تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - عمري 27 سنة. وأنتظر مولودي الأول خلال شهر. مشكلتي أن طفلي هذا «فارسي». فهل يجب أن أخضع لعملية قيصرية؟ وما هي مضاعفات الولادة الطبيعية في مثل هذه الحالة؟. كثيرا ما تصبح المرأة الحامل نهبا للهواجس بمجرد أن تعلم أن وضع جنينها قبل المخاض ليس رأسيا بل هو وضع مقلوب. أي أن الجنين يتماثل في نهاية الحمل للخروج من الرحم بتقديم مقعدته (Siège) أو رجليه أو ركبتيه بينما يكون الرأس هناك في الأعلى أي في قعر الرحم. هذا الوضع هو أقل شيوعا من الوضع الرأسي الذي يتقدم فيه الرأس كامل الجسد، إذ لا يمثل سوى 3 % من مجموع الولادات ويعبر عن عدم تلاؤم بين محتوى الحمل. (الجنين) ووعاء الحمل (الرحم). فخلال الستة أشهر الأولى يكون الرأس هو الجزء الأضخم من الجنين. لذلك فإنه يستقر في المنطقة الفسيحة للرحم وهي قعره. لكن مع تهيأ الرحم للولادة وتغير مقاييسه وظهور منطقة الجزء الأسفل وهي منطقة تظهر عند نهاية كل حمل ثم تختفي، غالبا ما ينقلب الجنين فيدلي برأسه إلى الأسفل ابتداء من الشهر السابع. وعندما يعجز الجنين عن إنجاز هذه المهمة يصبح جنينا فارسيا، كما نصطلح على ذلك في عاميتنا. تثير وضعية الجنين هاته المخاوف لأنها تقترن في مخيلة النساء بعسر الولادة. وهذا صحيح. فالمخاض يكون أطول. كما أن الإشفاق على مصير الجنين يكون أكبر. لماذا؟ لأن الرأس بكل بساطة سيكون آخر ما يخرج من رحم الأم. وهذا الرأس هو أثمن عضو نراهن على سلامته خلال الوضع، لأنه يحتوي على الدماغ الذي ينبغي أن لا يتعرض للاختناق. وخروجه متأخرا يعني تعرضه للآفات أكثر. بل لا تعد الولادة شبه محسومة إلا بخروج الرأس فإذا تعذر ذلك بعد أن يكون باقي الجسد قد خرج، فإن العودة إلى الوراء وإجراء القيصرية يعد أمرا مستحيلا. فلا يكون هناك مناص من استكمال الولادة في ظروف كارثية وبأضرار فادحة تضر بصحة الجنين حالا ومستقبلا. ولذلك فإنه لا يسمح بالولادة الطبيعية في حالة الجنين المقلوب إلا بعد أن نستوثق بأنها ستمر بكل تأكيد في سلام وأمان. وهناك بالطبع عدة أسباب لهذا الوضع: أهمها ضمور الرحم وتشوهات الرحم الخلقية وارتخاء عضلة الرحم بسبب كثرة الولادات التي لا تستطيع الضغط على الحمل لأجل قلب الجنين في المراحل الأخيرة للحمل. كذلك يكون لتصلب الرحم نفس الأثر لدى المرأة التي لم يسبق لها الإنجاب. كما تحول بعض الأورام الليفية للرحم وبعض أكياس المبيض دون أن يأخذ الجنين وضعا طبيعيا حين تتحول إلى حواجز تعترض سبيل الجنين. كذلك يكون الجنين أحيانا مسؤولا عما وقع له. فعندما يرتفع منسوب سائل النخط أو يقل لدى الحامل وعندما يكون الجزء المنفلت من الحبل السري داخل الرحم قصيرا أو تتمركز المشيمة أسفل الرحم، فإن كل هذه الأوضاع تجعل الجنين مقلوبا أو فارسيا. لكن ينبغي أن لا ننسى كذلك أن التشوهات الخلقية لدى الجنين هي سبب أيضا لهذا الوضع بالإضافة إلى تعدد الأجنة كالحمل التوأمي والحمل الثلاثي والرباعي. . الخ. يجب أن يتم التشخيص قبل المخاض لأجل تجميع كل العناصر التي تسمح بتخيل مآل الولادة واختيار منفذها: هل يكون عبر العملية القيصرية أو من خلال المسالك الطبيعية؟ وهكذا فإن الطبيب يستفسر عن أوضاع الأطفال أثناء الولادات السابقة ويسأل إن كان لدى الحامل ورم ليفي معروف وما إذا كانت تشكو من ضيق في التنفس أو ألم تحت الأضلع لأن وجود الرأس في الأعلى يضغط على القفص الصدري. وخلال الفحص السريري يلاحظ الطبيب أن رحم المرأة يبدو عموديا كما أنه يكتشف بيديه أن محيط الرأس يوجد بالأعلى. بل ويمكنه أحيانا أن يحركه يمينا وشمالا ويسجل أيضا أن جزء الجنين الموجود مباشرة فوق الحوض هو جزء رخو لا يشبه في شيء صلابة عظام الرأس. كما أن دقات قلب الجنين تسمع على غير العادة فوق سرة الأم. لكن هذه المشقة لم تعد ممكنة اليوم. فالتشخيص أضحى سهلا بل بديهيا بمجرد إخضاع الحامل للفحص بالصدى. لابد أن ينبثق عن تشخيص جنين مقلوب بيان تفصيلي لتحديد كيفية التصرف الطبي في هذه الحالة. وينصب هذا البيان على الجنين والأم. الجنين: هناك بعض الأوضاع المقلوبة لا يتردد إزاءها الأطباء، فعندما