منذ فترة وعشاق الكاتب الأمريكي وعالم اللسانيات تشومسكي يبحثون عن كتابه «أسلحة كاتمة للصوت لحرب هادئة» للتعمق أكثر في الاستراتيجيات العشر التي تتحكم في الأفراد والشعوب كما جاءت في كتاب هذا المفكر الكبير وحتى يتفاعلوا مباشرة مع المتن. فهكذا -حسب تشومسكي- تلجأ أنظمة الحكم إلى مجموعة من الاستراتيجيات بهدف التحكم في المجتمع وتطويعه لرغباتها وأهوائها، بداية بالبرامج التي تدسها في وسائل الإعلام والتي تعتمد على «أسلبة» وتجهيل الفرد، وذلك بجعل كل هذه البرامج قائمة على عامل اللهو والتسلية والترفيه، وهو عنصر من الأهمية بمكان. فاستراتيجية التمويه هذه تصرف نظر المجتمع عن الأمور الهامة أو حتى الوعي بما يحيط به، ولاسيما القرارات التي تتخذها الحكومات، فهكذا ينصب اهتمام الفرد على سفاسف الأمور وقشورها ويبقى بعيدا عن المعارف الهامة مثل العلوم العصبية (النوروبيولوجية) والسبرانية والاقتصاد وعلم النفس والاتصال... إلخ. هذه الاستراتيجية تشغل انتباه أفراد المجتمع بمشاكل أخرى وتستحوذ على نظرهم إلى درجة أن يصير شأنهم شأن الحيوانات التي ترعى ولا تفكر! ثم تأخذ الاستراتيجية بعدا آخر، بحيث تقوم الحكومات بخلق مجموعة من المشاكل تجعل المجتمع في حالة حيرة، قبل أن تفرض عليه حلولا، يجد نفسه في أمسّ الحاجة إليها. ويتجلى ذلك بوضوح في قضية الإرهاب وتصوير الحالة الأمنية في أبشع صورها، لتأتي الحلول على حساب الحرية الشخصية، والكلّ راض عن ذلك، أضف إلى ذلك الأزمة الاقتصادية المفتعلة، بحيث يتبنى المجتمع نفسه هذه الاستراتيجية ويطالب بتنفيذ الإجراءات التي برمجها صاحب القرار مسبقا، وهي استراتيجية خلق المشاكل ثم إعطاء الحلول. عطفا على ما سبق وضمن استراتيجية أخرى، حيث يستعمل القانون كمقطوعة موسيقية تعزف على الأوتار النفسية للمجتمع، أي كلّما أرادت الحكومات أن تسنّ قانونا ما، تجعل له مراحل هي الأخرى عبارة عن جملة من الوضعيات السوسيو- سياسية، بل لإرضاء المجتمع بمخطط أو قانون، لا بدّ ألا يكون الأمر مفاجئا، مثل التعامل مع مشكل البطالة أو المعاشات. الإرجاء أيضا استراتيجية تعنى بخطاب التضحيات، فمن يريد أن يعيش في أمان لا بدّ له من أن يضحّي، والتضحية هنا بعكس الاستسلام للأزمات من أجل مستقبل أفضل، كما جرت عادةُ تبريرِ الوضع السياسي والاجتماعي الفاشل بشارات تجزم بأن الأزمة ستزول في المستقبل القريب، بفضل هذا المخطط. الإشهار هو الآخر استراتيجية في حدّ ذاتها، إن مخاطبة المجتمع بخطاب صبياني قريب جدا من السخافة ليس أمرا عبثيا، بل يهدف إلى جعل الفرد وكأنه ضعيف عقليا، أو كأنه ما زال يعيش سن المراهقة لا يعقل ما يحيط به. تُضاف إلى ذلك استراتيجية الانفعال في مقابل التفكير، وهي تقنية كلاسيكية تحجب الفرد عن استعمال الفكر وعن التحليل العقلي، وخاصة الرؤية النقدية، ثم العمل على إبقائه داخل دائرة الجهل والتفاهة، بل وتشجيعه على استثمار الحماقة والبذاءة لتعطيل ملكة الفكر. في غياب الوعي وروح النقد والمعرفة تستبدل الثورة بالشعور بالذنب، ويعتقد الفرد أنه هو المسؤول الأول والأخير عن وضعيته، وهذا ما يجرّه إلى الكبت والإحباط. فالمجتمع محكوم عليه سياسيا ونفسيا، إنه بعيد كل البعد عن مسيرة التقدم العلمي. لقد أصبحت الأنظمة الحاكمة مسيطرة على الأفراد أكثر من سيطرتهم على أنفسهم، بل إنها تستخدم آليات ومعارف في التحكم فيهم وضبطهم فاقت بكثير تقدم العلوم. إلا أن الغريب في الأمر هو أن كتاب «أسلحة كاتمة للصوت لحرب هادئة» المنسوب إلى تشومسكي قد أحدث ضجة كبيرة على الشبكة العنكبوتية وتناقلته المواقع العالمية ومحطات الراديو والتلفزيون في كندا وأمريكا اللاتينية وأوربا... في حين أن هذا الكتاب السيمولاكر لا أثر له إطلاقا ! وكخلاصة، كتبت إحدى المجلات الأرجنتينية: «لقد أجبر نص تشومسكي المنحول الكثير من الأرجنتينيين على أن يكونوا حذرين وعلى وعي بأن الحكام ورجال القرار يعاملونهم مثل البلهاء!».