تجذب الانتباه أكثر من تلك الداعية إلى التوافق بين الأحزاب وإلى برامج عقلانية. بصفتي أمريكيا جمهوريا، كنت أرى أن الديمقراطيين غير عادلين في تكتيكاتهم، لكن كان من الواضح أن كلا الطرفين، الجمهوريون والديمقراطيون، يتقاسمون المسؤولية في تدهور المناخ السياسي في واشنطن، حيث، أحيانا، تبقى الحملة الانتخابية مستمرة داخل البيت الأبيض حتى بعد انتهاء الانتخابات. لقد بلغت رئاسة كلينتون، بفضل الحملة الانتخابية الناجحة، إلى مستويات غير مسبوقة. بدأ الأمر في انتخابات 1992، عندما عمل فريق كلينتون على منع السخرية من مرشحهم أو التقليل من شأنه أو تحقيره مثلما حدث مع ميشال دوكاكيس عام 1988. القليل فقط من الديمقراطيين قاموا بحملات بشحنات عاطفية عنيفة خلال السنوات الأخيرة، خاصة وأنهم لم يصلوا إلى البيت الأبيض سوى مرتين من بين سبع ولايات. ولسوء الحظ، احتفظ فريق كلينتون بنفس سياسة التعصب لحزبه حتى بعد الوصول إلى البيت الأبيض، كانوا يستعملون كل الوسائل للرد بسرعة والتقليل من مصداقية كل من تسول له نفسه أن يهاجم إدارة كلينتون أو يتحداها. بالموازاة مع ذلك، كان الجمهوريون داخل الكونغريس، بقيادة نيوت غينغريش، المتأثرين بخسارتهم الانتخابات الرئاسية يردون عليهم بالمثل، فعملوا على تجريد الرئيس من قوته السياسية ومهاجمة النواب الديمقراطيين في الكونغرس عوض أن يعملوا على إيجاد أرضية مشتركة تتماشى وأولوياتهم السياسية. التركيز على اتهامات الرئيس بانعدام الشرف والأخلاق والفساد كان فقط جزءا مما قام به الجمهوريون لمهاجمة كلينتون وحلفائه، وطبعا اعتمدوا في ذلك على ثقافة فضائح البيت الأبيض اللامتناهية، مثل فضيحة فانس فوستر وواست ووتر وإف بي آي وطبعا فضيحة مونيكا لوينسكي الشهيرة. ربما لن يذكر التاريخ هذه الفضائح كوقائع ذات أهمية، لكن تأثيرها على الحياة السياسية في التسعينيات لا جدال فيه.