وفاة ملاكم بعد أسبوع من فوزه باللقب الذهبي لرابطة الملاكمة العالمية    البطولة... نهضة الزمامرة يرتقي إلى الوصافة واتحاد طنحة يعود لسكة الانتصارات    كلميم..توقيف 394 مرشحا للهجرة غير النظامية    الكعبي ينهي سنة 2024 ضمن أفضل 5 هدافين في الدوريات العالمية الكبرى    عملية أمنية تنتهي بإتلاف كمية مخدرات بوزان    الريسوني ل"اليوم 24": تعديلات مدونة الأسرة خالفت الشريعة الإسلامية في مسألة واحدة (حوار)    مرتيل: تجديد المكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للصحة    حملة مراقبة تضيق الخناق على لحوم الدواجن الفاسدة في الدار البيضاء    زياش يضع شرطا للموافقة على رحيله عن غلطة سراي التركي    بوتين يعتذر لرئيس أذربيجان عن حادث تحطم الطائرة    قوات إسرائيلية تقتحم مستشفى بشمال غزة وفقدان الاتصال مع الطاقم الطبي    المغرب داخل الاتحاد الإفريقي... عمل متواصل لصالح السلم والأمن والتنمية في القارة    تشديد المراقبة بمحيط سبتة ينقل المهاجرين إلى طنجة    تأجيل تطبيق معيار "يورو 6" على عدد من أصناف المركبات لسنتين إضافيتين    الاحتفاء بالراحل العلامة محمد الفاسي في يوم اللغة العربية: إرث لغوي يتجدد    الداخلة : اجتماع لتتبع تنزيل مشاريع خارطة الطريق السياحية 2023-2026    غزة تحصي 48 قتيلا في 24 ساعة    "العربية لغة جمال وتواصل".. ندوة فكرية بالثانوية التأهيلية المطار    ارتفاع ليالي المبيت بالرباط وسط استمرار التعافي في القطاع السياحي    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون موضوع مراجعة مدونة الأسرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    هذا ما قضت به محكمة عين السبع في حق محمد أوزال    اليابان.. زلزال بقوة 5.1 درجة يضرب شمال شرق البلاد    مدرب الوداد: بالنسبة للمغرب الفاسي كل مباراة ضدنا بمثابة نهائي الكأس    حصيلة الرياضة المغربية سنة 2024: ترسيخ لمكانة المملكة على الساحتين القارية والدولية    حجم تدخلات بنك المغرب بلغت 147,5 مليار درهم في المتوسط اليومي خلال أسبوع    ترامب يطلب من المحكمة العليا تعليق قانون يهدد بحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة    مطالب بإنقاذ مغاربة موزمبيق بعد تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد    فرح الفاسي تتوج بجائزة الإبداع العربي والدكتوراه الفخرية لسنة 2025    مجلس الأمن يوافق على القوة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    مباحثات مغربية موريتانية حول تعزيز آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين    مونديال الأندية.. الوداد الرياضي يشارك في ورشة عمل تنظمها "الفيفا" بأمريكا    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    الرئيس الموريتاني يجري تغييرات واسعة على قيادة الجيش والدرك والاستخبارات    كيوسك السبت | الحكومة تلتزم بصياغة مشروع مدونة الأسرة في آجال معقولة    أزولاي يشيد بالإبداعات في الصويرة    حريق يأتي على منزلين في باب برد بإقليم شفشاون    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر شمال البلاد إلى 10 قتلى    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجريمة والعقاب
نشر في المساء يوم 19 - 11 - 2010

لا أعرف إن كانت وسائل الإعلام الإسبانية ستكون لديها الجرأة على نشر الشريط المروع الذي وزعته وزارة الداخلية، مساء الاثنين، خلال الندوة الصحافية المشتركة التي نظمها وزيرا الداخلية والخارجية ودعوَا إليها جميع الصحافيين المغاربة والصحافيين الأجانب المعتمدين في الرباط.
