بمجرد أن تطأ قدماك دوار «إزيكي»، أحد أشهر الأحياء بمدينة مراكش, ينتابك شعور بالتقزز، وتخرج بخلاصة مفادها أن هذا الحي، المهم جدا بالمدينة، لم تصله رياح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. كل شيء في هذا الحي وباقي الأحياء المجاورة له تعتريها مظاهر العشوائية، عشوائية في تدبير قطاع النظافة بالمنطقة، وعشوائية في السعي للنهوض بالمرافق الرياضية والبيئية والصحية والأمنية... «الرحيل» إلى المدارس احتلال المِلك العام، يجد معه المواطنون صعوبة في المرور فوق الرصيف، نظرا لاحتلاله من لدن أصحاب المحلات والباعة المتجولين، فيضطرون إلى المشي وسط الطرق المخصصة للسيارات والدراجات النارية، مما يتسبب في حوادث سير بالجملة. عربدة وشجار لبعض السكارى والمشردين، الذين أضحوا جزءا لا يتجزأ من مظاهر اللاأمن الذي يعيشه دوار «إزيكي» من حين لآخر. روائح كريهة تنبعث من السوق العشوائي، وأزبال متناثرة في كل مكان، والسبب في ذلك هو ضعف أداء عمال الشركة المفوض لها تدبير قطاع النظافة وجمع الأزبال بالمنطقة. جولة قصيرة بالطرق المؤدية إلى المؤسسات التعليمية، التي يدرس فيها أبناء دوار «إزيكي»، ستعطيك انطباعا كما لو أنك تشد الرحال إلى مدينة الصويرة، أو منطقة أخرى تبعد عن الحي بعشرات الكيلومترات. وبالطريق المؤدية إلى المؤسسات التعليمية ترى بأم عينيك المئات من التلاميذ «يرحلون» إلى إعداديات وثانويات، أقربها يتطلب نصف ساعة للوصول إليها. كما أن الساكنة «ترحل» عشرات الكيلومترات للاستشفاء بالمؤسسات الصحية، ويضطر الشباب أيضا لقطع مسافة ستة كيلومترات للعب مقابلة في كرة القدم بجماعة «سْعادة»، بعد أن زحف العمران على كل شيء وغابت الرؤية الجمالية والمستقبلية عن المسؤولين، فأضحت هذه الأحياء أشبه بتجمعات إسمنتية تخنق الداخل إليها، ويرتاح الخارج منها. هذا ما دفع عبد المولى، رئيس جمعية «العلم والعمل التنموي» إلى التعليق على ذلك بالقول ل«المساء»: إن «الرحيل عنوان حياتنا ومماتنا»، فسكان دوار «إزيكي» يرحلون للعلاج والتداوي، ويشدون الرحال للتعلم والتعليم، ويرحلون للعب، ويسافرون لارتياد المجالات الخضراء، وإذا توفي أحد السكان فإنهم يكونون مجبرين على قطع حوالي 15 كيلومترا لدفنه. الأزبال بشتى أنواعها «تؤثث» الشوارع والطرقات، فيما لا أثر للشركة الإسبانية التي فوض لها تدبير قطاع النظافة بمقاطعة المنارة، التي يدخل دوار «إزيكي» تحت مجالها الترابي، بينما تتقاضى الشركة الإسبانية عن هذا العمل ستة ملايير سنتيم من أموال دافعي الضرائب كل سنة، الأمر الذي يجعل دوار «إزيكي»، قريبا من «المجال القروي»، بعيدا عن «المجال الحضري». روائح كريهة وطفيليات و«حكة» «مكرفسين أخويا ما نقدروش نفتحو الشراجم»، بهذه العبارة المخجلة استقبل مصطفى (40سنة)، الذي يمتهن تجارة الملابس المستعملة, «المساء», قبل أن يصر على تقديم الدليل على صحة كلامه الذي ليس إلا ابنته «هدى»، ذات 17 سنة، إذ تعاني الفتاة مند ثلاث سنوات من طفيليات جلدية تسمى ب «الحكة». يُرجع والد «هدى» هذا المرض الجلدي الذي ألم بفلذة كبده إلى الروائح الكريهة التي تنبعث من إحدى الحاويات الكبيرة القريبة من منزله، الأمر الذي أثر على بشرتها بصفة عامة ويدها بشكل خاص. الحالة المرضية التي لم تعد تفارق جسد الطفلة النحيفة اضطرت الوالد إلى إنفاق كل ما لديه من أموال، لكن دون جدوى. كما أن فاعلا جمعويا اضطر إلى نقل أربعة أشخاص مغمى عليهم، كشفت التحليلات أن أحدهم أصيب ب «السرطان» نتيجة هذه الروائح الكريهة التي أضحت تزكم الأنوف بمجرد دخول دوار «إزيكي». حاوية الأزبال على بعد كيلومترين