مع كل ذكرى عاشوراء، تتوافد الجموع من الشيعة للاحتفال بذكرى معركة كربلاء، ولكن ما يسيطر على الأجواء ليس ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه في حد ذاتها، بل الجدل حول الممارسات التي تترافق مع هذه الطقوس والتي تقوم بها المجتمعات ذات المرجعية الشيعية في كل من البحرين والعراق. وبينما تتوافد مئات آلاف الزوار من داخل العراق وخارجه على مدينة كربلاء، للاحتفاء بذكرى مقتل الحسين وممارسة طقوس التطبير أو شج الرأس، أفتى أحد المراجع الشيعية الأربعة الكبار في العراق بحرمة التطبير وضرب الظهور بالآلات الحادة والمشي على النار خلال مراسيم عاشوراء، مشددا على ضرورة أن يكون التعبير عن إحياء المناسبة حضاريا. ونقلت جريدة «إيلاف» الإلكترونية، أول أمس الأربعاء، عن المرجع الشيعي الشيخ محمد اليعقوبي قوله -ردا على سؤال وجهه إليه من أطلقوا على أنفسهم «جمع من المؤمنين» بشأن بعض الشعائر التي تشمل أفعالا وأقوالا يمكن اعتبارها حراما وتشويها للإسلام، وخصوصا التطبير أي ضرب الرؤوس بالسيوف أو ما يسمونه «القامات» الحادة- إنه «لا يجوز في الشريعة القيام بكل عمل غير عقلاني أو فيه ضرر على النفس أو يوجب إهانة للدين ولمدرسة أهل البيت»، مضيفا أن «الإمام الحسين (بن علي بن أبي طالب) قد خرج طلبا للإصلاح في أمة جده صلى الله عليه وآله وسلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن أراد مواساته بصدق فليعمل على تحقيق أهدافه المباركة». وأشار اليعقوبي -وهو الأب الروحي لحزب «الفضيلة الإسلامية»، أحد مكونات «التحالف الوطني» العراقي- إلى أن أئمة الشيعة وضعوا طرقا «لإحياء الشعائر الحسينية وتجديد ذكرى عاشوراء بإقامة مجالس العزاء ونظم الشعر الواعي في رثائهم واللطم على الصدور، وليس منها التطبير وأمثاله كضرب الظهور بالآلات الحادة والمشي على النار ونحوها، فإنها تسربت إلينا من أمم أخرى». وأضاف قوله: «أما بالنسبة إلى التطبير وضرب الظهور بالآلات الحادة والمشي على الجمر ونحوها، فقد وجهنا أتباعنا ومن يأخذ برأينا إلى تركه والعمل على تجسيد المبادئ والقيم التي تحرَّكَ الإمام الحسين لإقامتها، وأن يكون تعبيرهم عن إحياء النهضة الحسينية حضاريا، لأن العالم أصبح كالقرية الواحدة، وقد أُمرنا بأن نخاطب الناس على قدر عقولهم». أما في البحرين حيث أكبر التجمعات الشيعية في الخليج، فإنه يدب خلاف كبير بين المسلمين الشيعة مع كل إطلالة لشهر محرم حول طريقة إحياء مراسيم مناسبة عاشوراء، ذكرى مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب حفيد النبي محمد. ففي الجزيرة، التي تعتبر الدولة الخليجية الوحيدة التي يُسمح فيها للشيعة بإحياء هذه المشاعر بشكل علني في الشوارع، يتركز الخلاف حول «التطبير» أو ضرب القامة بالسيف، وهو تقليد بدأ العمل به في العهد الصفوي بإيران في القرن السادس. وقد اختلف علماء الشيعة بين تحريمه وتحليله، ويستعين كل فريق بمصادره لإثبات صحة وجهة نظره. ويقود التيار الرافض لضرب الرؤوس بالأدوات الحادة علماءُ الدين المقربون من فكر رجل الدين الشيعي اللبناني الراحل، محمد حسين فضل الله، الذي كان يرى أن «التطبير» يشوه المذهب والدين، وكان يعتبره شكلا من أشكال إيذاء النفس، إلى جانب مخاطر انتقال مرض الإيدز بين الممارسين لهذا الطقس باستخدام نفس الأدوات الحادة. وقد حوّل أنصار هذا الاتجاه من شيعة البحرين «التطبير» إلى حملات للتبرع بالدم عوض إراقته دون فائدة، وساهمت هذه الحملة في زيادة مخزون بنك الدم بمستشفى السلمانية بمناسبة عاشوراء من كل عام. يذكر أنه في عاشوراء سنة 1431 ه الموافق ل27 ديسمبر 2009، خرج موكب تطبير في قرية الدراز بالبحرين، وقد تصدى له بعض الرافضين للتطبير، واندلعت مواجهات بين الطرفين فأصيب ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص إصابات متفرقة، نقلوا على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج، كما تضررت سيارتان أضرارا متفاوتة. ومن جانبهم، يصر أنصار ممارسة طقوس «التطبير» -والذين يقودهم «تيار الشيرازي»، وهم أقلية في البحرين- على مواصلته في يوم العاشر من محرم بشوارع البحرين، بل إن البعض يحوله إلى مصدر لفوائد دنيوية، بينها اكتساب الشجاعة وتعديل ضغط الدم واعتدال النبض وخفض كمية السكر في الدم. ويرى أنصار التيار الشيرازي أن وقف «التطبير» في عزاء عاشوراء «بداية وقف العزاء برمته». يشار إلى أن «التطيير» لفظ عامي مأخوذ من طبر الشيء بالسكين، واللفظ مستخدم في العراق وما جاوره من عرب الجزيرة الشمالية والجنوبية والخليج والأهواز، فيقولون طبر الخشبة أو العظم بالطبر (الفأس أو القدوم أو الساطور في الشام)، ويقصدون الضرب بالساطور وغيره من الأدوات الحادة. ويرى البعض أن للفظ أصولا تركية أو بابلية لأن طَبَرَ في العربية الفصحى لا تصح إلا بمعنى قفز واختبأ. والتطبير شعيرة دينية عند المسلمين الشيعة ضمن الشعائر المسماة بالشعائر الحسينية التي تقام من أجل استذكار معركة كربلاء والقتلى الذين سقطوا فيها، كالإمام الحسين بن علي وأخيه العباس. وتستخدم في التطبير سيوف وقامات أو أي أدوات حادة أخرى، فيضرب المطبرون رؤوسهم بهذه الأدوات لإحداث جرح لإسالة الدماء من الرأس، ويردد المطبرون أثناء التطبير كلمة «حيدر» والتي تشير إلى الإمام علي بن أبي طالب. يُعرف التطبير باللهجة البحرانية، المنتشرة في البحرين والقطيف، باسم «الحيدر»، إشارة إلى كلمة حيدر التي يرددها المطبرون. وحيدر هو أحد ألقاب علي بن أبي طالب. كما يسمى التطبير باللغة الفارسية «قمه زني». في باكستان والهند يُعرف التطبير بعدة أسماء منها «قمه زني» و»تلوار زني». ومن الشعائر الحسينية الشبيهة بالتطبير «سلسلة السكاكين»، ويكون بإدماء الظهر بسلسلة خفيفة من السكاكين. وهذه الشعيرة شعيرة مستقلة وليست من التطبير. وقد وقع الخلاف حولها كما وقع حول التطبير.