14 دقيقة تفضح بالصور كل الجرائم المروعة والبشعة التي ارتكبتها ميليشيات الانفصاليين الموالين للبوليساريو في مخيم «أكديم إزيك» ومدينة العيون.
إن هذا الشريط -الذي سجلته كاميرات مصالح الداخلية والجيش بالطائرة، واعتمدت في تركيبه على صور التقطتها كاميرات الهواتف النقالة، والذي تجدونه في الموقع الإلكتروني ل«المساء»- أصدق أنباء من كل المقالات الملفقة والصور المزورة التي ظلت تنشرها الصحافة الإسبانية طيلة هذه الأيام.
إن أول ما يشعر به المرء وهو يتابع هذا الشريط المروع هو الانقباض والغثيان والتقزز.
كيف يستطيع الإنسان أن يتحمل رؤية أشخاص يوقفون رجل إطفاء يسوق سيارة إسعاف وينزلونه من السيارة ويضربونه بالقضبان الحديدية حتى الموت.
كيف يستطيع المرء أن يتحمل مشهد جمع أفراد من القوات المساعدة داخل المخيم ورجمهم بالحجارة وركلهم بالأرجل وطعنهم بالخناجر والسيوف حتى الموت.
كيف يستطيع المرء تحمل رؤية شخص يفتح سرواله ويتبول على جثتي فردين من أفراد القوات المساعدة، قبل أن يدير وجهه ويركض منتشيا نحو زملائه؟
كيف يستطيع المرء أن يتحمل المشهد الوحشي والمريع لعملية ذبح أحد أفراد القوات المساعدة من الوريد إلى الوريد وسط شوارع العيون، وتركه يتخبط في دمائه أمام أنظار قاتليه؟
إن الجثث والجرائم التي ظلت تبحث الصحافة الإسبانية عن صورها دون أن تعثر عليها توجد في هذا الشريط، لكنها، لسوء حظ الصحافة الإسبانية، لم تكن جثث المدنيين التي ظلوا يكذبون بها على قرائهم، وإنما جثث قوات الأمن المغربي.
فهل ستكون لهؤلاء الصحافيين الإسبانيين الجرأة على الاعتراف أمام قرائهم بأنهم كانوا مخطئين عندما اعتبروا هؤلاء المجرمين، الذين يذبحون الجثث ويتبولون عليها، أبطالا يدافعون عن الكرامة؟
هل سيعتذرون عن إلصاقهم تهمة قتل المدنيين الصحراويين بالأمن المغربي، في الوقت الذي يرون فيه بالصورة الواضحة كيف أن رجال الأمن تم ذبحهم بدماء باردة والتمثيل بجثثهم بأبشع الطرق وأحطها. مع أن الأمن المغربي كانت لديه الإمكانية لسحق هؤلاء المجرمين وإردائهم بالرصاص الحي، بسبب بشاعة الجرائم التي ارتكبوها؟
كيف سيبررون أمام قرائهم لمعان السيوف والخناجر في أيدي هؤلاء القتلة الذين قدموهم إلى قرائهم كفرسان للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟
كيف سيقنعون قراءهم بشرعية ذبح رجال القوات المساعدة كما تذبح الخرفان؟ كيف سيجرؤون على الدفاع عن هؤلاء السفاحين الذين لا يحترمون حتى جثث قتلاهم؟
إن كل من سيبرر أو يتستر على هؤلاء المجرمين بعد رؤية الشريط، يعتبر واحدا منهم، سواء كان صحافيا أو شيئا آخر، لأن هذه الدقائق الأربع عشرة المليئة بالصور، التي تعكس وحشية الجرائم التي اقترفها الانفصاليون، هي صك اتهام واضح يضع المجرمين وحماتهم من الصحافيين الإسبان الذين زوروا الحقيقة في قفص الاتهام أمام أنظار الرأي الدولي.
