تعاون مغربي إسباني يوقف داعشي في قرطبة    اختلالات الحكومة المغربية وشعرة معاوية    طوفان الأقصى: لا أمن بلا سلام    شهادة صادمة من طبيبين في محاكمة المتهمين بالتسبب في وفاة مارادونا    العاصفة "مارتينو" تضرب شمال المغرب بأمطار غزيرة ورياح قوية    الأمم المتحدة: 8938 شخصا على الأقل قضوا على طرق الهجرة عام 2024    من أجل فلسفة جذرية    دوري الأمم الأوروبية.. كرواتيا تغلب فرنسا وألمانيا تقلب الطاولة على إيطاليا    تقارير أمريكية: واشنطن تتجه لإنهاء مهام بعثة المينورسو في الصحراء المغربية    قيس سعيّد يقيل رئيس الوزراء كمال المدوري    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    كيوسك الجمعة | 33.636 أسرة استكملت بناء وتأهيل منازلها المتضررة بالزلزال    إفطار جماعي لفائدة النزلاء الأحداث وعائلاتهم بمركز الإصلاح والتهذيب عين السبع    بايتاس: متوسط التساقطات المطرية بلغ 113,9 ميلمتر إلى حدود 19 مارس    الحكومة تستعد لمؤازرة "الكسابة" بعد منع ذبح إناث الأغنام والماعز    فعاليات دينية مغربية في كوبنهاغن    استشهاد 591 فلسطينيا من بينهم 200 طفل وإصابة أكثر من 1042 خلال 72 ساعة    وزان تستنكر العدوان الصهيوني    ‬ندوة تلامس حصيلة تفعيل الأمازيغية    "ليلة القرآن" تشع في رمضان.. والتوفيق يُكرم حفظة وخُدام كتاب الله    برمجة تعيين أطباء بمشفى خنيفرة    المغرب ‬يعتزم توسعة مطار محمد الخامس بالدار البيضاء بتكلفة 15 مليار درهم    استعدادا لمبارتي النيجر وتنزانيا.. الأسود يشدون الرحال إلى وجدة    قرار حكومي يمنع ذبح إناث الأغنام والماعز    موقعة الحسم بين المغرب والنيجر .. الركراكي والزاكي في صراع التأهل إلى مونديال 2026    ميناء المضيق : ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 28 % مع متم فبراير الماضي    كيرستي كوفنتري تصنع التاريخ كأول امرأة وأول إفريقية تترأس اللجنة الأولمبية الدولية    بايتاس: الأمطار الأخيرة أنعشت آمال الفلاحين وستخفف أعباء الري والطاقة    جنوب أفريقيا.. مجموعة الدفاع عن استقلال كيب الغربية تتوجه إلى الولايات المتحدة لمناقشة تقرير المصير    حقيقة بناء عشوائي في المجمع السياحي سانية بلاج    إقليم الجديدة.. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية تواصل دعمها للتعاونيات الفلاحية النسائية    أمسية شعرية وفنية تحتفي باليوم العالمي للشعر في طنجة    بايتاس: متوسط التساقطات المطرية بلغ 113,9 ميلمتر إلى حدود 19 مارس    اليابان أول منتخب يتأهل إلى كأس العالم 2026    لليوم الثاني على التوالي.. احتجاجات حاشدة في تركيا ضد ديكتاتورية أردوغان (فيديوهات)    المغرب يدين بأشد العبارات خرق وقف إطلاق النار وتجدد الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة    إسرائيل توسع العملية البرية في غزة    4 ملاعب مغربية تحتضن "كان U17"    أرباح "سنلام" 418 مليون درهم    عمرو خالد: هذه شفاعات كبرى للنبي صلى الله عليه وسلم تنجي من أهوال يوم القيامة    رئيس الحكومة يترأس مراسم التوقيع على اتفاقية استثمارية مع المجموعة