يكون الجنين جالسا في رحم أمه على هيئة جلوس الخياط الذي يرتق الثياب، فإنهم يقررون في الولاياتالمتحدةالأمريكية العملية القيصرية مباشرة ودون انتظار. لكن الأمر ليس بهذه الصرامة تماما في فرنسا ودول أخرى. كذلك فإن الأطباء يبادرون بالقيصرية عندما يكون الجنين مقلوبا وتحين الولادة قبل الأوان. وذلك لحماية هذه الأجنة الهشة من أي رضخ إضافي تخلقه محاولة الولادة الطبيعية. لكنهم يختلفون كثيرا حول السن الأدنى والوزن الأدنى اللذين يسمحون تحتهما بالقيصرية، وهكذا يمكن القول إن الخروج عبر المسالك التوالدية يكون مسموحا به إذا جاوز سن الجنين 34 أسبوعا وقدر وزنه بأكثر من 2000 غرام ودون وجود عوامل خطورة أخرى. كذلك فإن الأطباء يحارون في أمر الجنين الفارسي الذي تأخر مكوثه داخل رحم أمه، خصوصا وأن استحثاث الوضع في مثل هذه الحالات يكون غير مقبول فيتركون للأطباء حرية القرار حالة بحالة. لابد أن أشير إلى أن هناك معادلات تعتمد بعض مقاييس الفحص بالصدى يمكنها أن تساعدنا في تقدير وزن الجنين. وهكذا فكلما خمنا بأن الوزن مرتفع كلما ملنا أكثر للقيصرية. لكن ملاحظة شخوص الرأس نحو الأعلى وانكفائه على الكتف من خلال تصوير راديغرافي يقود حتما نحو هذه العملية مخافة أن تعلق الرأس بعظام الحوض عند محاولة وضع طبيعي، خصوصا وأن الرأس تكون آخر ما يخرج للدنيا مما يجعل استكمال الولادة مستحيلا ويؤدي للتو إلى موت الجنين. الحامل : يشكل الوضع المقلوب خطرا لدى الحامل التي تلد لأول مرة. لذلك فإن غالبية الأطباء لا يغامرون ويقررون القيصرية قبل المخاض. بينما قد تلد المرأة المتعودة على الإنجاب بسهولة شبيهة بالوضع الرأسي. ومع ذلك فإنه ينبغي الاحتياط لدى المرأة التي بالغت في عدد ولاداتها نظرا لترهل رحمها. هذا وتضاعف سمنة الحامل المخاطر 3 إلى 10 مرات لدى الجنين. كذلك فإن أقل قامة مطلوبة لتجريب الولادة الطبيعية هي 1.55 م إلى 1.60م ولتفادي كل هذا يجب أن تخضع كل حامل لديها جنين فارسي لفحص الحوض بالمفراس scanner لتحديد سعة الحوض وما إذا كان قادرا على الولادة الطبيعية لكن الأمر لا يطرح التباسا لدى الحامل التي سبق لها الخضوع للقيصرية. إذ تقرر في حالتها للمرة الثانية إذا كان الجنين فارسيا ثم للأبد بعد ذلك كلما عاودت الولادة مستقبلا كيفما كان وضع الجنين. تكون القيصرية واجبة إذا كان هناك خلل بحوض المرأة أو كان الجنين ضخما أو كان الرأس مثنيا نحو الخلف أو كان الرحم حاملا لندبة سابقة أو كانت المشيمة منزاحة أو كان عجان المرأة ضيقا. وتكون شبه واجبة في حالة الولادة قبل الأوان أو كان لدى الجنين معاناة مزمنة أو سوء نمو وفي حالة الإنجاب الأول لدى حامل تقدم بها السن، وفي حالة وجود سوابق لعسر الولادة. أما في حالة تقرير الولادة بشكل طبيعي، فإن دور الطبيب يقتصر على مراقبة الوضع فقط الذي يجري بشكل تلقائي حيث يتدخل الطبيب بالقيصرية إذ لاحظ أن الأمور لا تجري على ما يرام. قطع العجان ضروري خلال الوضع الطبيعي. كما أن استخلاص الرأس يكون بتدخل الطبيب من خلال تقنيات معروفة.
مضاعفات الولادة الطبيعية ترتفع وفيات الأجنة المقلوبة مقارنة بالأجنة الأخرى في حالة المراهنة على الولادة الطبيعية وذلك بسبب الاختناق أثناء الوضع أو بسبب حمل هذه الأجنة لتشوهات خلقية أو جراء الولادة قبل الأوان. كذلك يعاني هؤلاء المواليد الجدد من عدة مضاعفات كطول الرأس بسبب الضغط لكن هذا الطول يكون مرحليا ويصير إلى زوال. وكذا ضمور زاوية الفك السفلي بسبب اتكائها على الكتف لزمن طويل. كما قد يعاني هؤلاء الأطفال من تصلب العنق ومن شلل وجهي ومن مشاكل بالورك ومن تشوهات بالأقدام وهناك مضاعفات عصبية كحدوث نزيف بالدماغ أو بالسحايا وشلل يهم الذراع بسبب جر أو قطع الألياف العصبية التي تحركه جراء ضغط على العنق لاستخلاص رأس الجنين من قبل المولد. كذلك قد يتعرض الجنين لكسور تهم الذراع أو الفخذ وإلى التواء الخصيتين عند المولود الذكر أو تشبع الشفرين بالدم لدى الأنثى. لكن بعض الأطباء يلاحقون هؤلاء الأجنة إلى أبعد من هذا حيث يسجلون لديهم تأخرا دراسيا واضطرابات تهم القراءة والكتابة والنطق وخصوصا لدى الذكور.