كثيرون لا يعرفون اسمها، كما لا يعرفون المهام المكلفة بها ضمن منظومة الحماية الاجتماعية للدولة، على الرغم من أن القرارات الخاصة بها تمس نحو 11 مليون مواطن، أي كل الأيدي النشطة في البلاد، دون احتساب ذوي الحقوق من الأرامل والأيتام. يتعلق الأمر ب«صناديق العمل»، التي ينتظرها وملفاتِها مصيرٌ مجهول، والتي تكلفت، لسنوات طويلة، بتدبير ملفات حوادث الشغل والأمراض المهنية. غير أن مشروع قانون المالية يبرمج لحذفها، مما يعني تسريح 95 في المائة من موظفيها وتفويت مهامها للصندوق الوطني للتقاعد والتأمين، الذي يوصف أسلوب اشتغاله بأنه يشبه «تعامل البنوك». «أود التأكيد على الدور الاجتماعي الذي تقوم به مؤسستكم في مجال الحماية الاجتماعية ومحاربة الفقر لدى الفئات الهشة، إذ أنه يتبيّن من خلال دراسة خريطة الفقر في المغرب تطابق تدخلات إدارة صناديق العمل مع المناطق الخمس ذات الأولوية التي حددتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والفئات الاجتماعية المستفيدة منها. وفي هذا الصدد، فقد حولت هذه المؤسسة 240 مليون درهم لهذه المناطق والفئات المستهدفة»... بهذه الكلمات، اختار جمال أغماني، في شهر مارس 2008، أن يخاطب موظفي صناديق العمل، منوها بعملهم الدؤوب وب»مهنيتهم العالية وروح المواطنة المسؤولة التي عبروا عنها»، طالبا منهم مواصلة المجهودات التي يبذلونها ومضاعفتها، حتى يتم رفع الحيف عن ملفات ضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية في مختلف ربوع هذا الوطن. لكن شيئا في «ملامح» هذه الصورة «الوردية» تغير وتحول اللون إلى سواد، بعدما تغير الخطاب من النقيض إلى النقيض وظهرت الصورة على حقيقتها عندما حملت المادة 18 من مشروع قانون المالية، الذي قدمه صلاح الدين مزوار لبرلمان الأمة، إعلانا صريحا عن «حذف المؤسسة، التي تُسيَّر بصفة مستقلة، والمسماة صناديق العمل وتفويت مهامها للصندوق الوطني للتقاعد والتأمين»، أربع سنوات بعدما عمل مشروع مماثل لقانون المالية في عهد الوزير الاتحادي -هو أيضا من حزب أغماني- فتح الله ولعلو نصا صريحا (المادة 16) على تفويت تلك الصناديق للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وقتئذ، لم تتعبأ الطاقات العاملة في الصناديق، ومعهم المهتمون بالدور الاجتماعي للدولة، لفائدة مواطنيها من العمال والموظفين وذوي الحقوق من الأرامل والأيتام ضد القرار، «لأنه الخيار الأنسب والأكثر واقعية وملاءمة لطبيعة المهام المنوطة بالصناديق»، وكل ما طالبوا به هو أن يتم دمج الصناديق الثلاثة في إطار مؤسسة عمومية تتمتع بالاستقلال المالي والشخصية المعنوية، تحت إشراف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. بهذا الإجراء، سيكون بإمكان الحكومة ضرب عصافير عديدة بحجر واحد، إذ ستتمكن من الحفاظ على ركن مهم من أركان خدمتها الاجتماعية المقدَّمة لآلاف الموظفين والعاملين والمستخدمين وستحافظ على مصير عشرات العائلات التي يعولها مستخدمو الصناديق المهددون بالطرد، كما أنها ستحافظ على التوازن المالي المطلوب لمهمتها الاجتماعية، لكون هذه الصناديق ذاتية التمويل ولا ترهق كاهل خزينة الدولة. بدون هوية لم يحدث شيء من كل ما ذُكر أعلاه وظلت الصناديق بدون «هوية» إدارية وعاشت خلال السنوات الثلاث الماضية تحت إشراف وزارة التشغيل، بعدما جاء قانون المالية لعام 2006 لينشأ «Segma»، التي هي عبارة عن مساطر محاسباتية تتلخص مهمتها في تدبير ميزانية التسيير الخاصة بالإدارة العمومية لصناديق العمل (الموظفين