الصينية "صنرايز" الرائدة في صناعة النسيج    المغرب يدعو إلى جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل    سؤال الجمال    الراضي وهبة محمود تضعان خارطة الطريق للتعاون الثقافي المغربي – المصري    أخبار الساحة    دراسة: محبي السهر أكثر عرضة للتفكير السلبي والاكتئاب    عرض الفيلم المغربي "مطلقات الدار البيضاء" بالبنين    التوازن بين العقل والإيمان: دعوة لفهم شامل وعمق روحي.. بقلم // محمد بوفتاس    2025 سنة التطوع: بواعث دينية ودوافع وطنية    بعد 15 سنة من العطاء…اعتزال مفاجئ للمخرج المصري محمد سامي للدراما التلفزيونية    الصيام في رمضان.. علاج للروح وفوائد جمة للجسد    هذه تدابير مفيدة لجعل المنزل ملائما لمرضى الحساسية    أوريد: أزمة السياسة "ليست مغربية".. والشعبوية متحور عن الفاشية    عمرو خالد: هكذا يمكن تفادي الصراع والصدام واللجوء إلى الحوار والوئام    استئصال اللوزتين يحمي الأطفال من اضطرابات التنفس أثناء النوم (دراسة)    اليوم العالمي للشخير    عمرو خالد: جفاف القلوب أسوأ من شح الجيوب.. وهكذا يمتلئ خزان الحب    الشيخ أبو إسحاق الحويني يرحل إلى دار البقاء    









الجريمة والعقاب
نشر في المساء يوم 19 - 11 - 2010

لا أعرف إن كانت وسائل الإعلام الإسبانية ستكون لديها الجرأة على نشر الشريط المروع الذي وزعته وزارة الداخلية، مساء الاثنين، خلال الندوة الصحافية المشتركة التي نظمها وزيرا الداخلية والخارجية ودعوَا إليها جميع الصحافيين المغاربة والصحافيين الأجانب المعتمدين في الرباط.
14 دقيقة تفضح بالصور كل الجرائم المروعة والبشعة التي ارتكبتها ميليشيات الانفصاليين الموالين للبوليساريو في مخيم «أكديم إزيك» ومدينة العيون.
إن هذا الشريط -الذي سجلته كاميرات مصالح الداخلية والجيش بالطائرة، واعتمدت في تركيبه على صور التقطتها كاميرات الهواتف النقالة، والذي تجدونه في الموقع الإلكتروني ل«المساء»- أصدق أنباء من كل المقالات الملفقة والصور المزورة التي ظلت تنشرها الصحافة الإسبانية طيلة هذه الأيام.
إن أول ما يشعر به المرء وهو يتابع هذا الشريط المروع هو الانقباض والغثيان والتقزز.
كيف يستطيع الإنسان أن يتحمل رؤية أشخاص يوقفون رجل إطفاء يسوق سيارة إسعاف وينزلونه من السيارة ويضربونه بالقضبان الحديدية حتى الموت.
كيف يستطيع المرء أن يتحمل مشهد جمع أفراد من القوات المساعدة داخل المخيم ورجمهم بالحجارة وركلهم بالأرجل وطعنهم بالخناجر والسيوف حتى الموت.
كيف يستطيع المرء تحمل رؤية شخص يفتح سرواله ويتبول على جثتي فردين من أفراد القوات المساعدة، قبل أن يدير وجهه ويركض منتشيا نحو زملائه؟
كيف يستطيع المرء أن يتحمل المشهد الوحشي والمريع لعملية ذبح أحد أفراد القوات المساعدة من الوريد إلى الوريد وسط شوارع العيون، وتركه يتخبط في دمائه أمام أنظار قاتليه؟
إن الجثث والجرائم التي ظلت تبحث الصحافة الإسبانية عن صورها دون أن تعثر عليها توجد في هذا الشريط، لكنها، لسوء حظ الصحافة الإسبانية، لم تكن جثث المدنيين التي ظلوا يكذبون بها على قرائهم، وإنما جثث قوات الأمن المغربي.
