تعرض أزيد من 200 عامل وعاملة، أول أمس الأحد، لتسمم جماعي داخل شركة «ليوني» في مدينة بوزنيقة، إثر تناولهم وجبتي عشاء وغداء داخل مطعم الشركة. فبعد مرور خمسة أيام على ذكرى «الثلاثاء الأسود»، الذي عرف هلاك 32 عاملا وعاملة في شركة «ليوني» في مدينة بوزنيقة داخل حافلة لنقل المستخدَمين جرفتها مياه «وادي الشقيق»، عاش عمال نفس الشركة الذين يفوق عددهم 3600، كارثة تسمم جماعي كادت أن تتسبب في وفاة أرواح بشرية بريئة. وأكد مصدر طبي أن معظم المصابين غادروا المستشفيات التي أحيلوا عليها في مدن بوزنيقة، ابن سليمان والمحمدية، باستثناء 7 حالات في ابن سليمان، ومثلهم في المحمدية مكثوا فيها طيلة ليلة الأحد، بهدف متابعة حالتهم الصحية، وهي حالات حسب المصدر الطبي لا تدعو إلى القلق. وقد علمت «المساء» أن وجبتي العشاء والغداء كانتا تتكونان من وجبة رئيسية يتم اختيارها من بين ثلاث وجبات هي السمك وشرائح الدجاج أو الديك الرومي وسلطة وعصير معلب صناعيا. وقد حامت كل الشكوك حول وجبة السمك أو العصير المعلب، فيما اعتبر آخرون أن الزيت المستعمَل هو الفاسد، لكن مصادر طبية أكدت أن من بين المصابين من لم يتناول السمك. وقد أخذت الشرطة العلمية عينة من وجبة الغداء الأخيرة ، لكن بعض العمال أكدوا أن العينة التي سُلمت للشرطة العلمية لا تشمل كل ما تم تقديمه في وجبة الغذاء وطالبوا بإجراء بحث دقيق لمعرفة أسباب التسمم الجماعي، فيما أرجعت مجموعة من العمال سبب فساد وجبتَيْ العشاء والغداء إلى كون تاريخ صلاحيتهما قديما وإلى أن الشركة المكلفة بتغذيتهم أطعمتهم وجبات غذائية تعود إلى أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، وهي الأيام التي قضاها العمال والعاملات بدون عمل، حزنا على زملائهم ضحايا غرق الحافلة، والتي راح ضحيتها 32 عاملا وعاملة. وقد اختلفت أعراض المصابين ما بين حالات الإغماء والحمى والحساسية، التي نتج عنها احمرار في الجلد أو بروز «حْبوب» فوق سطح الجلد، والقيء العادي والقيء المصحوب بتجشؤ الدم والإسهال ومغص البطن... وكشفت مجموعة من العمال ل«المساء» أنهم يعملون منذ 14 أكتوبر الأخير بالتناوب، موزعين على فوجين، كل فوج يعمل 12 ساعة كل يوم من السادسة صباحا إلى السادسة مساء، ومن السادسة مساء إلى السادسة صباحا من اليوم الموالي، إرضاء لإدارة الشركة. وذكر بعضهم أنه لم يتوصل بتعويضات الساعات الإضافية التي اشتغلوها سابقا، وأنه سبق أن تعرض بعضهم للعقاب من طرف إدارة الشركة، بعد أن نددوا بضعف جودة المواد الغذائية المقدَّمة لهم، كما أن بعضهم سبق أن عثر على حشرات وبراغي (مسامير) في الأكل، وتساءلوا كيف لم يتم اكتشاف أي حالة تسمم في صفوف الإداريين، وكيف يتم إهمال التغذية وعدم مراقبتها، وخصوصا في الأوقات التي يكون فيها الإداريون والمسؤولون (أزيد من 340 شخصا) في عطلة. وقد تعرض حوالي 20 عاملا وعاملة للتسمم فجر يوم الأحد، بعد دقائق وساعات من تناولهم وجبة العشاء يوم السبت، تمت إحالة 7 منهم على مستشفى بوزنيقة، وأحيل بعضهم على إحدى