لا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الأزبال أضحت تزحف إلى باقي المناطق التي تخلو من السكان والمارة، إضافة إلى الطرقات والشوارع، فأصبح معها الهواء النقي كنزا يتم البحث عنه بشق الأنفس. وتزيد من قتامة الوضع داخل دوار «إزيكي» وضعية الشوارع المحفرة، وهي صورة تتضح أكثر، عندما تقول محجوبة التي تقطن بدرب «إكدم» بحي «عرصة الحاج بلال» القريب من دوار «إزيكي» إنها تقطع كيلومترين من منزلها للوصول إلى الحاويات المخصصة لرمي الأزبال والموجودة على الطريق المؤدية إلى مدينة الصويرة. وقبل أن تنهي حديثها تدخلت «الحاجة فاطنة»، جارة محجوبة في الحي نفسه، لتسأل عن الشركة المكلفة بقطاع النظافة بهذه الأحياء، «التي لم أر لها أي دور يذكر» وأضافت أن الشاحنة التابعة للشركة الإسبانية لا تزور هذا الحي إلا مرة كل سبعة أيام. تردي أوضاع النظافة بمقاطعة المنارة وعدم التزام شركة «تكميد» ببنود دفتر التحملات الموقع بينها وبين المجلس الجماعي لمراكش، كان موضوع هجوم حاد من قبل عمدة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، وعدنان بن عبد الله، رئيس مقاطعة المنارة في دورة مجلس مقاطعة المنارة خلال أسابيع قليلة، إذ طالب العديد من المستشارين بفسخ العقدة معها ل «فشلها في تنفيذ التزاماتها التي تتقاضى عنها ستة ملايير سنتيم كل سنة». رشيد العلوي، مستشار بمقاطعة المنارة أوضح ل «المساء» أن الوضعية البيئية التي توجد عليها مقاطعة «المنارة» ودوار «إزيكي» هي نتيجة دفتر التحملات الذي نظم العلاقة بين المجلس السابق في عهد عمر الجزولي، وشركة «تكميد» الاسبانية، الذي يقضي في بعض بنوده بقيام الشركة بتغيير 10 في المائة من الحاويات، الموجودة بالمقاطعة، ويصل عددها إلى 3000 حاوية، أي أن الشركة ستقوم بتعويض 300 حاوية (بركاسة) كل سنة، وهنا يتساءل العلوي في تصريح ل «المساء» قائلا: هل سيتم إتلاف 300 حاوية في السنة من قبل المواطنين وشاحنة الشركة»، يجيب في الوقت نفسه بالقول «لا أظن ذلك لأن إتلاف 300 حاوية يتم على الأكثر في شهر واحد». مقبرة الكلاب الضالة وسط دوار «إزيكي» أطفال صغار منهمكون في الكشف عن حفر حفروها أمام منازلهم لجمع سائل الصرف الصحي، إذ إن الحي لا يتوفر على شبكة التطهير الصحي، رغم أن ميزانية الإنجاز مبرمجة منذ سنتين في إطار «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية»، في الوقت الذي شرعت فيه الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء «راديما»، منذ أسبوع تقريبا في إنجاز دراسة في هذا الشأن، يكشف عن ذلك عبد الناجي النجار، رئيس ودادية «عرصة الحاج بلال». ومما يفاقم تردي قطاع النظافة بدوار «إزيكي» هو مخلفات السوق اليومي العشوائي بامتياز، والذي يتحول بالليل إلى مرتع للجريمة والاغتصاب واعتراض السبيل وكل الشرور، وفي مقابله يوجد سوق عصري تعجز السلطات الإدارية منذ سنوات عن نقل الباعة إليه، هذا السوق أشبه بقنبلة موقوتة، نظرا لجمعه لكل المتناقضات، والذي لا تتوفر فيه أدنى شروط السلامة والصحة، فقد أضحى ملاذا للكلاب الضالة ومرتعا لها، وقد تحول اليوم إلى مقبرة لدفن عشرات الكلاب. غياب للثانويات والإعداديات «يوم الثلاثاء من كل أسبوع يعد كابوسا حقيقيا لي، إذ أضطر إلى قطع المسافة بين المنزل والثانوية أربع مرات، وفي كل مرة أستغرق 43 دقيقة للوصول»، يقول «محمد»، تلميذ بثانوية «ابن تومرت» بنبرة لا تخفي الأسى. ويستفحل الأمر أكثر بالنسبة للتلميذات خاصة في الفترات المسائية من فصل الشتاء، إذ يصبحن عرضة للهجوم واعتراض السبيل من لدن المجرمين، يوضح محمد في حديث مع «المساء». فأحياء