فهل ستكون لهؤلاء الصحافيين الإسبانيين الجرأة على الاعتراف أمام قرائهم بأنهم كانوا مخطئين عندما اعتبروا هؤلاء المجرمين، الذين يذبحون الجثث ويتبولون عليها، أبطالا يدافعون عن الكرامة؟
هل سيعتذرون عن إلصاقهم تهمة قتل المدنيين الصحراويين بالأمن المغربي، في الوقت الذي يرون فيه بالصورة الواضحة كيف أن رجال الأمن تم ذبحهم بدماء باردة والتمثيل بجثثهم بأبشع الطرق وأحطها. مع أن الأمن المغربي كانت لديه الإمكانية لسحق هؤلاء المجرمين وإردائهم بالرصاص الحي، بسبب بشاعة الجرائم التي ارتكبوها؟
كيف سيبررون أمام قرائهم لمعان السيوف والخناجر في أيدي هؤلاء القتلة الذين قدموهم إلى قرائهم كفرسان للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟
كيف سيقنعون قراءهم بشرعية ذبح رجال القوات المساعدة كما تذبح الخرفان؟ كيف سيجرؤون على الدفاع عن هؤلاء السفاحين الذين لا يحترمون حتى جثث قتلاهم؟
إن كل من سيبرر أو يتستر على هؤلاء المجرمين بعد رؤية الشريط، يعتبر واحدا منهم، سواء كان صحافيا أو شيئا آخر، لأن هذه الدقائق الأربع عشرة المليئة بالصور، التي تعكس وحشية الجرائم التي اقترفها الانفصاليون، هي صك اتهام واضح يضع المجرمين وحماتهم من الصحافيين الإسبان الذين زوروا الحقيقة في قفص الاتهام أمام أنظار الرأي الدولي.
الآن، عندما أرى كيف نفذ هؤلاء الانفصاليون جرائمهم الوحشية أفهمُ، بشكل أفضل، شهادات الأسرى المغاربة الذين كانوا في سجون البوليساريو. أفهم أكثر معاناتهم الإنسانية الاستثنائية، وأصدق أكثر ما كانوا يحكونه عن وحشية التعذيب الذي كانوا يتعرضون له على أيدي الانفصاليين: شق اللحم الحي ودس الملح فيه، غرس الأسرى في الرمال ووضع براميل فوق رؤوسهم إلى أن يموتوا اختناقا، ربط الأسرى وجرهم بالسيارات داخل المخيمات إلى أن تقطع أجسادهم إلى أطراف صغيرة..
إن هذا الشريط يفضح «التربية» الحيوانية التي تربِّي عليها جبهة البوليساريو أبناءَها، ويشرح، لكل من لازال في حاجة إلى شرح، أية كرامة يدافع عنها هؤلاء المجرمون.
لقد كان أفراد الأمن المغربي يعتقدون أنهم في مواجهة عصابة من المنحرفين الخارجين عن القانون، فإذا بهم يكتشفون أنهم في مواجهة أفراد ميليشيا مدربين على الذبح على الطريقة الزرقاوية في أدغال كوبا، ولديهم احتياطي مرعب من الكراهية والغل تجاه كل ما هو مغربي.
إنني، كمغربي، أطالب وسائل الإعلام الإسبانية بوضع هذا الشريط على مواقعها الإلكترونية، كما صنعت مع كل الصور المفبركة والأشرطة المزورة التي توصلت بها حول أحداث العيون من وكالة أنبائها الرسمية التي ضللتها طيلة الوقت بصور أطفال غزة التي تعود إلى أربع سنوات.
هل ستكون لوسائل الإعلام الإسبانية «المستقلة» الجرأة، هذه المرة، على «ارتكاب» المهنية ولو لمرة واحدة في حياتها عندما يتعلق الأمر بالوحدة الترابية للمغرب؟
إننا نعرف مسبقا أن هذا الشريط لن يجد الآذان الصاغية داخل هيئات تحرير القنوات والصحف والمجلات الإسبانية، والتي سترفق تعاليقها حوله بكونه يعكس الرؤية الرسمية لما حدث، ببساطة لأن هذا الشريط يفضح شيئا واحدا وخطيرا حدث في العيون، وهو أن الجثث والقتلى الوحيدين الذين سقطوا في العيون كانوا بين رجال الأمن المغاربة.
عملية ذبحهم وقتلهم بالقضبان والسكاكين والحجارة، قبل التبول على جثثهم، كلها موثقة بالصورة.
إن هذه الصور البشعة تفضح، بشكل قاطع، أن ما حدث في العيون عمل إجرامي ووحشي لا أحد يستطيع تبريره، إلا إذا كان يريد تبرير الإرهاب والمتورطين فيه.
وعلى عبد العزيز المراكشي، الذي ذهب يتباكى أمام مجلس الأمن لتكوين لجنة تحقيق حول ما حدث في العيون، أن يخجل من نفسه وهو يشاهد في الشريط كيف تصرف رفاقه «المسالمين» الذين «يقاتلون» من أجل «الكرامة» ذبحا بالسيوف والخناجر ويتبولون على جثث ضحاياهم مثل ما تصنع الضباع.
