اعتقد جيسي جاكسون، وهو أحد زعماء الأقلية السوداء داخل الولاياتالمتحدة، أن الميكروفون الذي كان معلقا على ياقة قميصه كان مقفلا، فالتفت تجاه الضيف الذي كان يجلس إلى جانبه داخل استوديو الأخبار بشبكة «فوكس نيوز» ثوان معدودة قبل بث مقابلة سياسية معهما على الهواء مباشرة، وقال بصوت خفيض: «أوباما رجل غير أسود ويتعالى على السود... إنه يزدريهم... لا أطيق سماعه وأتمنى أن أسحق خصيتيه بيدي هاته يوما ما»! تحولت تصريحات القس جاكسون هذه إلى عناوين بارزة في نشرات الأخبار المسائية داخل الولاياتالمتحدة طوال الأيام التي تلت المقابلة الصحفية التي أجرتها معه شبكة «فوكس نيوز». وتسببت التصريحات في إثارة عاصفة من ردود الفعل الشاجبة والتي أتى أولها من أقرب المقربين من جاكسون وهو ابنه «جيسي جاكسون جينيور» الذي يعمل ضمن فريق حملة باراك أوباما، والذي سارع إلى شجب ما تفوه به والده خلال دردشة عابرة اعتقد أن لا أحد سيسمعها، ولم يحسب حساب الميكروفون الذي كان مفتوحا ساعتها. جاكسون جينيور قال في بيان صحفي إنه سيظل يحب والده لكنه لن يقبل أبدا بمثل التصريحات التي أدلى بها في حق المرشح الديمقراطي. ولم ينتظر جاكسون الأب كثيرا، فقد سارع إلى الاتصال بقناة CNN وعمد إلى تقديم اعتذار طويل بنبرة نادمة، قال فيه إنه لم ينو أبدا الإساءة إلى أوباما لكنه حاول التعليق على خطابه الأخير الذي لم يكن وديا تجاه السود. وتعود قصة الخطاب إلى أكثر من ثلاثة أسابيع خلت، عندما ألقى أوباما كلمة أمام إحدى كنائس السود بمناسبة «يوم الأب»، وقال حينها : «نريد أن يعرف هؤلاء الآباء الذين يلدون أطفالا ثم يتخلون عنهم ويجرون وراء رغباتهم الشخصية أن ما يجعل منك رجلاً ليس القدرة على إنجاب الأطفال وإنما الشجاعة على تربيتهم وتنشئتهم.» وقد اعتبر بعض السود خطاب أوباما اتهامات مبطنة للآلاف من الآباء في الأقلية السوداء، الذين يعمدون إلى إقامة علاقات جنسية متعددة ينجبون بسببها الكثير من الأطفال من أمهات متعددات، ثم يتخلون عنهم ويرحلون بحثا عن علاقات جديدة. ورغم أن تصريحات القس جيسي جاكسون خرجت إلى العلن بسبب «غلطة» الميكروفون المفتوح، إلا أن الكثير من السود يعتقدون أن أوباما يفكر كرجل أبيض وليس كرجل من الأقلية السوداء، ويتهمونه بالتعالي عليهم وعدم تفهم ظروفهم الخاصة التي يعيشونها داخل الولاياتالمتحدة. أضواء الكاميرات حادث آخر ألقى بظلاله على حملة المرشح الديمقراطي خلال الأيام الماضية وكان بسبب مقابلة صحفية أجراها برنامج فني يحظى بشعبية كبيرة داخل الولاياتالمتحدة يدعى Access Hollywood مع باراك أوباما وزوجته ميشيل وابنتيه ماليا وساشا. أسئلة المقابلة كانت خفيفة بحكم أن أغلبية جمهور البرنامج تعد من جيل الشباب المفتون بحياة المشاهير القابضين بزمام الأمور في عالم هوليود الباذخ، لكن العاصفة التي أثارتها المقابلة لم تهدأ إلى أن اعتذر أوباما بنفسه عن المقابلة وتعهد بعدم تكرار الأمر في المستقبل. شرارة العاصفة بدأت باحتجاج بعض جمعيات الدفاع عن حقوق الطفل الأمريكية على إقحام أوباما لطفلتيه داخل معركته السياسية للوصول إلى البيت الأبيض، وسماحه لكاميرات التلفزيون بتصويرهما وإذاعة المقاطع المصورة على شبكات التلفزيون دون تغطية وجهيهما أو الاكتفاء بتصويرهما من الخلف فقط. بعد ذلك أعرب عدد من المراقبين لمدى احترام أخلاقيات الصحافة داخل وسائل الإعلام الأمريكية عن صدمتهم لسماح باراك أوباما وزوجته ميشيل بتصوير طفلتيهما دون احترام لخصوصيتهما كطفلتين غير بالغتين وغير قادرتين على اتخاذ القرار بإرادتهما إزاء الظهور على شاشة التلفزيون. بعض كتاب الأعمدة في الصحف الأمريكية اتهموا أوباما بالمتاجرة بابنتيه أمام العالم، فيما قال البعض الآخر إن أوباما لا يتردد في مهاجمة وسائل الإعلام واتهامها باختراق خصوصيات عائلته، خصوصا عندما تنتقد الصحف مثلا تصرفات زوجته ميشيل أوباما، لكنه هذه المرة وجّه دعوة وصفوها بالسخية لكاميرات التلفزيون من أجل اختراق خصوصيته وامتهان كرامة طفلتيه وعرضهما أمام ملايين المتفرجين طمعا في اجتذاب عدد أكبر من المصوتين لصالحه. وصمد أوباما في البداية أمام الانتقادات الواسعة لسماحه بتصوير طفلتيه أثناء المقابلة الصحفية، لكنه ما لبث أن تعب من ملاحقة الصحفيين له ودفعهم إياه للرد على كل الاحتجاجات التي تسببت فيها المقابلة، فقرر الاعتذار في بيان صحفي وجهه للرأي العام، وقال فيه إنه يعتذر عن قرار إشراكه لطفلتيه في مقابلته الصحفية وتعهد بعدم تكرار الأمر في المستقبل. وتأتي هذه الأحداث في وقت تشهد فيه الولاياتالمتحدة نقاشا ساخنا حول الأقلية السوداء، توّجته شبكة CNN التي تبث هذه الأيام، وسط حملة إعلانية غير مسبوقة، تحقيقا مطولا عبر حلقتين عن السود في أمريكا وعنوانه: «معنى أن تكون أسود في أمريكا اليوم». ومن المرتقب أن يتسبب التحقيق في إثارة نقاش عميق في هذه البلاد التي تحاول التكفير عن ماضيها «غير الشريف» مع الأقلية السوداء عبر احتمال انتخاب أول رئيس أمريكي أسود في تاريخ البلاد، رغم تشكيك البعض في مدى «سواد» بشرته ومواقفه السياسية معا.