والمشتريات) ولا علاقة لها بالخدمات التي تقدمها الصناديق التي تدار بمنهج الحساب الجاري (compte courant) لدى الخزينة العامة، وكل ما نجحت فيه هو تمكين الحكومة من 230 مليار سنتيم من خزينتها الخاصة، التي يمولها القطاع الخاص أساسا، قبل أن يأتي مشروع قانون مالية 2011، الذي من المفترَض أن يكون مجلس المستشارين قد صادق عليه، ولا يكتفي بتفويت الصناديق إلى «CNRA»، بل يتم التداول حول تسريح 95 في المائة من موظفي الصناديق، عبر صيغة «المغادرة الطوعية»، وإلحاق الباقين بالهيئة الجديدة. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو ما السبب الذي يقف خلف تخوف الجميع، باستثناء الوزير أغماني بطبيعة الحال، من حذف صناديق العمل وتفويت مهامها للصندوق الوطني للتقاعد والتأمين، ما دام أن العزم قائم عند أغماني وزميله في حكومة عباس الفاسي، صلاح الدين مزوار، على حماية حقوق العمال وضمان تزويد الصندوق بالأموال اللازمة لدفع الواجبات القانونية لضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية وذوي حقوقهم في الأوقات المناسبة وضمن المساطر التي سيتم تطويرها بالتأكيد، حسب ما يصرح به مسؤولو القطاع في كل مناسبة؟ يحرص أطر الصناديق الثلاثة، من جانبهم، على تأكيد أن الحقيقة تكمن في زاوية أخرى، وما أسلوب تدبير الأزمة إلا دليل آخر على ذلك، فهم يؤكدون من جانبهم ل»المساء»، ابتداء، أن حساسية الموضوع ومسه مصالح آلاف المغاربة كانت «تفترض حرصا كبيرا من طرف الحكومة، وخاصة من الوزيرين أغماني ومزوار، على تدبير الملف بشكل علمي مهني يعتمد على خلاصات ونتائج الدراسات الجارية، والتي لم تنتهِ بعدُ، رغم مرور أكثر من 18 شهرا على الشروع فيها.. بما يحفظ مصالح الحكومة وموظفي الصناديق والمواطنين على حد سواء». لكن ما حدث في نظر مستخدمي الصناديق هو «ارتجالية واضحة المعالم في أسلوب تعامل الوزراء المتعاقبين على المالية والتشغيل مع الملف الحساس، دون مراعاة خطورة وأهمية الدور الاجتماعي للدولة ومصالح فقراء هذا البلد». فحكاية الصناديق، وإن كانت قد بدأت منذ 1927 بُعيدَ توقيع اتفاقية دولية حول الالتزامات الاجتماعية للدول المستعمِرة (بكسر الميم) ووضع أسس اشتغالها وتدبيرها القطاع من طرف بول لونكر، فقد ظلت هويتها الإدارية غير محددة، فلا هي تابعة رسميا لوزارة التشغيل أو أي وزارة أخرى، ولا هي تمتعت بصفة المؤسسة العمومية، بل عاشت فقط تحت أنظار وزراء التشغيل، وكل ما نجح فيه المشرع عام 2006 هو خلق «Segma» ووضع الصناديق تحت لوائها. ويأتي بعدها بسنة كاملة نص صريح في وزارة المالية يضمها، مرة ثانية، إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، قبل أن تبدأ الأزمة بظهور الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين في الصورة عام 2010، في المادة 18 المختصرة التي لا تسلط الضوء على تفاصيل المشروع وتداعياته، وهذا يعني -حسب موظفي الصناديق الغاضبين- إما أن هناك اتفاقا غيرَ معلن يدقق في مستقبل الموظفين وملفاتهم ويحفظ للدور الاجتماعي للدولة هيبته ووجوده، وإما أن الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين يتوفر على الطاقات البشرية والتقنية، التي ستمكنه من تدبير القطاع بدقة وكفاءة تماثل كفاءة الموظفين الذين اكتسبوا خبرة كبيرة، من خلال تدبيرهم شؤونَ الصناديق لسنوات طوال، وإما أن الأمر يتعلق، ببساطة، بقرار مرتجَل من طرف الحكومة، تم إصداره للاستفادة من مداخيل الصناديق التي يمولها القطاع الخاص أساسا ولا تستنزف مالية