أحالت عناصر المركز القضائي للدرك الملكي بسطات، صبيحة السبت الماضي على أنظار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بسطات، متهما من أجل الضرب والجرح المؤديين إلى الموت. وقد تم توقيف المتهم الذي ينحدر من دوار الكنازرة جماعة ريما التابعة للنفوذ الترابي لإقليم سطات، صبيحة الخميس الماضي بأحد البساتين المخصصة لزراعة الصبار، بعدما تأكد للضابطة القضائية أنه كان وراء مقتل زوجته إثر عرضها لحصة تعذيب بواسطة سلسلة حديدية. كان محمد في عقده الثالث عندما طلب يد فتيحة التي كانت تصغره باثنتي عشرة سنة كي تكون شريكة حياته، وتتحمل معه أعباء الحياة، كانت أمورهما العائلية تسير بشكل عادي، رزقا بأربعة أبناء، زادوا من صعوبة العيش خصوصا أن الوالد كان فقيرا، مما أجبره على البحث عن موارد أخرى تكفيه لسد متطلبات حياته اليومية. كان محمد يكتري بين الفينة والأخرى قطعا أرضية يعمل فيها طول السنة سواء بمقابل عيني أو غيره، لكن ذلك لم يكن يكفي لتغطية مصاريفه الشخصية والمتطلبات الضرورية لأسرته الصغيرة. نزاع دائم
أمام المتطلبات المتزايدة للعائلة، ولج محمد عالم الاتجار في «الماحيا»، ازداد دخله وازدادت مشاكله أيضا، أصبح مدمنا على احتساء «الماحيا»، كان يرتشف كؤوسا منها تنسيه ظلم الزمن وينسى معها ما يدور بمنزله، خصوصا ذلك الصراع اليومي بينه وبين الزوجة التي لا تتوانى دوما في تلقينه دروسا في تحمل المسؤولية والتكفل بالأبناء، ومع ذلك ظل الزوج على عادته، وطفق عند كل اختلاف مع زوجته يعرضها لحصة من الضرب والتعنيف، واستطاع محمد أن يذيقها صنوف العذاب، إذ كانت لا تقوى على مقاومته بعدما أصيبت بكسر في ظهرها جعلها تعيش شبه معاقة، الشيء الذي سهل على الجاني عملية تعذيبها دون أدنى مقاومة.
رسوب وإدمان تقدم محمد للانتخابات الجماعية الأخيرة كي يحظى بمركزمستشار داخل جماعة ريما، مرشحا عن دوار الكنازرة، لكن رياح صناديق الاقتراع جاءت بما لا تشتهيه نفس محمد، الذي أصبح يرى في نفسه شخصا غير مرغوب فيه، لاسيما أنه لم يتمكن من كسب ثقة الناخبين المحليين، أمام هذا الوضع المحرج والمهين بالنسبة لمحمد لم يكن من شيء يواسيه غير كؤوس من الماحيا وخلوة بعيدة عن أعين «الحاقدين» الذين كانوا يتجمهرون حوله أثناء الحملة الانتخابية، ركن إلى زاوية وساوسه، وابتعد عن الجميع، وأصبح يجد ضالته في زاده الذي لا يفارقه (السبسي والمطوي)، وبعض من كؤوس الماحيا، وما إن يلج باب المنزل حتى تبدأ مشاهد من النزاع الذي أضحى روتينيا مألوفا لدى الطرفين تنتهي فصوله دوما بحصص دامية من التعذيب تخضع لها الزوجة. حصص التعذيبية كانت الجريمة نتيجة حتمية لخلاف عائلي يتكرر بشكل شبه يومي، فالجاني كان يعرض زوجته للتعنيف كلما احتسى الماحيا مستغلا ضعفها الجسدي، فالضحية كانت تعيش شبه معاقة نتيجة كسر في ظهرها أفقدها 50في المائة من قواها البدنية، وقد سبق للجاني أن اعتدى عليها قبل عيد الأضحى بسلك حديدي، وبعدها عاود الجاني حصة تعذيبة أخرى ليلة 22/10/2010 بواسطة سلسلة دراجه هوائية كان يخبئها ليصفي حساباته مع الزوجة كلما دارت الخمرة برأسه، وشرع في ضربها بالسلسلة على مستوى