ثلاثة تشكل المجال الحضري لدوار «إزيكي» لا تتوفر إلا على مدرستين، هما عبد الكريم الخطابي، وعبد الواحد المراكشي، وحالهما بعيد جدا عن رهانات المخطط الاستعجالي. فالمدرستان عبارة عن حجرات متآكلة بأسقف قديمة، بها ثقوب، وبعض النوافذ مغلقة بالبلاستيك المقوى، ومراحيض غاية في التردي من حيث النظافة، ويحيط بمدرسة عبد الواحد المراكشي، سور ترابي يعكس حجم الإهمال الذي تعرفه هاتان المؤسستان، رغم أن كل واحدة منهما تفوق مساحتها الهكتار. وقد سبق لبعض الفاعلين الجمعويين أن اقترحوا ضمهما وتشييد مدرسة ابتدائية بمساحة كبيرة، تليق بمستوى الأعداد الكبيرة من التلاميذ الذين يدرسون بهما، لكنه اقتراح مثل العديد من الأفكار لم تلق آذانا صاغية من قبل من يهمهم الأمر. حجم المعاناة يكبر ويبرز أكثر في مرحلة الإعدادي، إذ يصبح المئات من التلاميذ ملزمين بالتوجه إلى الثانوية الإعدادية «الشريف الإدريسي» كأقرب إعدادية قريبة بالمنطقة، ويتطلب الوصول إليها نصف ساعة على الأقل، وللوصول إلى الثانوية التأهيلية «الخوارزمي» بأزلي الجنوبية لابد للتلاميذ من قطع حوالي ثلاثة كيلومترات. مجرمون يفرضون قانونهم «لا تستقيم حياة بدون أمن»، هذا حال ساكنة أحياء «إزيكي 5»، ودوار «إزيكي»، و«عرصة الحاج بلال»، التي أصبح هاجسها الأول هو توفير الأمن، حيث يفرض المتشردون واللصوص والمجرمون ومتعاطو المخدرات، قانونهم الخاص بعدد من الأزقة وبالسوق العشوائي، وعلى مقربة من مكان وقوف حافلات النقل الحضري في فترات الصباح الباكر والليل أمام مخفر الشرطة الموجود بين حي «صوكوما»، ودوار «إزيكي»، المشيد منذ أكثر من سنتين دون أن يفتح للقيام بمهامه، بل إنه أصبح مكانا مفضلا للمجرمين لاصطياد ضحاياهم من الفتيات، وأصحاب الدراجات النارية، وتنشط أنواع السرقة والاعتداء بالسلاح الأبيض. أمام هذا الوضع يصبح التجوال وقضاء السكان لمصالحهم في فترات معينة صعبا. فهذه الأحياء مع ضعف التغطية الأمنية، يقول مصدر جمعوي ل «المساء» أصبح فيها الاستقرار صعبا فقد أضحت «أماكن استقطاب مفضلة لمجرمين من أحياء مختلفة، حيث ينفذون عملياتهم براحة وبكثافة». «إقبار» الأبطال يتحسر عبد الغفور، 36سنة، على واقع الفضاءات الخضراء والمساحات الرياضية بهذه الأحياء، ويتذكر كيف أنتجت الملاعب الرياضية بهذه الأحياء مند سنوات خلت لاعبين طعموا صفوف الكوكب والمولودية المراكشيين، من فرق صغيرة أنتجت نجوما كبار. وبدوار «إزيكي» كانت تنظم دوريات الأحياء بسبعة ملاعب، توزعت على هذه الأحياء الثلاثة، أما اليوم فلا وجود لواحد منها، أو كأنها لم تكن قط، إذ يضطر الشباب، من محبي كرة القدم، إلى الانتقال إلى جماعة «سعادة»، الموجودة على بعد ستة كيلومترات، للعب مقابلة في كرة القدم، هذا الواقع يجعل من الحس الرياضي لدى الشباب من أبناء المنطقة يضمحل ويندثر شيئا فشيئا. ويربط «عبد الغفور» بين هذا الواقع الرياضي المرير، وبين انتشار الجريمة والمخدرات وسط الشباب والمراهقين من أبناء هذه الأحياء، لأن الرياضة, التي تتطلب جسما سليما وتربي جسما قويا, تفترض التخلي عن المخدرات المؤدية إلى ارتكاب الجرائم. قبل أيام قليلة قام مسؤولون بمجلس مقاطعة «المنارة» حي إيزيكي بإنشاء ملعب للقرب، لكنهم لم يجدوا أي فضاء فارغ لتنفيذ ذلك. وكما تنعدم ملاعب الأحياء، والمرافق الرياضية الأخرى، كالمسابح ودور الشباب، فإن الحدائق والمساحات الخضراء، المتنفس الطبيعي الذي يمكن للساكنة أن ترتاده، ويشكل جوا صحيا للأطفال الصغار، لا أثر لها اللهم فضاءات تنتشر بها بعض أشجار الزيتون اليابسة، والتي تشوهها النفايات والأتربة الملقاة بجانبها.