الآن، عندما أرى كيف نفذ هؤلاء الانفصاليون جرائمهم الوحشية أفهمُ، بشكل أفضل، شهادات الأسرى المغاربة الذين كانوا في سجون البوليساريو. أفهم أكثر معاناتهم الإنسانية الاستثنائية، وأصدق أكثر ما كانوا يحكونه عن وحشية التعذيب الذي كانوا يتعرضون له على أيدي الانفصاليين: شق اللحم الحي ودس الملح فيه، غرس الأسرى في الرمال ووضع براميل فوق رؤوسهم إلى أن يموتوا اختناقا، ربط الأسرى وجرهم بالسيارات داخل المخيمات إلى أن تقطع أجسادهم إلى أطراف صغيرة..
إن هذا الشريط يفضح «التربية» الحيوانية التي تربِّي عليها جبهة البوليساريو أبناءَها، ويشرح، لكل من لازال في حاجة إلى شرح، أية كرامة يدافع عنها هؤلاء المجرمون.
لقد كان أفراد الأمن المغربي يعتقدون أنهم في مواجهة عصابة من المنحرفين الخارجين عن القانون، فإذا بهم يكتشفون أنهم في مواجهة أفراد ميليشيا مدربين على الذبح على الطريقة الزرقاوية في أدغال كوبا، ولديهم احتياطي مرعب من الكراهية والغل تجاه كل ما هو مغربي.
إنني، كمغربي، أطالب وسائل الإعلام الإسبانية بوضع هذا الشريط على مواقعها الإلكترونية، كما صنعت مع كل الصور المفبركة والأشرطة المزورة التي توصلت بها حول أحداث العيون من وكالة أنبائها الرسمية التي ضللتها طيلة الوقت بصور أطفال غزة التي تعود إلى أربع سنوات.
هل ستكون لوسائل الإعلام الإسبانية «المستقلة» الجرأة، هذه المرة، على «ارتكاب» المهنية ولو لمرة واحدة في حياتها عندما يتعلق الأمر بالوحدة الترابية للمغرب؟
إننا نعرف مسبقا أن هذا الشريط لن يجد الآذان الصاغية داخل هيئات تحرير القنوات والصحف والمجلات الإسبانية، والتي سترفق تعاليقها حوله بكونه يعكس الرؤية الرسمية لما حدث، ببساطة لأن هذا الشريط يفضح شيئا واحدا وخطيرا حدث في العيون، وهو أن الجثث والقتلى الوحيدين الذين سقطوا في العيون كانوا بين رجال الأمن المغاربة.
عملية ذبحهم وقتلهم بالقضبان والسكاكين والحجارة، قبل التبول على جثثهم، كلها موثقة بالصورة.
إن هذه الصور البشعة تفضح، بشكل قاطع، أن ما حدث في العيون عمل إجرامي ووحشي لا أحد يستطيع تبريره، إلا إذا كان يريد تبرير الإرهاب والمتورطين فيه.
وعلى عبد العزيز المراكشي، الذي ذهب يتباكى أمام مجلس الأمن لتكوين لجنة تحقيق حول ما حدث في العيون، أن يخجل من نفسه وهو يشاهد في الشريط كيف تصرف رفاقه «المسالمين» الذين «يقاتلون» من أجل «الكرامة» ذبحا بالسيوف والخناجر ويتبولون على جثث ضحاياهم مثل ما تصنع الضباع.
حاشا لله أن يكون هؤلاء السفاحون صحراويين. فالأنفة والروح الإسلامية وعزة النفس التي عرفت عن الصحراويين تنزههم عن تلطيخ أياديهم بدماء إخوانهم. هؤلاء ليسوا سوى «ملاقطية» ومرتزقة رمال الصحراء، وسكانها بريئون منهم ومن جرائمهم.