الرأس والفم مما أفقدها الوعي، وفي صبيحة اليوم الموالي وفي حدود الساعة الحادية عشرة والنصف أخبرت الأم ابنتها بأنها تحتضر، وفي تمام الساعة 12زوالا فارقت الضحية الحياة، ارتعشت الابنة وهي تنظر إلى والدتها تودع الدنيا والحسرة تحرق قلبها، خرجت بعدها الابنة لتخبر الوالد بنبإ الوفاة، دخل الوالد مفزوعا ليرى زوجته وقد شحب وجهها والتحق بها ليتأكد من الخبر، وعلى التو اتصل بأخيه وأطلعه على ما جرى وأنه سيتوجه عند أصهاره لإخبارهم بوفاة فتيحة لكنه لم يفعل وتوجه إلى جهة مجهولة مما جعل الشكوك تحوم حوله . وصول الدرك إلى مسرح الجريمة
لحظة اقتراب عناصر الدرك الملكي من دوار الكنازرة كان محمد يقف بجانب الطريق ينتظرمن يحمله ويبعده عن مكان الجريمة، نظر في وجوه عناصر الدرك نظرة تأمل وقرب نهاية، لكن لحسن حظه أنهم لم يكونوا آنذاك يعرفون ملامح المجرم. وصلت عناصر المركز القضائي إلى مسرح الجريمة، حيث وجدت الضحية داخل غرفة نومها جثة هامدة ملقاة على ظهرها، وآثار الضرب والتعنيف بأنحاء مختلفة في جسمها، وعاينت عناصر الدرك دماء على حيطان وأرضية المنزل وغرفة النوم، وتم نقل جثة الضحية إلى مستودع الأموات الرحمة بالدار البيضاء، لإجراء تشريح طبي بعدما تبين للضابطة القضائية أن الضحية تحمل مجموعة من الكدمات وآثار العنف، وتم فتح تحقيق في الموضوع لمعرفة الخيوط الأولى للوصول إلى الفاعل الحقيقي الذي اختفى عن الأنظار فورعلمه بوقوع الجريمة، وتعرفت عناصر الضابطة القضائية من خلال تفحصها لألبوم صور العائلة على ملامح المجرم «الزوج» الذي لم يكن سوى ذلك الرجل الذي كان بجانب الطريق ينتظر سيارة تبعده عن مكان الجريمة، لحظتها أسرعت عناصر الضابطة لإيقافه لكنهم لم يجدوا له أثرا في ذلك الحين. إلقاء القبض على المجرم ولأن المجرم لا يبتعد كثيرا عن محيط الجريمة، عاد محمد صبيحة اليوم الموالي إلى الدوار ظنا منه أن الدرك لا يلاحقه قصد بيع ثلاث نعاج في ملكيته، وبالتالي يبتعد بما يكفي عن الكنازرة بعدما أصبحت حياته في خطر، دخل محمد الدوار متسللا ليتجنب سؤال أفراد القبيلة، لحظتها رآه أحدهم ليتم إخطار عناصر المركز القضائي للدرك الملكي بسطات، التي انتقلت على الفور إلى الكنازرة، حيث ألقت القبض على المتهم صبيحة الخميس الماضي، بعدما كان يختفي في أحد «جنانات» الصبار، واعترف لعناصر الدرك بالمنسوب إليه وقادهم إلى المكان الذي ألقى فيه أداة الجريمة التي هي عبارة عن سلسلة دراجة هوائية، كما تم حجزالملابس التي كان يرتديها الجاني لحظة ارتكابه الجريمة وهي ملطخة بالدماء. المسطرة والتقديم وضع الجاني تحت الحراسة النظرية لمدة 48 ساعة، مدة كانت كافية لعناصر المركز القضائي للدرك الملكي بسطات للوصول إلى حقيقة الجريمة واعتراف الجاني بالمنسوب إليه، استنادا إلى نتائج التشريح الطبي الذي أكد أن الوفاة كانت بسبب الكدمات والتعذيب بواسطة سلسلة حديدية، وتم إكمال المسطرة التي بموجبها تم تقديم الجاني على أنظار الوكيل العام للملك لدى استئنافية سطات يوم السبت الماضي من أجل الضرب والجرح المؤديين إلى الموت في انتظار أن تقول العدالة كلمتها في جريمة هزت سكون دوار الكنازرة.