الدولة، بغض النظر عن باقي التفاصيل. «برودة» الحكومة مرة أخرى، ورغم حساسية الموضوع ومسه مصالح الأيدي العاملة وحرارة التساؤلات، واجهت وزارة أغماني -ومعها حكومة عباس الفاسي- الواقع بصمت مطبق. ويقول الغاضبون إنه لولا سؤال عابر في مجلس المستشارين، لظل الموضوع طي التجاهل، ولولا اهتمام بعض وسائل الإعلام به، لظلت تفاصيله تعتصر نفوس العاملين في الصناديق الثلاث والمهتمين بالموضوع. وقد حرص الوزير أغماني في جوابه على سؤال خديجة الغامري، عن الاتحاد المغربي للشغل، وسؤال عبد السلام اللبار، من الاستقلال، في نونبر الأخير في مجلس المستشارين، على تأكيد أن الهدف من حذف الصناديق وتفويت مهامها للصندوق الوطني للتقاعد والتأمين هو تأمين تطوير أداء وعمل هذا المرفق داخل منظومة الحماية الاجتماعية في المغرب وضمان تسريع وتيرة الحسم في الملفات المعروضة، إلى جانب ضبط موارده المالية. ولم ينس أغماني أن يوجه انتقادات لاذعة لموظفي الصناديق الثلاثة، وهي الانتقادات التي كادت تُرفَع ضده دعوى قضائية بسببها.. بعدما تحدث عن «خلل واسع يشوب العمل في تلك الإدارة» وعن توظيفات بالجملة تمت داخلها من طرف مسؤولين ووزراء سابقين، قبل أن يوضح أن «المغادرة الطوعية» هي الصيغة الأنسب لتسريح العمال، مؤكدا أن أغلبهم موظفون بصيغة التعاقد. وحرصا على توضيح رأي إدارة الصناديق وموقفها من انتقادات الموظفين ومن سلسلة الأشكال الاحتجاجية التي يخوضونها تحت لواء ثلاث مركزيات نقابية، نقلت «المساء» تساؤلات المستخدَمين إلى مسؤول بارز في الصناديق ووزارة التشغيل، فرفض الحديث بشأن الموضوع، مكتفيا بالقول إن القرار وتدبير تفاصيله وتداعياته هو من اختصاص وزارة التشغيل، وهي الوزارة التي اكتفت بالصمت إزاء ما يجري... وتبدو إدارة الصناديق في الوقت الحاضر بدون «مسؤول» يمكن الحديث معه حول المشكل القائم، بعد ترقية عبد الرفيع حمضي، المسؤول الذي تنتهي مهامه في فاتح يناير المقبل، إلى رتبة مفتش عام في وزارة التشغيل، وعدم تعيين بديل له. وقد ذل الوزير أغماني يتحدث في لقاءات جانبية مع إعلاميين عن الموضوع، مكررا انتقاداته لتدبير الملف من طرف الوزراء السابقين، وموضحا أن عدد الموظفين في الصناديق «مُبالَغ فيه»، وأن مكامن الخلل وتأثيراتها السلبية تستوجب رد فعل حاسم وصارم لمصلحة البلاد والعباد. اتجاه «معاكس» يسير موظفو الصناديق، بطبيعة الحال، في اتجاه آخر غير اتجاه الوزير ويؤكدون أن «التعامل مع أي خلل قد يكون موجودا في الصناديق لا يمكن أن يبدأ بالاستئصال من أول وهلة». وفي نظرهم، فإن الأمر ليس بهذه البساطة، وإلا فلماذا حرص الوزير على التنويه بأداء العمال وتحفيزهم على المزيد من العطاء في خطاب 2008، وعلى التأكيد على «الإنجازات البارزة» التي تم إنجازها داخل الصناديق خلال سنة 2010، في التقرير الذي قدم في البرلمان وتضمن «منجزات قطاع التشغيل برسم 2010 وبرنامج العمل برسم سنة 2011؟... سؤال مهم، إذ إن التقرير المشار إليه رسم صورة وردية «لا خلل فيها» عن الصناديق وعن الإنجازات التي حققتها فقط في العام الذي يوشك على الانتهاء، ومنها «انطلاق المنظومة المعلوماتية لتدبير ملفات ضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية، مما يشكل تحولا نوعيا ورقميا في مسار هذا المرفق»، و«الشروع في ضبط الموارد المالية لإدارة صناديق العمل» ومواصلة تأهيل الموارد البشرية للمرحلة التي ستقبل عليها الإدارة» و«الإعداد والشروع في تنفيذ المشروع المتعلق بمراجعة الزيادة في الإيراد بنسبة 20 في المائة»، و«تقليص مدة معالجة الملفات» و«الاستمرار في تبسيط المساطر المعمول بها» و«الاستمرار في تجربة الإدارة المتحركة» و«معالجة آلاف الملفات العالقة ودفع الواجبات المستحقة للكثير من ضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية وذوي الحقوق في الوقت المحدد»... فأين هو الخلل الذي تحدث عنه الوزير، إذن؟ يكمن الجواب في العدد المبالَغ فيه للموظفين في الصناديق، حيث يصل عددهم إلى 259 موظفا بعد وفاة أحمد الملياني إثر أزمة قلبية ألمّت به مباشرة بعد اندلاع المشكل ومشاركته زملاءه في الوقفات الاحتجاجية الأولى ضد قرار حذف الصناديق، وبالتالي فالتفويت وتسريح العمال هو الحل. فقد شكلت صناديق العمل، في نظر مسؤولي وزارة التشغيل، مرفقا لتوظيف عدد من «المحظوظين» و«المقربين» بشكل يزيد عن الحاجة إلى اليد العاملة الضرورية، مما أثقل كاهل الوزارة ماليا. هنا، يضعف صبر الموظفين الغاضبين الذين يسارعون إلى التأكيد أولا أنهم موظفون في إطار القانون الأساسي للوظيفة العمومية وليس في إطار تعاقدي، كما يصرح بذلك الوزير. وقد حصلت «المساء» على نماذج من قرارات التوظيف، التي تؤكد ذلك. ويقول الموظفون المحتجون إن اثنين منهم فقط تم توظيفهما عبر عقود، وهما المتصرف عبد الرفيع حمضي، الذي رقي إلى مفتش عام للوزارة، وشخص ثان. كما يضيفون أن الصناديق تمول من طرف القطاع الخاص، في إطار الالتزام بمبادئ قانون الشغل والحماية الاجتماعية للأجراء، ولا علاقة لميزانية الحكومة بأجورهم البتة. بل على العكس من ذلك، تعتبر الصناديق مصدرا هاما لضخ الأموال في خزينة الحكومة نفسها، وهي التي سبق لها أن حصلت على 230 مليار سنتيم من هذه الصناديق.. وقد أهلتها هذه المكانة الصناديق الثلاثة إلى احتلال الرتبة الثالثة في ترتيب المدخرين المؤسساتيين الأساسيين للدولة، بعد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وصندوق التوفير الوطني. ويكرر الموظفون تساؤلهم: لماذا يرفض كل من أغماني ومزوار إلحاق الصناديق بوزارة التشغيل أو بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟ وهو الإلحاق الذي سيخدم مصالح الجميع، عوض حذف الصناديق كلية وتسريح 95 في المائة من موظفيها، عبر صيغة المغادرة الطوعية وتفويت المهام للصندوق الوطني للتقاعد والتأمين الذي يتعامل مع بعض الملفات ملفات بطريقة توصف بأنها تشبه طريقة «البنوك»، حيث إنه لا يصفي إلا ملفات من التزم المشغل بدفع مساهمتها في الرأسمال المكون للإيراد، وبالتالي إذا عجز المشغل لأي سبب من الأسباب عن دفع تلك المساهمات، تذهب حقوق ضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية وذويهم في مهب الريح. معضلة التأمين كانت صناديق العمل، إلى حدود 2007، تؤدي بشكل تضامني تلك الحقوق، حتى في حالة عدم التزام الحكومة بدفع واجباتها، قبل صدور تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي أوصى بالانتهاء عن ذلك. في الوقت نفسه، يحذر مطلعون على الملف من تفاقم وضع الحماية الاجتماعية في البلاد، في حال ما إذا تم إقرار برنامج وزير المالية ونظيره في التشغيل، حيث تشير الأنباء إلى أن الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين نفسه يعاني أزمة تمويل جعلته عاجزا عن تسوية العديد من الملفات الخاصة بحوادث الشغل. وإلى جانب هذه الأزمة، فإن نحو 80 في المائة من أجراء القطاع الخاص والجماعات المحلية وحتى المؤسسات العمومية غير مؤّمنين ضد الأمراض المهنية، مما يعني ببساطة أن الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين لن يتعامل مع قضاياهم، ف20 في المائة من الأجراء فقط يستفيدون من إلزامية التأمين عن حوادث الشغل، و80 في المائة منهم محرومون من ذلك.. علما أنه في ما يرتبط بالتأمين عن الأمراض المهنية، فنسبة الموظفين الذين لا يستفيدون منه يقدر بنحو 95 في المائة !.. ووحده حكم قضائي قد يوازن الكفة، علما أن القانون يُلزِم وزير التشغيل بالتدخل لدى المشغل لوضع رأسمال مكون للإيراد لفائدة الموظف ضحية حادثة أو مرض مهني، والضغط على ذلك عبر ذعائر تهديدية. فالضحية الأول والأخير لحذف الصناديق الثلاث، حسب ما يؤكده الموظفون، هو المواطن البسيط، الذي كان ينتظر أن يتم تطوير آلية الحماية الاجتماعية في وطنه، فإذا بالقرارات تسير في اتجاه معاكس.
الإغلاق بدل توسيع الصلاحيات كان صندوق «الضمان» هو الذي يمنح التعويضات عن الأمراض المهنية، بالإضافة إلى حوادث الشغل، بل ويقوم أحيانا مقام المشغل المعسر أو شركة التأمين المفلسة، حتى لا تضيع حقوق العامل البسيط. أكثر من ذلك، وفي ما يرتبط بالأمراض غير المسجلة في اللائحة الرسمية، لدى صندوق الزيادة في الإيراد آلية مهمة للعمال تُمكِّنهم من «منحة» خاصة يحصلون عليها بعد اعتراف قاض مختص بمهنية المرض ويصدر حكما بذلك يصرف من الصندوق. وكما كان يجري أيام الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز، فإن صندوق الزيادة في الإيراد يصرف نحو 40 في المائة من الإيراد لفائدة المصاب بعجز كبير، كي يتمكن من استئجار من يقوم على خدمته، ويكمن المشكل فقط في طول المسطرة القضائية وتعقيداتها التي تتطلب وقتا طويلا. ينطبق الأمر نفسه على من تعرضوا لبتر أطرافهم، ويُصرَف كل ذلك من ميزانية الصناديق ولا تتحمل فيه ميزانية الحكومة «سنتيما» واحدا... وفي ما يرتبط بالصندوق الثالث، وهو صندوق التضامن، فهو يوفر لضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية وكذلك لضحايا الحوادث المسلحة أو الإرهابية أو الانفلاتات الأمنية تعويضات مهمة، وهو الصندوق الذي عوض ضحايا 16 ماي الإرهابية من العمال والموظفين. وبحذف تلك الصناديق، يتضح حجم الخسارة، علما أن المهنيين والخبراء المطلعين على تفاصيل الملف لا يفتؤون يؤكدون أن وزارة أغماني، ومعها الحكومة، باعتبارها السلطة التنفيذية، كانت ملزمة بتوسيع صلاحيات الصناديق والعمل على لا مركزة مهامها وتقريبها من ضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية في مختلف مناطق البلاد، بالإضافة إلى إنشاء مؤسسة عمومية تعنى بتجميع معطيات دقيقة حول اليد العاملة في المغرب وتواكب معها أسباب الحوادث وتطور الأمراض المهنية وكيفية تحديد نِسب العجز والتعويض، بما يُمكّن من تطوير آلية الحماية الاجتماعية، التي لن تقوم بها أي مؤسسة غير الدولة، وإيجاد الحلول للمشاكل التي تعرقل تطور تلك الحماية في البلاد، ومنها حل معضلة التأمين، الذي لا يشمل حوالي 80 في المائة من الأجراء، وكذلك مشكلة إدماج ضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية في المجتمع. لا تهم القضية، إذن، 259 موظفا فقط، بل تمس ملفات آلاف المواطنين من ضحايا حوادث الشغل والأمراض المهنية، لذلك يؤكد موظفو الصناديق أنهم يستحق اهتماما أكبر من طرف الحكومة ويفترض إيجاد حل سياسي للمشكل، ضمن منهجية الحوار الاجتماعي، وليس «تهريبه» ضمن مشروع قانون المالية. وفي انتظار ذلك، تتواصل الاحتجاجات، ومن المفارقات أنها ستشمل، ولأول مرة، الاحتجاج قبالة مقر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.