الآن، وبعد الانتهاء من مشاهدة هذا الشريط المرعب، ما هو أول سؤال يتبادر إلى الذهن؟
إنه، ببساطة: «لماذا لم تستعمل قوات الأمن الرصاص لكي تدافع عن أفرادها الذين وقعوا بين أيدي هؤلاء القتلة؟
إن أول رد فعل كان يجب أن تقوم به قوات الأمن التي كانت تتابع الأحداث من المروحيات، عندما كشف المجرمون عن نواياهم الحقيقية وأشهروا سيوفهم وخناجرهم وقنيناتهم الحارقة وشرعوا يذبحون أفراد قوات الأمن، هو اللجوء إلى استعمال الرصاص ضدهم.
وحتى لو سقط قتلى بين هؤلاء المجرمين فإن قتلهم كان سيكون مبررا، لأن قوات الأمن كانت ستكون في موقف الدفاع عن حياة أفرادها وهيبة الدولة التي مرغها هؤلاء الأوغاد في التراب.
إن الشريط، الذي صوره أفراد قوات الأمن من المروحيات، كاف لكي يعطي الدولة المغربية الحق في استعمال السلاح للدفاع عن حياة أفرادها غير المسلحين الذين سقطوا فريسة سهلة بين أيدي عصابة مدربة على القتل بدم بارد.
لقد كان على أجهزة الأمن أن تفكر مرتين قبل أن ترسل قواتها إلى ساحة المعركة بدون أسلحة للدفاع الذاتي، وبدون خطة مدروسة لتفكيك المخيم وإعادة الهدوء إلى العيون بدون وقوع قتلى وجرحى بكل هذا العدد الكبير.
إن عدد القتلى والجرحى في صفوف قوات الأمن يعطينا صورة واضحة عن الأخطاء الأمنية التي رافقت عملية تفكيك المخيم. وهذه الأخطاء يتحمل وزرها الجنرالات الذين قادوا العملية دون أن يضعوا في اعتبارهم السلامة الجسدية لرجالهم.
عندما نرى الشجاعة التي تحلى بها سائق سيارة الإسعاف وسائق سيارة الإطفاء اللذين تم توقيفهما وإخراجهما وقتلهما بالعصي والسيوف والخناجر، نتساءل هل كان صعبا على هذين السائقين أن يخترقا الجموع بسيارتيهما ويدهسا كل من يعترض سبيلهما دفاعا عن النفس.
الجواب أن السائقين كانا يستطيعان ذلك، لكنهما فضلا أن يوقفا سيارتيهما ويقعا في «أسر» هؤلاء المجرمين على استعمال العنف ودهسهم مثل الحشرات فوق الطريق.
والنتيجة هي أنهما دفعا حياتيهما ثمنا لهذا الاختيار.
نعم إنهما، رفقة الآخرين، سقطوا شهداء للواجب، لكنهما أيضا، رفقة الآخرين، ضحايا خطة أمنية فاشلة أعطت الأفضلية لحياة المجرمين، فيما وضعت حياة رجالها في المرتبة الثانية.
إن العنف يكون مبررا في حالة الدفاع عن النفس، وفي حالة الدفاع عن الوطن. وهؤلاء المجرمون، الذين ذبحوا رجال الأمن وتبولوا على جثثهم، كانوا يستحقون القتل رميا بالرصاص. وعدم التدخل من أجل حمايتهم لديه اسم في القانون، إنه عدم تقديم المساعدة إلى شخص في خطر، وخصوصا إذا كان الأمر يتعلق بخطر الموت.
الآن وقد أصبح هذا الأمر مستحيلا، فليس هناك بد من البحث عنهم واحدا واحدا وتقديمهم إلى المحاكمة العادلة لكي ينالوا الجزاء الوحيد الذي يليق بما ارتكبوه من جرائم وحشية: الإعدام لكل من يثبت أنه لطخ يديه بدماء هؤلاء الشهداء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.