استيقظ محمد، ذو التسع سنوات، حوالي السابعة صباحا على وقع طرقات على الباب. قَلب نظره يمينا وشمالا. والدته، التي كان ينام في حضنها، ليست في الغرفة، توجه نحو النافذة ليفتحها، وجدها مفتوحة، على غير العادة. أخرج رأسه الصغير من النافذة ليرى مَن الطارق. لم يكن زائر ذلك الصباح غيرَ البنّاء الذي كانت والدته قد اتفقت معه سلفا ليحضر في ذلك اليوم من أجل إجراء بعض الإصلاحات على البيت. طلب البناء من الصغير أن ينادي على والدته. بخطوات متثاقلة، مضى نحو بهو البيت باحثا عنها وهو يفرك عينيه، اللتين فتحهما بقوة لدى رؤيته والدته ملقاة في البهو وهي مغطاة. اقترب منها وهو يناديها طالبا منها أن تستيقظ.. لا تجيب. انحنى عليها، مقتربا أكثر من صدر دافئ بدا جامدا، أزال الغطاء ويداه ترتعشان، التهبت عيناه من مشهد أمه الغارقة في الدماء.. قفز مذعورا نحو الباب، مستنجدا بالطارق... رفض البنّاء الدخول، بعد أن استبدت بذهنه الشكوك وداهمته الهواجس، خاصة أنه يعرف أن أم محمد تمتهن الدعارة وأنها تخصص بيتها لذلك. أمسك بيد الصبي المذعور واتجه في الحال نحو أقرب مخفر للشرطة، طلب الصغير محمد من عناصر الشرطة مرافقته إلى منزله، حيث توجد أمه التي لا يدري ما إذا كانت حية أم ميتة، رفضوا الأمر وطردوه. لم يبق أمام البنّاء، وهو ينظر إلى الصغير، الذي غمرت عينيه الدموع، والذي بدا منكسرا، إلا أن يتصل ببنات الضحية، من أقرب مخدع للهاتف إلى مقر الشرطة. حضرت الفتيات الثلاث في الحال إلى المخفر وكرّرن سيناريو الاستعطاف أمام رجال الشرطة، من أجل مرافقتهم إلى بيت والدتهم، لمعرفة ما حدث. كانت فاطمة الزهراء، أصغر بنات الضحية، أول من دخل البيت لتصعقها صورة أمها، التي بدا مشهد رؤيتها وهي «تعضّ» على لسانها، الذي مال لونه إلى السواد، ورأسها الغارق في الدم، أمرا مروعا دفعها إلى الصراخ رفقة أخواتها. هرع الجيران لاكتشاف الأمر، علَت وجوهَ البعض منهم ممن شاهدوها وهي تفتح باب بيتها حوالي السادسة صباحا في انتظار «زبائنها»، كالمعتاد، علامات الاستغراب. مر من الوقت ما يقارب الساعة والنصف قبل أن تصل عناصر قليلة من الشرطة إلى مسرح الجريمة، بعد انتشار الخبر. حضرت بعدها سيارة الإسعاف التي نقلتها إلى المستشفى لإجراء التشريح، دون أن تلتقط لها أي صورة، أمام استياء الجيران الحاضرين، الذين استغربوا عدم قيام عناصر الشرطة بالإجراءات اللازمة وسماحها بنقل الجثة نحو المستشفى، على الرغم من أن الواقعة تتعلق بجريمة قتل وليس بحادثة سير... مرت أسابيع على «الحادث» الذي وقع في زقاق «الحناجرة» في أحد الأحياء القديمة لمدينة بني ملال. لم يُفْضِ البحث والتحقيق إلى خيط يوصل إلى نقطة من شأنها فك لغز الجريمة، لتُسجَّل الأخيرة، في النهاية، ضد مجهول، على غرار جرائم مماثلة شهدها الزقاق نفسه، الذي عُرِف بكونه مكانا تنشط فيه شبكات مختصة في ممارسة الدعارة. ومن بين أشهر تلك الجرائم جريمة قتل امرأة كانت تُلقَّب ب«مينة الوجدية»، والتي وُجدت مشنوقة بواسطة سروالها، في تسعينيات القرن الماضي. أكدت مصادر من المدينة أن الزقاق الذي شهد الحوادث المذكورة كان عبارة عن ماخور رسمي أنشأته فرنسا وكان مقصدا للفرنسيين واللمجنَّدين من المغاربة والسنغاليين. مع بداية الاستقلال، نجحت السلطات في القضاء على الظاهرة، غير أنه مع بداية التسعينيات، عاودت الظهور من جديد في شبكات اختارت «الاستقلال الذاتي» عن نمط مجتمع المدينة القديمة المحافظ. وذكرت المصادر ذاتها أن هذا الزقاق، الذي يستغرب السكان كيف عجزت السلطات عن السيطرة عليه، يضم ثلاث شبكات تتصارع في ما بينها حول من يستقطب أكبر عدد من «الزبائن»!... يوجد في زنقة «الحناجرة» ثلاث شبكات تتصارع في ما بينها على «السوق»، أشهرها تلك التي ظهرت في الشريط المتداول في بني ملال وعلى الشبكة العنكبوتية وبعض الصحف الوطنية والمحلية، والتي تدير منزلين للدعارة يساعدها في ذلك زوجها. وقد أصبحت الشبكات الثلاث المذكورة تملك عقارات ومنازل في نفس الزنقة، بعدما ضاق السكان ذرعا بممارسة الدعارة في الجوار وباعوا مساكنهم، فبدأت هذه الشبكات في توسيع «أنشطتها».