حاشا لله أن يكون هؤلاء السفاحون صحراويين. فالأنفة والروح الإسلامية وعزة النفس التي عرفت عن الصحراويين تنزههم عن تلطيخ أياديهم بدماء إخوانهم. هؤلاء ليسوا سوى «ملاقطية» ومرتزقة رمال الصحراء، وسكانها بريئون منهم ومن جرائمهم.
الآن، وبعد الانتهاء من مشاهدة هذا الشريط المرعب، ما هو أول سؤال يتبادر إلى الذهن؟
إنه، ببساطة: «لماذا لم تستعمل قوات الأمن الرصاص لكي تدافع عن أفرادها الذين وقعوا بين أيدي هؤلاء القتلة؟
إن أول رد فعل كان يجب أن تقوم به قوات الأمن التي كانت تتابع الأحداث من المروحيات، عندما كشف المجرمون عن نواياهم الحقيقية وأشهروا سيوفهم وخناجرهم وقنيناتهم الحارقة وشرعوا يذبحون أفراد قوات الأمن، هو اللجوء إلى استعمال الرصاص ضدهم.
وحتى لو سقط قتلى بين هؤلاء المجرمين فإن قتلهم كان سيكون مبررا، لأن قوات الأمن كانت ستكون في موقف الدفاع عن حياة أفرادها وهيبة الدولة التي مرغها هؤلاء الأوغاد في التراب.
إن الشريط، الذي صوره أفراد قوات الأمن من المروحيات، كاف لكي يعطي الدولة المغربية الحق في استعمال السلاح للدفاع عن حياة أفرادها غير المسلحين الذين سقطوا فريسة سهلة بين أيدي عصابة مدربة على القتل بدم بارد.
لقد كان على أجهزة الأمن أن تفكر مرتين قبل أن ترسل قواتها إلى ساحة المعركة بدون أسلحة للدفاع الذاتي، وبدون خطة مدروسة لتفكيك المخيم وإعادة الهدوء إلى العيون بدون وقوع قتلى وجرحى بكل هذا العدد الكبير.
إن عدد القتلى والجرحى في صفوف قوات الأمن يعطينا صورة واضحة عن الأخطاء الأمنية التي رافقت عملية تفكيك المخيم. وهذه الأخطاء يتحمل وزرها الجنرالات الذين قادوا العملية دون أن يضعوا في اعتبارهم السلامة الجسدية لرجالهم.
عندما نرى الشجاعة التي تحلى بها سائق سيارة الإسعاف وسائق سيارة الإطفاء اللذين تم توقيفهما وإخراجهما وقتلهما بالعصي والسيوف والخناجر، نتساءل هل كان صعبا على هذين السائقين أن يخترقا الجموع بسيارتيهما ويدهسا كل من يعترض سبيلهما دفاعا عن النفس.
الجواب أن السائقين كانا يستطيعان ذلك، لكنهما فضلا أن يوقفا سيارتيهما ويقعا في «أسر» هؤلاء المجرمين على استعمال العنف ودهسهم مثل الحشرات فوق الطريق.
والنتيجة هي أنهما دفعا حياتيهما ثمنا لهذا الاختيار.
نعم إنهما، رفقة الآخرين، سقطوا شهداء للواجب، لكنهما أيضا، رفقة الآخرين، ضحايا خطة أمنية فاشلة أعطت الأفضلية لحياة المجرمين، فيما وضعت حياة رجالها في المرتبة الثانية.
إن العنف يكون مبررا في حالة الدفاع عن النفس، وفي حالة الدفاع عن الوطن. وهؤلاء المجرمون، الذين ذبحوا رجال الأمن وتبولوا على جثثهم، كانوا يستحقون القتل رميا بالرصاص. وعدم التدخل من أجل حمايتهم لديه اسم في القانون، إنه عدم تقديم المساعدة إلى شخص في خطر، وخصوصا إذا كان الأمر يتعلق بخطر الموت.
الآن وقد أصبح هذا الأمر مستحيلا، فليس هناك بد من البحث عنهم واحدا واحدا وتقديمهم إلى المحاكمة العادلة لكي ينالوا الجزاء الوحيد الذي يليق بما ارتكبوه من جرائم وحشية: الإعدام لكل من يثبت أنه لطخ يديه بدماء هؤلاء الشهداء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.