المصحات الخاصة في المحمدية التي لها اتفاقية شراكة مع الشركة. واستمر تقديم نفس الوجبات في وجبة الغذاء يوم الأحد، حيث أصيبت مجموعة كبيرة أخرى. وقد أكد مجموعة من العمال، في تصريحات ل»المساء»، التي عاينت لحظة نقل المصابين، أن أعراض الإصابات المختلفة، ظهرت بعد ساعتين من تناولهم وجبة الغذاء وأن تلك الأعراض ظلت تطيح بالعمال والعاملات إلى حدود منتصف ليلة الأحد، حيث بلغ عدد المصابين أزيد من 180 حالة، تنوعت بين المصابين داخل الشركة والذين تم نقلهم إلى مستشفى المدينة، قبل أن يتم تسريح الحالات العادية، وبين المصابين بعد انتهاء عملهم ونقلهم إلى منازلهم، والذين تم نقلهم من طرف أفراد من أسرهم إلى مستشفيات وعمومية وخاصة. وقد رفض عادل بنخالد، المدير العام للشركة في الشرق الأوسط وفرعها في بوزنيقة، استقبال «المساء» التي زارت مقر الشركة، حيث كلف أحد الحراس الخاصين للشركة بتبليغها أنه مشغول، فيما حمل عبد الحق خملاش، المشرف على الإنتاج في الشركة، المكلف بإطعام العمال، المسؤولية، باعتباره لم يحترم الوجبات المبرمجة وأنه قام بتغييرها دون علم الشركة، وأكد أن وجبة السمك هي السبب في تسمم المجموعةالأولى. وقد استنكر علي لحبابي، المنسق الإقليمي لنقابة ال»ك .د. ش.» التي لها فرع نقابي داخل الشركة المعنية، طريقة تدخل إدارة الشركة بعد حادث التسمم الجماعي، وكيف أن مجموعة من عمال وعاملات الفوج الأول تعرضت للتسمم خلال تناولهم وجبة العشاء في الفترة ما بين الثانية عشرة والنصف والثالثة صباحا، وأن الإدارة لم تتدخل للبحث في الموضوع وأخذ عينات من تلك الوجبات الغذائية، ولا حين تقديم تلك الوجبات خلال الوجبة الغذائية الموالية التي أودت بمجموعة كبيرة من عمال وعاملات الفوج الثاني إلى مستشفيات المدينة والضواحي على متن سيارات الإسعاف وسيارات خاصة وعلى أكتاف بعض زملائهم. وأضاف أن مسؤولا إداريا اكتفى بوصف الحادث بحالة (هستيريا) أصابت العمال والعاملات، بينما اتهم مسؤول في الشركة المكلفة بتغذية العمال والعاملات الذين أصيبوا في البداية بأنهم تناولوا مخدر «المعجون»، قبل أن يلتزم الصمت حيال العشرات من الضحايا الذين ظلوا يتساقطون كأوراق الخريف داخل الشركة زوال ومساء وليلة أول أمس الأحد. وانتقد لحبابي ما وصفه ب»تعنت» الإدارة إزاء الحادث المفجع، وكيف أنه تم التخلص من العمال لحظة انتهاء حصة عملهم، دون أدنى متابعة لوضعيتهم الصحية وكيف تم استفزاز عمال الفوج الموالي، الذين قرروا الإضراب حينها عن العمل، بعد أن وقفوا على الإهمال واللامبالاة التي تعرض لها زملاؤهم الضحايا، كما أشار إلى غياب طبيبة الشركة والممرضة الوحيدة، بعد أن تم توفيت زميلتها في حادث غرق الحافلة، وإلى ضعف التجهيزات الطبية داخل مستوصف الشركة، إذ أكد أنه لا يتوفر حتى على قنينات الأوكسجين. واختتم المسؤول النقابي تصريحه ل«المساء» بالتساؤل عما أسماه «الطريقة الغامضة» التي تدار بها الشركة مؤخرا، مشيرا إلى أن جهات تحاول عرقلة مسارها وتهدف إلى إغلاقها ونقلها إلى خارج المغرب.